ذكرى الاستقلال.. الاحتلالُ إلى زوال
د. قاسم أحمد الحمران
على مَرِّ التاريخ لم تنجَحْ دولةٌ غازيةٌ أن تتعايشَ وتتآلَفَ مع الشعوبِ التي استعمرت أوطانَها؛ فالعلاقةُ بين الاحتلال والشعوب المحتلّة علاقةُ عِداءٍ، حتى وإن أذعنت الشعوبُ التي قَبِلَت الاستعمارَ وارتضت البقاءَ تحت رحمة المحتلّ، لن تَسْلَمْ من عدائه وحقدِه وخوفه منها؛ فأمريكا التي قامت على جُثَثِ الهنود الحمر، وارتكبت أكبرَ جريمة إبادة جماعية بحق سكان أمريكا الأصليين الممثلين بالهنود الحمر لم تقبل التعايشَ مع ما تبقى من سكان أمريكا الأصليين.
رغم أن الهنود الأحمر اعتقدوا أن المستوطنين الجُدُدَ مُجَـرّدُ آلهة رحيمة جاءت لتخلِّصَهم من الشر وفق أساطيرهم، فتم استئصالُهم وإبادتهم ومن تبقى منهم تم تهجيره قسريًّا بعد نهب ثرواتهم وقتل أبنائهم واستحياء نسائهم، وهناك نماذجُ كثيرةٌ ومتعددة لحروب انتهت بهلاك الشعوب المستعمرة أَو مقاومة المستعمر والتحرّر كضرورة لا مناص منها.
ولنا في اليمن تجارِبُ متعددةٌ في مواجهة العدوان الخارجي انتهت برحيل الاحتلال، ورغم مرور 57 عامًا على رحيلِ آخر جندي بريطاني من جنوب هذا الوطن، إلا أن الدويلات التي لا تاريخ لها تناست أن أبناء اليمن كسروا جبروت الإمبراطورية التي لم تكن تغيبُ عنها الشمس، فأجبروا المحتلّ البريطاني على الرحيل بعد 129 عامًا، مذلولًا مدحورًا، وواجهوا أكبرَ قوة في العالم بالإرادَة وقوة الحق، ولم يهابوا من حداثة الأسلحة البريطانية فخاضوا معركةَ تحرير غير متكافئة بالسلاح والمال والعتاد، فانتصروا وأجبروا المحتلّ على الرحيل.
واليوم يعود الاحتلال تحت ذرائعَ جديدة وبمخطّطات وأجندة متعددة متجاهلًا أن قاموسَ الاستسلام لا يوجد عند أحرار اليمن، وأن كُـلّ المساعي الاستعمارية آيلةٌ للسقوط لا محالة مهما حاول المحتلّ تحسين صورته المتوحشة واستخدام عملائه لتنفيذ أجندة قوي الاستكبار العالمي.
فالشعب اليمني يدرك جيِّدًا، أن عدن كانت ولا زالت محطَّ أنظار الدول الطامعة التي تسعى للحصول على موطئ قدم لها، وتحلُمُ في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي، ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي من خلال السيطرة على جزيرة سقطرى اليمنية.
وتدرك الحكوماتُ التي يشكِّلُها المحتلّ الغازي في المحافظات المحتلّة، ليس سوى أدوات وضيعة مسلوبة الإرادَة والقرار تنفذ ما تؤمر، لا شرعيةَ لها ولا تمثل أبناء المحافظات الجنوبية، صنعها المحتلّ الجديد كما سبق للاحتلال البريطاني أن صنعَ حكومة الاتّحاد أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وحاول أن يمتصَّ غضبَ الشارع الجنوبي المطالب برحيل المحتلّ الإنجليزي حينذاك، فبريطانيا فشلت في الأمس القريب في إجهاض ثورة الأحرار من حركات نقابية وعمالية وطلابية، ولاتزال تقف اليوم وراء صنع حكومة جديدة كلفت بتحقيق أهداف قديمة للإنجليزية، فبريطانيا كانت تخطط للبقاء في جنوب اليمن كحام لدويلات السلاطين ومشيخات وإمارات خلقتها كما خلقت دويلة الإمارات اليوم ومن خلفها “إسرائيل” وأمريكا وبريطانيا “المجلس الانتقالي” الجنوبي كواجهة محلية لتنفيذ مطامع وأجندة الغزاة.
لقد فشل المحتلُّ أكثرَ من مرة، وستفشل إرادَة الشعب اليمني بجنوبه وشمالة كافة المخطّطات والمؤامرات عما قريب، كما كشفت أقنعة الإمارات التي ارتمت إلى حُضن أوليائها الصهاينة، وكذلك السعوديّة التي تزعمت صفقة القرن، وتحولت إلى أدَاةٍ من أدوات أمريكا و”إسرائيل” تنفذ أجندة ومطامعَ المستعمرين مقابل قيام “تل أبيت” وواشنطن بحماية الأُسرة الحاكمة التي صنعتها بريطانيا قبل 100 عام، كما صنعت الإمارات عام 1971، كأدوات لآثاره الصراعات في المنطقة وتنفيذ المؤامرات الدولية،
إن مشاعل ثورة الـ 14 من أُكتوبر وَالـ 30 من نوفمبر 1967م، لا تنطفئ، بل الثورة مُستمرّة ضد المخاطر والأطماع الخارجية، وسيكون مصير المحتلّ الجديد أسوأ من المحتلّ البريطاني، وإن كان الإنجليز قد تمكّنوا مِن إجلاء ما تبقى من قواتهم الاستعمارية وفق اتّفاق مبرم مع أحرار الجنوب قبيل الـ 30 من نوفمبر، فالمحتلّ الجديد لن يستطيع إجلاء جندي واحد من المحافظات المحتلّة، وستتحول اليمن إلى مقبرة للمحتلّين الجدد كما كانت مقبرة لكل لمن سبقهم من غزاة ومحتلّين.