قصة تضامن.. لو كان لي رمزٌ انتخابيٌّ فهو المِكنسة!
منصور البكالي
قبلَ الدخولِ في القصة نطمئنُ من يخافون من رمز المِكنسة ويخشون أن تُستخدمَ هذه المرة من قبل حكومة التغيير والبناء، لإصلاح العمل المؤسّسي، وأقول لكم: مكنستي اليوم لا تعنيكم ولم تطَلكم هذه المرة فقط…! ولكن حديثَنا اليوم ينطلق لتوضيح جهود عمال النظافة من أحفاد بلال، والإشادة بدورهم، الدؤوب خلال أَيَّـام العام، ومختلف المناسبات دون كلل ولا ملل.
يحضرون معنا المسيرات والمظاهراتِ والأسواقَ وبعض المناسبات وجُلَّ الأماكن والشوارع، يسبقوننا في خروجهم إليها ويتأخرون بعدَنا في غُدُوِّهم إلى أطفالهم وعوائلهم، حاملين بأياديهم، أدوات العمل، وبقايا أكل من المطاعم وفاعلي الخير إن وُجِد.
يتوارون عن الأنظار، لا تلتقطهم الكاميرات، لا تُمنَحُ لهم الجوائز والحوافز والترقيات والاكراميات، إلى ما ندر، وجَّهَ قائدُ الثورة بإنصافهم وتحسينِ وضعهم، فاستبشروا خيرًا وما لمسوه لم يكن بالمستوى المأمول.
تقعُ في قلوبهم وتقتحمُها بمُجَـرّد لفتة مع ابتسامة صغيرة، إن وجدتَ أحدهم لتسأله عن المكان الفلاني أَو الشارع الفلاني، حين تحتاجُ إليه، يبادر لإرشادك، وتضحكُ بوجهه الدنيا لمُجَـرّد سماعِه عبارةَ “شكرًا لك”.
إنْ ردّدتَ عليه السلام في الشهر مرتَيِن، أَو قلت له: أي خدمات. حين تمر بجواره وأنت تقود السيارة أَو وضعت في يده حبة سيجارة، بات يفاخرُ بك إن صرت صديقَه، أَو معروفًا لديه، خَاصَّةً إن وقفت لتسلِّمَ عليه وتعطيَه كوبًا فارغًا تناولتَ فيه الشاي السفري ليضعَه في برميل القمامة؛ فماذا لو منحته 100 ريال أَو ألف ريال وأنت تناولُه كيسَ المخلفات ليرفعَه إلى القلاب، حينها تصفق الأفراحُ في وجهه وتبتهج وجناتُه من شيء بسيط.
الحديث يطولُ، ولكن سنذهب بكم ومعكم ومعهم أَيْـضًا إلى ميدان السبعين ومختلف ميادين وساحات المسيرات الجماهيرية، يسبقوننا بساعات أثناء التجهيز والتحضير، ويحضرون معنا ويهتفون ويردّدون الشعارات التي نردّدها، لكن لا أحد ينتبهُ لوجودهم بيننا.. لماذا؟!
كانوا متوارين خلف الأشجار وفوق القلابات يراقبوننا عن كثب، وعلى بُعد أمتار من الساحات ليقدموا لتنظيفِها بعد أن نملأها بالأكياس وبقايا القات وعُلَبِ الماء والعصائر وقراطيس الشكولاتة وبذخ بعض أطفالنا.
نعود إلى منازلنا ولا نعرف إثر ما تركناه خلفنا، نجهدُهم ونرهقهم به، ونضيفُ إلى أعمالهم اليومية في الشوارع عملاً آخر، لا نعرفُ هل يستلمون مقابلَه بعضَ أُلُوف، إضافةً فوق مرتباتهم التي نخجل عن ذكر مقدارها! أم لا.
تتأمل في قصائد الشعراء لا أحد أثنى عليهم ومقالات الكُتَّاب لا أحد ذَكَرَ أوجاعَهم ومعاناتِهم ومظلوميتَهم من قبل حكومات متواترة إلى اليوم.
باسمهم وباسم عملهم الجبار تورد ملايين الريالات تحت مسمى صندوق النظافة والتحسين، وليس لهم منها سوى نزر بسيط، فيما تذهب الكثير منها في صفقات مشتريات تحتاج رقابة فاحصة، أو حوافز وإضافيات للإداريين والمتحصِّلين ونفقاتهم، وما بقي للبنك، حسب قولهم.
تُمنَحُ الألقاب والأوسمة للشُّعراء والرياضيين والكُتَّاب وذوي مختلف المهن والمعارف، وتقام مسابقات ومهرجانات يُكَرَّمُ فيها هذا وذاك، وهم لا يوم مُنِحَ أحدُهم جائزةً أَو شهادة تقدير أَو وسام.
فهَلَّا أنصفناهم، وأقمنا القسط، وراجعنا ضمائرنا وحساباتنا وتوجيهات القيادة، قبل يوم يسألُنا الله عنهم وعن تعاملنا معهم وعن حرمان أطفالهم وأجيالهم المتعاقبة من التعليم والوظائف المرموقة، إنهم ليسوا مهمشين فحسب، بل هو منسيون مظلومون مقهورون، لا يجدون من يتحدَّثُ عن معاناتهم.
إن كان لي رمزٌ انتخابيٌّ في قادم الأعوام فهو المِكنسة تضامناً معهم، وإن كان لي طلبٌ أطلبه من القيادة فهو لفتةٌ كريمةٌ ومراجعةٌ حثيثةٌ وسريعةٌ لتعامل الدولة والمجتمع مع هؤلاء وإنصافِهم.