إلى أبي الشهيد
رويدا البعداني
السَّلام على روحكَ الطاهرة الحاضرة دائمًا رغم سطوة البُعد وضَيْمِ المسافات، السلام على ضريحك المقدس وعبق روضة ندية سكنتها ذات اصطفاء، السلام لمجدكَ التليد المجبول بالفخر والاعتزاز، والعزاء الأليم المطرز باللوعة لفؤادٍ ذاق حرة اليتم منذُ نعومة أظفارهِ، وغشاهُ الفقدُ الأليم.
أبي الشهيد، لا أخفيكَ وجع الشوق إليكَ بلغَ من العمرِ عتيًّا، والصبرُ ناهز الأربعين حنينًا، لا تمرُ سحابة إلا وحملت مآثرك على هودجها، ولا تُولد قصيدة مرثية إلا وأنتَ بمطلعها، ولا تُزف جنازة جديدة إلا وكنتَ في مقدمتها، أنا يا مهجة القلب لم أنسك لأذكركَ، من ذا الذي ينسى الأبَ الحنون، والبطل الجسور؟ من منَّا مر يومُهُ دون أن يكحل عينه بمرآك، فأمي بعد كُـلّ سجدة تراكَ بعين قلبها، وتحكي لكَ عبر المدى كيف تجشمت مشاق الحياة بعدكَ، ومضت بذاتِ الوتيرة والدرب الذي رسمتهُ لنا.
أبي الشهيد، أنا اليوم أكثرهم تجلدًا، وأقلهم تأوهًا، لم يخب وهجي أَو يتزعزع ثباتي، أمرُّ على الديار بشموخ من بعدكَ، وأحضنُ الأطلالَ العامرة بكَ بكل حب وصبر، أستحضرُ صوتَكَ العذب غيبًا وأنت تتلو آيات الحمد، حين كنت تملأ المعمورة بشذى صداك، وزهو وجودك، علمني رحيلك يا أبي أن العظماء أشبه بتحفة تاريخية عظيمة، تزدادُ قيمة كلما مضى عليها الزمن.
اطمئن، هأنذا الأسد الهصور الذي يزداد شبهًا وأنفة منكَ، بات القرآن خير أنيس وونيس لي، لم أحد يومًا عن دربك، ولم يزدني رحيلكَ إلا إيماناً ورضا بما كتبهُ الله لي.. دمتَ حيًّا كريمًا عزيزًا عند رب عظيم يا أعزَّ ما لديَّ.