إجماع دولي على سمعة العدوّ الاقتصادية والأمنية.. “إسرائيل” باتت قاعدة “مهترئة” وغير آمنة للاستثمار
المسيرة: نوح جلّاس
لا تزالُ المعاناةُ الاقتصادية للعدو الصهيوني في تصاعد مُستمرّ على الرغم من توقُّف عمليات حزب الله التي كانت تحرق الأخضر واليابس؛ ما يؤكّـد أن الضرباتِ التي تلقاها العدوّ الصهيوني وما يزال يتلقاها من اليمن والعراق، قد رسمت له منحدرًا مُستمرًّا على الصعيد الاقتصادي، ستظل تلقي بظلالها عليه حتى يدفع كاملَ ثمن إجرامه.
وفي سياق التدهور الاقتصادي المُستمرّ، سلّطت وسائلُ إعلام دولية وصهيونية وجهات اقتصادية معنية، الضوءَ على جديد الانهيارات الاقتصادية الإسرائيلية، على وقع التصنيفات المتدنية الائتمانية للعدو الصهيوني، جراء الانحدار الاقتصادي الكبير الذي مُني به العدوّ، بعد أن كان يفاخر بمدن فلسطين المحتلّة بأنها الوجهة الآمنة لبناء الاقتصادات الكبرى وإنعاش الاستثمارات العالمية.
انخفاض متواصل للنمو والتصنيف:
وبعد أَيَّـام قليلة لانخفاض جديد في تصنيف العدوّ الصهيوني الائتماني من قبل وكالة موديز، خفّضت ما تسمى “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” توقعاتها للنمو في “إسرائيل”، بنسبة 0.6٪ فقط، بعد أن كان المتوقع 1.9٪ المقدرة سابقًا عن العام 2024، في حين أضافت المنظمة توقعات سلبية للنمو في العام المقبل 2025، ما يؤكّـد أن سمعة العدوّ الإسرائيلي الاقتصادية قد باتت مضروبة لدى كبرى الوكالات العالمية والمنظمات المعنية بالتقييمات الاقتصادية.
وتأتي هذه الأرقام والتوقعات لتشير إلى الضغوط التضخمية والعجز المالي المتواصل والاختلالات الكبيرة في منظومة العدوّ الاقتصادية، جراء التهديدات التي تحيط بالعدوّ على خلفية استمرار عدوانه وحصاره على غزة.
وأشَارَت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرًّا لها، في تقرير حديث، إلى أن توقعاتها وتصنيفاتها لاقتصاد العدوّ الصهيوني تأتي مبنية على المعطيات الموجودة، بالنظر إلى العجز المالي الذي يتجاوز 8،3 % من الناتج المحلي الإجمالي، لافتةً إلى أن العجز في العام 2025 سيستمر وسيكون بأرقام تفوق توقعات الحكومة الصهيونية.
وشككت المنظمة في قدرة حكومة المجرم نتنياهو على تلافي الأوضاع في ظل هذا النزيف الاقتصادي المُستمرّ، مؤكّـدةً أن استمرار العدوان والحصار على غزة، وما يترتب عليها من تبعات مباشرة وغير مباشرة، سيقود اقتصاد العدوّ الصهيوني لمزيد من الانهيارات.
وجاء في التقرير “المخاطر الاقتصادية لإسرائيل لا تزال عالية جدًا”، في حين أن هذا التوصيف الذي يأتي بعد توقُّف الجبهة اللبنانية، يشير إلى أن استمرارَ العمليات المساندة لفلسطين من اليمن والعراق هو الخطر القائم، والذي سيقود إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية على العدوّ الصهيوني.
وأكّـدت أن استمرار المخاطر التي تحيط بـ”إسرائيل” ستقود لهروب المزيد من المستثمرين وارتفاع عائدات السندات “الحكومية” وانخفاض العملية “الشيكل”، في تأكيد على أن هيئة الرقابة الدولية، لا سيما المنظمات والهيئات المعنية بالشؤون الاقتصادية، باتت تعي التأثيرات الكبيرة التي تتركها العمليات المساندة على اقتصاد العدوّ، فضلًا عن التأثيرات المباشرة على الوضع الأمني والسياسي والعسكري في عمق الاحتلال.
سُمعة العدوّ الاقتصادية تضاعفُ “الهروب”:
وفي سياق متصل، ذكرت وسائل إعلام صهيونية أن مدينة “يافا” المحتلّة التي يسميها العدوّ “تل أبيب” احتضنت قبل أَيَّـام قليلة اجتماعًا لمستثمرين ورجال أعمال ومصرفيين للنقاش حول آفاق اقتصاد الكيان الصهيوني بعد الحرب، مشيرةً إلى أن الجميع حذر من سيناريوهات المرحلة المقبلة في ظل استمرار العدوان والحصار على غزة، وكذلك في ظل استمرار التداعيات المرتبة عليها، وهنا تأكيد على أن هناك إجماعًا وتوافقًا على صيرورة فلسطين المحتلّة جغرافيًّا غير صالحة للاستثمار وبناء الاقتصادات كما كان في السابق قبل الطوفان.
وأكّـدت أن المجتمعين حذروا من أسموهم “الجمهور الإسرائيلي” من أزمات اقتصادية قادمة حتى وإن توقفت الحرب، ما يشير إلى السمعة الاقتصادية السيئة التي باتت لا تكتفي بطرد المستثمرين ورؤوس الأموال فحسب، بل صارت سمعة تبعث الخوف والهلع في صفوف “المستوطنين – الغاصبين”.
وتأتي هذه التحذيرات بعد هروب أكثر من نصف المستثمرين وإغلاق 61 ألف شركة أبوابها لأسباب كثيرة، ولكن جميعها يعود إلى استمرار العدوان والحصار على غزة، وما ينجم عن ذلك من تهديدات أمنية وسياسية وعسكرية واقتصادية على العدوّ الصهيوني، لا سيما في ظل الحصار البحري اليمني الخانق، والعمليات الصاروخية المُستمرّة للمقاومة العراقية والقوات المسلحة اليمنية في عمق الاحتلال الصهيوني، لا سيما وقد صارت العمليات تستهدف الأهداف في شمالي فلسطين –حَيثُ التمركز الحيوي والاقتصادي للعدو الصهيوني– فضلًا عن تصاعد العمليات على تل أبيب وغيرها.
وقد أشَارَت أَيْـضًا وسائل إعلام العدوّ الصهيوني إلى أن “الغاصبين – المستوطنين” والشركات الإسرائيلية تواجه شبح دفع المزيد من الضرائب والحرمان من الدعم “الحكومي”، في إشارة إلى أن حكومة المجرم نتنياهو لم تعد قادرة على احتواء الموقف في الحفاظ على ما تبقى من رؤوس الأموال؛ بسَببِ تراكم الضغوط المالية والاقتصادية وتصاعد التهديدات.
ونقلت تصريحات لمن يسمى “موشيه كابلينسكي” الذي يرأس أكبر شركة لتكرير بتروكيماويات في فلسطين المحتلّة، والذي أكّـد أن “الظروف تزداد سوءًا وسنحتاج إلى الكثير من المال لاستعادة الجيش والاقتصاد والشركات التي تضررت خلال الحرب”. مُضيفًا “ما يقلقني هو أن الحكومة ليس لديها خطة متماسكة تحدّد وتدير الأولويات اللازمة للحفاظ على عجز متوازن في وقت الأزمات”، وتوحي هذه التصريحات بأن حكومة العدوّ الصهيوني لم تعد محل ثقة حتى لدى المستثمرين ورجال الأعمال الصهاينة، ما بال المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب الذين يفرون بأموالهم واستثماراتهم في هروب جماعي متواصل.
بفضل عمليات الإسناد.. العدوّ من قلعة اقتصادية إلى بيئة غير صالحة للحياة:
وعلى ذات الصعيد، نشرت صحيفة “كالكاليست” الصهيونية المتخصصة بالشؤون الاقتصادية، تقريرًا عن المعاناة الاقتصادية التي يعانيها العدوّ، في ظل استمرار التهديدات على الرغم من توقف صواريخ حزب الله.
وجاء في التقرير جملة من البيانات الصادرة عما يسمى “مكتب الإحصاء المركزي” الإسرائيلي، والتي تشير إلى أن الحرب على غزة وتداعياتها المباشرة المتمثلة بعمليات حزب الله وجبهتَي الإسناد اليمنية والعراقية، كبدت اقتصاد العدوّ عشرات المليارات من الدولارات فيما يتعلق بالإنفاق المالي، في حين أن باقي الخسائر الأُخرى التي تكبدها “الغاصبون” ومنظومة الكيان بشكل عام فهي غير قابلة للمعالجة حتى ولو بعد سنوات عديدة من وقف الإجرام.
وأشَارَت إلى أن ما كان ذات يوم اقتصادًا مزدهرًا مع قطاع تكنولوجي قوي وأداء مالي عام مستقر، يتعرض الآن إلى ضغوط هائلة، مع ارتفاع النفقات العسكرية، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، واضطرابات العمالة التي تشكل تهديداتٍ وجوديةً للاستقرار الاقتصادي “إسرائيل”، في تأكيد آخر على أن العدوّ الصهيوني بات يملكُ فقط قاعدةً اقتصاديةً مدمّـرة، أَو على الأقل قاعدة رخوة لا تصلح للبناء إلى بعد سنوات طويلة.
وأكّـدت “كالكاليست” أن تداعيات الحرب على غزة رفعت الإنفاقَ العسكري الإسرائيلي إلى قرابة 5 مليارات دولار شهريًّا، وهو رقمٌ كبير ومرشح للزيادة، خُصُوصًا وأن مسؤول صهيوني اقتصادي توقع ببلوغ تكلفة الحرب على غزة وتداعياتها سيصل إلى 120 مليار دولار، حَيثُ يستند هذا المسؤول الذي يسمى “ياكوف شينين”، وهو أَيْـضًا مستشارُ رؤساء وزراء ووزراء إسرائيليين على مدار عقود من الزمن، في توقعاته على حجم الإنفاق العسكري المصاحب لعجز مالي، وشلل في الاستثمار والصناعات والصادرات والواردات، وتوقف لقطاعات حيوية أُخرى كالسياحة.
ووفق المعطيات فَــإنَّ هذه الجوانب من المعاناة التي ذكرها الخبير الصهيوني، تعود أسبابها للعمليات العسكرية النوعية التي نفذتها المقاومة وجبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق، حَيثُ فرضت عمليات الإسناد حصاراً بحريًّا وخلقت أزمة نقل جوي، وأوجدت تهديدات كبرى أفرغت خزينة العدوّ حرمتها من أوعية اقتصادية كانت تدر عشرات المليارات من الدولارات، خُصُوصًا تعطل قطاع الاستثمار في التكنولوجيا؛ بسَببِ الحصار البحري وأزمة النقل الجوي، وكان هذا القطاع يمثل ربع عائدات العدوّ الاقتصادية.
وبالعودة لتقرير “كالكاليست” وأرقام ما يسمى “مكتب الإحصاء المركزي”، فقد أَدَّت تداعياتُ الإجرام الصهيوني إلى حرمان العاملين في القطاع الخاص من 61 ألفَ وظيفة، فيما تراجعت أعدادُ الوظائف “الحكومية” بشكل كبير، فيما انخفَضَ متوسطُ الأجور السنوي بواقع 3500 دولار.
وتأتي هذه الخسائرُ التي يتحمِّلُها بشكل مباشر “الغاصبون – المستوطنون”، وسط زيادات ضريبية وأوضاع معيشية آخذةٍ في التدهور ومصحوبة بتهديدات أمنية مُستمرّة، وهو الأمر الذي يوسّع رقعة الهجرة العكسية في صفوف “الغاصبين أنفسهم” وليس فقط الأجانب والسياح والمستثمرين، خُصُوصًا وأن هجرة الغاصبين وصلت إلى نصف مليون شخص غادروا فلسطين المحتلّة منذ أُكتوبر 2023، لم يعد منهم إلا القليل جِـدًّا، بحسب ما نشرت وسائل إعلام صهيونية في وقت سابق.
وبهذه الأرقام، وفي ظل استمرارِ التهديدات التي تحيطُ العدوّ من كُـلّ جانب، فَــإنَّ مدنَ فلسطين المحتلّة لم تعد فقط بيئة طاردة للأموال والاستثمار، بل أصبحت حتى بيئة طاردة للحياة؛ ما يؤكّـد للعدو الصهيوني أن شهيته الإجرامية المفتوحة في غزة، ستنقلب بآثار عكسية في المدن المحتلّة، فأرقام التهجير والخسائر والمخاطر هناك تفوق الأرقام في غزة، بغض النظر عن فارق جرائم القتل والتنكيل التي يتعرض لها الفلسطينيون في القطاع، لكنها حتمًا سترتد وبالًا على العدوّ، وزوالًا له.