سورية الخاصرة الرخوة
د. محمد عبد الله يحيى شرف الدين
بادئ ذي بدء؛ ليس سوى الدروس والعبر فيما وراء هذه السطور، ومن قاعدة: (عين القرآن، وعين على الأحداث)، وبناء عليه: لقد استعان العرب في مواجهة الأخطار المحدقة بهم بشتى النظريات الوضعية، واعتبرها العرب منهجيات نظرية ومنصات انطلاق تتبلور في الواقع العملي، فكان منهم من له عين نحو النظريات الشرقية، وعين أُخرى ترنو النظريات الغربية؛ انطلاقًا من الشعور بالوطنية لحماية الأوطان.
ويطول سرد التجارب العربية التي اعتمدت تلك النظريات منذ مطلع القرن الـ ١٩، وحتى المعاصرة إلا أن التجربة السورية هي اليوم على خطوط التماس الساخنة مما يستدعي خصها بالدراسة والتحليل الموضوعي، واستقراء الدروس والعبر.
في عام ٢٠١١م فزع النظام السوري مستنجِدًا بروسيا، وليس ذلك وليدًا لحظيًّا؛ إنما كان استنجادًا له جذور ارتباط نظرياتي، من حميمية راسخة، كحميمية رسوخ العولمة التركية، والإمبريالية الخليجية.
ومما لا شك فيه أن الوطنية والحفاظ على الوطن هو الدافع للنظام السوري للاستنجاد بحليفه الاستراتيجي، ويشفع نفي ذلك الشك بنفي شك آخر يتماس مع سابقه ويواكبه، ويتمثل بنفي الشك عن إخلاص النظام السوري للعروبة التي مثّلت القضية الفلسطينية رأسَ حربة للعروبة؛ ولذا استعان النظام السوري في العام ذاته؛ مِن أجلِ الحفاظ على قضية العروبة المركزية بجمهورية إيران الإسلامية والقوى الإسلامية في العراق، وحزب الله في لبنان الذين يدافعون عن القضية الفلسطينية، ويدعمونها.
نعم؛ استطاع النظام السوري تحقيق أغلب أهدافه طيلة ثلاثة عشر عامًا؛ لكن دون تحقيق أهداف استراتيجية تحقّق الأمن الوطني الدائم لسورية، وهنا يتبادر سؤال مركزي: ما الأسباب التي حالت دون تحقيق النظام السوري تلك الأهداف الاستراتيجية؟
أولا: يقول الله تعالى: {وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡ}، [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٢٠]، وروسيا ليست باستثناء عن ذلك المبدأ القرآني الذي غفل عنه النظام السوري؛ ولذا فَــإنَّه بمُجَـرّد إبرام تسوية روسية أمريكية، كانت سورية هي الخاصرة الرخوة لتلك التسوية.
ثانيًا: يقول الله تعالى: {وَقَـٰتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّه ٱلَّذِینَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ}، [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٩٠]، وهذان مبدآن إلهيان غفل عنهما النظامُ السوري.
ثالثًا: يقولُ الله تعالى عن المنافقين في سورة المنافقون: {هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡ قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّه أنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ}، [سُورَةُ المُنَافِقُونَ: ٤]، فلم يتخذ النظام السوري منافقي العرب أعداء، ولم يحذرهم.
وهنا نلخص إلى دروس وعبر منها:
١- البناء الإيماني المرتبط بالله ثقة وتوكُّلًا هو الطريق الحصري لتحقيق النصر؛ ولذا كانت الثلاثة عشر عامًا، (فرصة ذهبية) للنظام السوري للتخلص من النظريات الوضعية، وبناء شعب وجيش إيماني، فلما ضاعت هذه الفرصة أضاعت معها فرصة الاستغناء عن روسيا والاعتماد على الله تعالى وحده، لا شريك له، وهو سبحانه الناصر، فقال تعالى: {إِن یَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُم وَإِن یَخۡذُلۡكُم فَمَن ذَا ٱلَّذِی یَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ}، [سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٦٠].
٢- النظرة القرآنية للمنافقين تخلق وعيًا راسخًا عنهم، فينتج مواقف واضحة؛ ولذا كان تخندق منافقي العرب ضد النظام السوري كافيًا للحذر منهم، ولكنه لم يحذر؛ إنما انجر وراء وعودهم المخاتلة، وانزوى عن محور القدس والجهاد والمقاومة، فشكَّل ذلك خاصرةً رخوة.
وأخيرًا: إن انتصار حزب الله في لبنان، وإن جهاد مقاتلي الإسلام في قطاع غزة ضد العدوّ الإسرائيلي والأمريكي، وصمودهم لأكثر من عام مع فاعليتهم التنكيلية بالعدوّ هما النموذج الذي لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، وذلك بالبناء الإيماني، والاعتماد على الله تعالى، واتِّخاذ سبيل الله تعالى عنوانًا شامِلًا يندرجُ في ثناياه الوطن والوطنية، وليس العكس.