السيدُ عبدالملك الحوثي في خطاب حول آخر التطوُّرات والمستجدَّات: حاضرون لقتال أمريكا و”إسرائيل” وأي طرف يستهدف اليمن خدمة لهما

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

في الشهر الثالث من العام الثاني، والعدو الإسرائيلي يواصل إجرامه الهمجي الوحشي الإجرامي، لإبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي هذا الأسبوع ارتكب العدو الإسرائيلي ستاً وعشرين مجزرة إبادةٍ جماعية، وكانت محصلتها استشهاد وجرح ما يقارب التسعمائة من أبناء الشعب الفلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافةً إلى أعداد أخرى لا تزال تحت الأنقاض، تضاف هذه المجازر خلال هذا الأسبوع إلى آلاف المجازر التي قبلها، منذ بداية العدوان الإسرائيلي الهجي على قطاع غزة، خلال كل هذه المدة، في كل يوم ارتكب العدو الإسرائيلي مجازر جماعية ضد الشعب الفلسطيني.

في أواخر الأسبوع الماضي، شنَّ العدو الإسرائيلي أيضاً هجوماً على مستشفى كمال عدوان، وكأنه يشن هجوماً على قلعةٍ عسكريةٍ مُحصَّنة، في الاستهداف للمستشفى استخدم العدو الإسرائيلي في هجومه ذلك الطائرات المسيَّرة لقصف المستشفى، واستخدم سلاح البر، واستخدم كل الأساليب الهمجية، في الاستهداف للكوادر الطبية والمرضى في داخل المستشفى، بدأ الهجوم بسلسلة غاراتٍ مكثفة، مصحوبةً بنيرانٍ كثيفةٍ ومباشرة على المستشفى، ومنها: الاستهداف المباشر لمحطة الأوكسجين، متعمداً باستهدافه لها قتل الأطفال الخُدَّج والمرضى في غرف العناية المُرَكَّزة، ثم قام باعتقال البعض من الكوادر الطبية، وأجبر الطاقم الطبي الإندونيسي على المغادرة للمستشفى، وهو الطاقم الوحيد المتخصص في الجراحة الحرجة، إضافةً إلى المعاناة الكبيرة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ نتيجةً لهذا السلوك الإجرامي في الاستهداف للخدمة الطبية، والعمل على إنهائها، نتج عن ذلك مع منعه لدخول الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، نتج عن ذلك آلاف الوفيات من المرضى، حيث لا يتوفر الدواء لمعظم الأمراض، التي يمكن معالجتها بإذن الله تعالى من خلال الأدوية.

هناك أيضاً معاناة كبيرة للجرحى، وهناك خمسة عشر ألف مصاب بحاجة للعلاج في الخارج، لم يفتح العدو المجال لخروجهم، هناك معاناة مع برد الشتاء القارس من كثيرٍ من الأمراض، ولاسيَّما على الطاعنين في السن، وعلى الأطفال، وعلى الجميع؛ باعتبار الكل يعاني من سوء التغذية.

يواصل العدو الإسرائيلي أيضاً الإبادة بطريقة التجويع، كسلاح من أسلحة الإبادة للشعب الفلسطيني، والمجاعة على أشدها، وصل الحال بأكثر النازحين في قطاع غزة، أنهم أصبحوا يقتاتون في غذائهم الضروري على أعلاف الحيوانات، إن وجدت، وهي قليلة أيضاً، هي بنفسها محدودة وقليلة، والبعض منهم يضطر للذهاب إلى القمامات؛ للتقوّت منها، مع ما يسببه ذلك من أمراض ومعاناة كبيرة جداً، ما يتوفر من الطعام هو الشيء اليسير جداً جداً جداً؛ ولــذلك يعاني الجميع معاناة كبيرة جداً، ويواصل العدو الإسرائيلي هجمته الوحشية في شمال القطاع، حيث يسعى لتفريغ شمال قطاع غزة من السكان بشكلٍ كامل، ويحاول من خلال التهجير القسري ألَّا يبقى أحد في شمال قطاع غزة.

يستمر أيضاً في الضفة الغربية بتدمير البيوت، وتجريف الأراضي، والمصادرة أيضاً لكثيرٍ من الأراضي للمغتصبين الصهاينة؛ لبناء مغتصبات جديدة فوقها، ويواصل جرائم القتل والاختطاف، ومن المؤسف في هذا الأسبوع أيضاً، ما حدث من عناصر السلطة الفلسطينية الأمنية من جرائم القتل؛ لخدمة العدو الإسرائيلي، وما تكرر منهم من جرائم القتل خلال كل هذه المرحلة، وما يقدمه البعض منهم من خدمة العدو الإسرائيلي، بالتعاون المعلوماتي معه؛ لاستهداف أبناء الشعب الفلسطيني تحت عنوان (التنسيق الأمني).

وهكذا نجد أن كل أنواع الجرائم يمارسها العدو الإسرائيلي، في مقابل ما يستمر عليه معظم المسلمين ومعظم العرب من التخاذل التام والتفرج، إلى درجة أن تصبح الكثير من المشاهد المأساوية، المؤلمة جداً، التي تشهد على المظلومية الكبرى للشعب الفلسطيني، أن تصبح لدى الكثير مشاهد اعتيادية، مع طول الوقت واستمرار العدوان الإسرائيلي، لا تستفزهم، ولا تحرك وجدانهم، ولا تحيي فيهم ضمائرهم التي أصبحت ميّتةً، وهكذا ينسون واجبهم الإنساني، واجبهم الديني، واجبهم الأخلاقي، وينسون كل العناوين التي عادةً ما يتحرك الكثير تحتها: عنوان العروبة، عنوان العقيدة والجهاد… كل العناوين نُسِيت وتُنسى، ويتم العمل على شطبها من القائمة عندما يتعلق الأمر بفلسطين.

مع كل هذه المأساة الكبرى في فلسطين، وما يقوم به العدو الإسرائيلي في فلسطين، ويرتكبه من جرائم رهيبة جداً، وعدوانٍ شامل، كان ينبغي لأمتنا الإسلامية بحكم مسؤوليتها الدينية، والإنسانية، والأخلاقية، أن تتحرك لإيقافه ومنعه، ولنصرة الشعب الفلسطيني وإغاثته ونجدته، إلا أننا نرى في مشهدنا العربي تطورات أخرى، يحضر فيها العدو الإسرائيلي بعدوانه، وإجرامه، وبغيه، واحتلاله، وفي إطار التطورات الحاصلة في سوريا، والتي عبَّر العدو الإسرائيلي عن أنها تمثل فرصةً حقيقيةً له، وأعلن على ضوء ذلك إنهاء اتفاقية فضَّ الاشتباك، التي كانت آنذاك في العام 74 ميلادية، بعد حرب كبيرة، وبعد مساعي من جانبه لاحتلال سوريا واجتياحها بشكلٍ كامل، وكان هناك رقابة من الأمم المتحدة، ورقابة دولية، إلَّا أن الإسرائيلي رأى في الأوضاع الراهنة في سوريا، وفي ظل التطورات الحاصلة فيها أنها تمثل فرصةً له، وهو ينتظر لمثل هذه الفرص، وفي نفس الوقت يختلق الكثير من الفرص، ويسعى إلى صنع الفرص؛ لاستغلالها بشكلٍ كبير، ضد من؟ ضد شعوب أمتنا بكلها، بدءاً من محيط فلسطين: دول الشام ومصر، التي هي مجاورة لفلسطين، هي في مقدمة الدول التي هي مستهدفةٌ من العدو الإسرائيلي، هو طامعٌ فيها، يعلنها بشكلٍ متكرر ضمن النطاق الذي يسعى للسيطرة التامة عليه، واحتلاله، وهذا موجودٌ أيضاً ضمن كل برامجه الإعلامية، وضمن خطته السياسية، وضمن مؤامراته التي يشترك فيها مع الأمريكي… وغير ذلك.

العدو الإسرائيلي عبَّر عن التطورات الحاصلة في سوريا، كما قال [المجرم نتنياهو]، قال: [سقوط نظام الأسد يخلق فرصاً جديدةً ومهمةً لإسرائيل]، ما هي الفرص؟ الفرص هي التي ترجمها الإسرائيلي بالفعل، بعد أن عبَّر عنها بالقول، وقال [المجرم نتنياهو] أيضاً: [نحن نغير ملامح الشرق الأوسط]، وهو يتحدث عن هذا العنوان الذي سنتحدث عنه في سياق الكلمة إن شاء الله.

الإسرائيلي نفَّذ عدواناً كبيراً على سوريا في اتجاهين:

  • الاتجاه الأول هو: التوغل بقواته إلى عمق سوريا، لاسيَّما في جنوب سوريا، والمناطق المحاذية للجولان السوري:

وفي هذا الجانب قامت قواته بالاجتياح البري إلى ما يسمى بالمنطقة العازلة، ثم تقدمت وصولاً إلى جبل الشيخ السوري الاستراتيجي، وامتد اجتياح الجيش الإسرائيلي إلى مناطق، ومدن، وبلدات، في جنوب سوريا، منها: الحميدية، والرواضي، ومنطقة القحطانية، والرويحينه، وبير عجم، والرفيد، والمثلث الحدودي بين سوريا وفلسطين والأردن، ومدينة حَضَر، ومدن وبلدات أخرى، وصولاً إلى القريب من ريف دمشق، والمسافة المتبقية بينه وبين دمشق- بحسب المعلومات- تُقَدر فقط بخمسةٍ وعشرين كيلو، يعني: مسافة قريبة جداً من دمشق بنفسها، هذا يشهد على حجم هذا التوغل الإسرائيلي.

إضافةً إلى توغل آخر في المناطق المحاذية من سوريا للبنان، وهو هناك أيضاً توغل وامتداد وانتشار، ولا يزال أيضاً الاحتمال قائماً بأن يمتد ويتوسع أكثر مما قد توسع واجتاح.

وفي إطار ذلك التوسع والاجتياح، تموضع في مناطق متعددة، واستجوب المواطنين في بعض المدن وبعض البلدات، وحقق معهم، ورفع العلم الإسرائيلي في تلك المناطق، ولم يواجه أية مواجهة، لم يحضر أحدٌ للتصدي له، أو لمواجهته، أو لمنعه، بكل بساطة، واحتلال وسيطرة بكل وقاحة، دون أي اكتراث لا للشعب السوري، ولتلك الجماعات التي سيطرت على سوريا، ولا لداعميها، وكذلك دون أي مبالاة بالعالم كله، والعناوين الدولية، لا قوانين دولية، ولا مواثيق أمم متحدة، ولا أعراف دولية… ولا أي شيء، طالما- بالنسبة للعدو الإسرائيلي- توفرت له فرصة للاحتلال، فهو يريد الاحتلال؛ للقتل، فهو يريد القتل؛ ولــذلك هو ليس فقط ينتظر الفرص، إن أتت الفرص، فهو جاهزٌ لاستغلالها الاستغلال السيء، العدواني، على أمتنا في كل أنحاء بلدانها، وإن لم تأتِ الفرص، يسعى لصنعها، وتهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ مخططاته ومؤامراته.

يضاف هذا الاحتلال الجديد، والتوغل والاجتياح إلى مناطق واسعة في سوريا، إلى الاحتلال السابق، لما كان محتلاً له من سوريا، إلى الجولان السوري المحتل، وغيره أيضاً، ومع ذلك هناك الاحتلال الأمريكي أيضاً في مناطق من سوريا، حيث منابع النفط السوري، تلك المناطق التي اختارها الأمريكي ليحتلها، وليجعل له قواعد عسكرية عليها، وليمارس على الفور عملية النهب الواضح والعلني والمكشوف للنفط السوري، وبيعه وأخذه، والاستفادة منه.

هذا اتجاه من اتجاه العدوان الإسرائيلي على سوريا.

  • أمَّا الاتجاه الآخر فهو: أكبر عدوانٍ جويٍ إسرائيليٍ لتدمير القدرات العسكرية لبلدٍ عربي منذ نشوء الكيان الإسرائيلي الغاصب المحتل الإجرامي:

عدوان جوي غير مسبوق، لم يسبق للعدو الإسرائيلي أن نفَّذ مثله لاستهداف القدرات العسكرية لأي بلدٍ عربي، ووصل الحال إلى أن العدو الإسرائيلي أعلن أنه دمَّر في عدوانه ذلك 80% من القدرات العسكرية لسوريا، في ليلة واحدة ويوم دمَّر 80% من القدرات العسكرية لسوريا، القدرات التي بنتها سوريا على مدى عقود من الزمن، من أموال الشعب السوري، من إمكاناته، من عرق جبين الشعب السوري، وهكذا عدوان وبلطجة بكل وقاحة، أمام مرأى ومسمع الدول العربية، والجامعة العربية، والعالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، أمام مرأى ومسمع من دول العالم، من المنظمات الدولية، من الأمم المتحدة، من مجلس الأمن… من الكل، وبكل وقاحة، دمَّر في عدوانه ذلك:

  • القوات الجوية لسوريا، استهدف أسراب الطائرات (الميج) وغيرها، ودمَّرها، وما يلحق بالقوات الجوية من إمكانات ووسائل.
  • واستهدف القوات البحرية لسوريا، وقام بتدميرها.
  • واستهدف الدفاع الجوي بكل منظوماته؛ لتدميره.
  • واستهدف أيضاً المصانع العسكرية لسوريا.
  • واستهدف كذلك مراكز البحث العلمي، المراكز العلمية المهمة، التي يعتمد عليها السوري في دراساته وأبحاثه لعملية التطوير والتصنيع، وهي ذات طابع حضاري في الأساس وعلمي، واستهدفها، هو لا يحترم العلم، ولا المراكز العلمية والبحثية، هي بالنسبة له هدف لتدميرها عندما تكون بأيدي العرب والمسلمين.

وهذا العدوان يأتي في هذا السياق، في السياق الواضح، وهو: تثبيت معادلة الاستباحة؛ لأنها المعادلة التي يُصِرّ ويسعى الإسرائيلي، بدعمٍ وشراكةٍ أمريكية، على فرضها على شعوب أمتنا وبلدان أمتنا، أن تكون هذه البلدان في أي وضعٍ كانت، سواءً كانت بلداناً تحت عنوان توجه مواجه للعدو الاسرائيلي، فالمعركة معها قائمة؛ أو بلداناً قررت أن يكون لها توجه معاكس، ألَّا تعادي الإسرائيلي، وأن تعلن أنَّها لا تعاديه، ولا تتخذه عدواً، وأنها مستعدةٌ للتعاون معه، كل هذا ليس مجدياً أمام هذه المعادلة التي يريد الاسرائيلي والأمريكي فرضها، وهي: أن تكون شعوب أمتنا وبلدانها مستباحةً للعدو الإسرائيلي بشكلٍ كامل، أن تكون الشعوب فيها مهدرة الدم، فللإسرائيلي أن يقتل متى تحركت فيه شهية القتل والإجرام، أن يقتل من أراد وكم أراد، أن يقتل إمَّا على الجملة، أو أن يقتل بالإفراد، إفراداً، أو جماعات، أو إبادةً جماعية، أن يكون هذا المجال مفتوحاً أمامه، ودون ردة فعل، أن يجتاح من الأراضي ويصادر من الأراضي ما يشاء ويريد، وكذلك دون اعتراض، دون ردة فعل، ولو بأبسط ردة فعل، وكذلك نهب الثروات ومصادرتها.

هذه المعادلة هي أساسيةٌ في إطار العنوان الذي يعلنه الإسرائيلي، وأعلنه قبله ومعه، ويكرره في اعلانه الأمريكي معاً: [الشرق الأوسط الجديد]، هذا معنى الشرق الأوسط الجديد، معناه: أن تكون كل بلداننا مستباحةً للإسرائيلي، والأمريكي كذلك، يأخذ آبار النفط التي يشاؤها ويريدها بكل وقاحة، وبدون اعتراض، يأخذ المناطق التي يريدها لتكون قواعد عسكرية دون اعتراض، والمناطق التي فيها ثروات لنهب ثرواتها دون أي اعتراض، أو امتعاض، أو احتجاج، أو استياء، ويريد أن يصل بهذه البلدان وبهذه الشعوب إلى أن تكون راضيةً مرحبةً مؤيدةً غاضةً للطرف عن كل ما يفعله الإسرائيلي والأمريكي مهما كان، مهما بلغ في الوقاحة، في العدوان، في الإجرام، في الظلم، في الإساءة، في الاستهتار، في الاستخفاف بهذه الشعوب، في الاحتقار لها، ومهما كانت الحقوق المصادرة، ما الذي يُصادر؟ هو الحُرِّيَّة لهذه الشعوب، تصادر حُرِّيَّتها أمريكياً وإسرائيلياً، يُصادر استقلال هذه البلدان، تصادر كل حقوقها في بلدانها، في ثرواتها، في سائر الحقوق التي هي معروفة.

فالإسرائيلي يتحرك أولاً: لتثبيت هذه المعادلة، يريد أن يُثَبِّتها في سوريا، وما بعد سوريا كذلك، وغير سوريا كذلك.

ثانياً: العدو الإسرائيلي أيضاً يفرض معادلةً أخرى، وهي: أن تكون القدرات العسكرية، التي تمتلكها شعوبنا وبلداننا، تحت سقفٍ مُعَيَّن ومستوىً مُعَيَّن؛ لأن من الأشياء الأساسية لدى الأمريكي والإسرائيلي: ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي على كل أبناء أمتنا؛ ولهذا يدخل تحت هذا العنوان المنع، والسعي للمنع من امتلاك شعوبنا كل وسائل الدفاع والحماية لنفسها، في مواجهة أي عدوان إسرائيلي، أو أمريكي.

ولهذا- مثلاً- يركِّزون في المقدمة وابتداءً، وابتداءً، على القوات الجوية، القوات الصاروخية، والقوات الصاروخية مما دمَّره العدو الإسرائيلي في عدوانه على سوريا، [صواريخ سكود] وغيرها، القدرات الصاروخية، والقدرات الجوية، والقدرات البحرية، وهو دمَّر القدرات البحرية في شاطئ اللاذقية بشكلٍ كامل، في ساحل اللاذقية بشكلٍ كامل، وهكذا الدفاع الجوي… كل وسائل الحماية من العدو الخارجي، أو المواجهة للعدو الخارجي، ويقبل بأن يبقى هناك مستوى مُعيَّن من الأسلحة، التي يمكن الاستفادة منها في البلدان للاقتتال الداخلي، وللتناحر بين أبناء هذه الأمة، وإلى أجلٍ مُعيَّن، إلى أن تكتمل هذه المهمة في الاقتتال الداخلي بين أبناء الشعوب، لو اكتملت هذه المهمة، سيسعى إلى تجريد هذه الأمة من كل وسائل القتال والدفاع؛ لأنه يريد لهذه الأمة أن تكون كالدجاج والغنم، أمةً مدجنة، لا تمتلك أيّاً من وسائل القتال، من وسائل الحماية، من وسائل الدفاع عن نفسها، ولا عن دينها، ولا عن أرضها، ولا عن شرفها، ولا عن مقدراتها وإمكاناتها وثرواتها، يريد لهذه الأمة أن تكون أمةً مدجنة، هو يسمي هذه الأمة بالحيوانات، ولا يُقرّ للعرب بأنهم من البشر، ولكنه حتى لا يريد لهم أن يكونوا بمستوى بعض الحيوانات التي تدافع عن نفسها، الإسرائيلي لا يريد للعربي ولا أن يكون بمستوى القطط، أو غيرها من الحيوانات التي قد تدافع عن نفسها بمستوى مُعيَّن من الدفاع عن نفسها، يريد للكل أن يكونوا كالدجاج والغنم والنعاج، لا يمتلكون أي وسيلة من وسائل الدفاع عن النفس، أو الحماية، أو التصدي لعدوانه وأطماعه وجرائمه، وهذا شيءٌ مؤسف!

هالنا كثيراً، وأحزننا جداً، أن يفعل كل ما فعله في سوريا، من توغُّل، واجتياح، واحتلال، وتدمير للقدرات العسكرية، دون أي ردة فعل، هناك مسؤولية على الشعب السوري، وعلى تلك الجماعات التي سيطرت على سوريا، هي أول من يتحمل المسؤولية في التصدي للعدو الإسرائيلي، ومواجهة عدوانه، ومن حولها الأمة، من حول سوريا بقية الأمة، عليها مسؤولية أن يكون لها موقف مع سوريا وشعب سوريا ضد ذلك العدوان الإسرائيلي، فأين هو الموقف الفعلي لهذه الأمة؟

ليس هناك موقف كما ينبغي، كالعادة، بعض البيانات والتعليقات الخجولة، تصدر من ذلك النظام العربي، أو ذلك النظام الإسلامي؛ أمَّا في داخل سوريا، وبالذات من تلك الجماعات التي سيطرت على سوريا، وعليها مسؤولية، وهي أمام اختبار مهم، اختبار حقيقي، يكشف ما هو حقيقة توجهها، فلم يصدر حتى الآن أي موقف، ولا أي ردة فعل تجاه كل ما حدث، والمخاطر مستمرة على سوريا وشعبها؛ ولــذلك هناك مسؤولية كبيرة، وهناك اختبار حقيقي، أولاً تجاه ما هو حاصل ويحصل على سوريا، وتجاه القضية الفلسطينية، وسنتحدث بمزيد عن هذه النقطة المهمة جداً.

العدو الإسرائيلي يفعل ما يفعله في فلسطين بشكلٍ يومي والكل يعرف، كل من يتابع الأحداث يعرف ويرى ويسمع ما يحدث في فلسطين، وفعل ما فعله في لبنان، وعرف الجميع بذلك، ولازال يمارس الاختراقات والخروقات والاعتداءات في لبنان، ثم فعل كل هذا الفعل في سوريا، وشنَّ هذا العدوان بهذا الحجم وبهذا المستوى من الاجتياح والاحتلال، ومن تدمير المقدرات العسكرية لسوريا، في وقتٍ قصير، بكل وقاحة واطمئنان، وهنا لم تحضر أيٌّ من العناوين، التي عادةً ما يتحرك فيها أنظمة عربية وإسلامية، وجماعات وقوى من أبناء هذه الأمة، لم يحضر عنوان (الضمير الإنساني)، رأينا هذا العنوان يحضر عندما تكون المسألة مسألة فتنة بين أبناء الأمة، فتح جبهات داخلية على أبناء هذه الأمة، لم يحضر عنوان (الوقوف في وجه الظلم) ولم يحضر عنوان (المسؤولية الدينية، والجهاد في سبيل الله)، ولم يحضر عنوان (العروبة، والأمن القومي العربي، والحضن العربي)، كل العناوين لا تحضر، الذي نراه في الواقع هو: السكوت، والصمت، والجمود، واللاموقف، ليس هناك موقف فعلي تجاه ما يحدث هناك.

لماذا تغيب عندما تكون المسألة متعلقة بما يفعله العدو الإسرائيلي، الذي يمثِّل خطراً حقيقياً على هذه الأمة بكل أطيافها، بكل مذاهبها واتجاهاتها، هي مستهدفة؟! وما حدث من العدو الإسرائيلي ما بعد سيطرة تلك المجموعات على سوريا، هو شاهدٌ دامغٌ وواضحٌ على أن المسألة ليست كما يردد الإسرائيلي دائماً: [من أجل ملاحقة إيران، استهداف الموالين لإيران، التحرك ضد من لهم علاقة بإيران]؛ لأن موقف تلك الجماعات المسلحة معروف، في عدائها الشديد لإيران، وتحركها تحت عناوين طائفية في الماضي، فهذه مسألة معروفة جداً.

فاستهداف العدو الإسرائيلي لسوريا، بعد سيطرة تلك الجماعات عليها، وفي ظل هذا الوضع الجديد لها، شاهد على أن المسألة ليست مسألة موقف من إيران، ما علاقة إيران بما فعله العدو الإسرائيلي ما بعد سيطرة تلك الجماعات على سوريا؟ أيضاً استهداف هو استهداف لهذه الأمة، مهما كانت توجهها، ومهما كانت مذاهب أبنائها، ومهما كانت مواقفهم، يعني: من يتبنى موقف عدم المعاداة لإسرائيل، يؤكد على ذلك، والإسرائيلي يقول: أن البعض من تلك الجماعات تواصلوا به، حاولوا أن يطمئنوه، أكدوا له أنهم لن يعادوه، البعض منهم تواصل وأكَّد وأعلن في القنوات الإسرائيلية، أنه حاضر لأن يكون هناك سفارة إسرائيلية في دمشق، وغير ذلك، كل هذا لا يفيد شيئاً، ولا يجدي شيئاً.

المسألة بالنسبة للعدو الإسرائيلي، هي ضمن الحقائق القرآنية التي أكَّد الله عليها، عن عداء اليهود لهذه الأمة في كل الأحوال، هل الشعب الفلسطيني كان قد استثار اليهود، يوم توافدوا واستُقدموا من بلدان كثيرة من العالم لاحتلاله؟ هل كان في إطار مشكلة مع اليهود، أو حركة ضد اليهود، أو استفزاز لليهود؟ لا، أتى اليهود ابتداءً من غير أي مشكلة، ولا تحرُّك معادي، ولا استفزاز، أتوا لاحتلال فلسطين وهم منذ اليوم الأول يحملون الخريطة الكبرى، لما يسمونه بـ[إسرائيل الكبرى]، التي تشمل الشام بكله: تشمل سوريا، وتشمل لبنان، وتشمل الأردن، وتستهدف أيضاً أجزاء واسعة من العراق، من مصر، من المملكة العربية السعودية، ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية، منذ اليوم الأول، قبل أي مشكلة، قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، العدو الاسرائيل استهدف سوريا، ما قبل الثورة الإسلامية في إيران، ما قبل انتصارها، ما قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وسعى لاجتياح سوريا، وقتل الآلاف من أبناء سورية، عمل كل ذلك قبل إيران، وعلاقة مع إيران، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وقبل حضور العنوان الإيراني، ما قبل ذلك كان الإسرائيلي عدوًا لسوريا، محتلاً لأجزاء من سوريا، عاملاً على اجتياح كل سوريا، قاتلاً للآلاف من أبناء سوريا؛ فهو عدوٌ حقيقيٌ، وابتدأ بعدوانه سوريا، الحرب في مراحل متعددة معروفة في التاريخ العربي، والعدو الإسرائيلي يحاول أن يجتاح كل سوريا، وعندما يفشل وصل إلى مرحلة أن يحتل أجزاء منها، في مقدمتها: الجولان السوري المحتل.

فهذه هي حقائق واضحة، يتنكر لها البعض تعمدًا، ويتجاهلها تعمدًا، ولكن هل يفيد التنكر لهذه الحقائق، والتجاهل لها؟ العدو لكم جميعًا يا أيها العرب، يا أيها المسلمون، هو الإسرائيلي، اليهودي، الصهيوني، هو عدوكم جميعًا، وهو لا يتردد عن استهدافكم، وهو يسعى لفرض هذه المعادلة عليكم: معادلة الاستباحة، الاستباحة لكل شيء، ومعادلة أن تكون قدراتكم العسكرية في حدود ما تؤدون به مهمات تخدمه، في الاقتتال فيما بينكم، وسحق بعضكم بعضًا، واستنزاف قدراتكم؛ لإيصالكم بأنفسكم إلى مستوى الانهيار التام، وفقدان كل عناصر القوة المعنوية والمادية؛ لتكون أمةً مفرقةً، مبعثرةً، متناحرةً، ممزقةً، ضعيفةً بكل ما تعنيه الكلمة، هذا ما يريده لكم؛ لأنه عدوٌ فعليٌ، أكَّد الله لكم أنه عدوٌ لكم، يريد أن يمسخ هويتكم الدينية، يريد أن يبعدكم عن القرآن الكريم، يريد أن يحرق كل العناوين لصالحه، حتى العناوين الدينية، وحتى عنوان (الجهاد في سبيل الله)، لا يحضر إلَّا- عند الكثير من أبناء هذه الأمة- إذا كان لخدمة العدو الإسرائيلي، في الاستهداف لأبناء الأمة، وهذه مسائل واضحة جداً.

إن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر: 6]، قال عن اليهود: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، وها هي جرائمهم، ها هي أفعالهم، ها هي اعتداءاتهم، ها هو عدوانهم وما يفعلونه بكم، {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، وجهوا نحوه سلاحكم، وجهوا نحوه التحريض ضده، التعبئة عليه، إعلان الموقف الصريح منه، كونوا واضحين في عداوتكم له، وكونوا جادِّين وصادقين في عداوتكم له، وتحركوا في إطار أن تتخذوه عدواً، كما تفعلون حينما تعادون، المشكلة لدى البعض أنهم لم يعادوه حتى الآن، لم يتخذوه عدواً، لكننا نراهم كيف هم تجاه من يتخذونه عدواً، يقاتلون بشراسة، باستبسال.

كم نتمنى أن تحضر التكبيرات، والبنادق، والرايات، وأن تحضر حتى السكاكين، في مواجهة الجنود الإسرائيليين، وأن تكون تلك الجماعات المسلحة التي سيطرت على سوريا، تلقت ذلك الاجتياح الإسرائيلي ببنادقها ودباباتها، وتلك القدرات التي هي ملكٌ للشعب السوري، وبالسكاكين، والصرخات، والهتافات، والتكبيرات، وبتلك الشراسة وذلك الاستبسال، هذا كان سيرفع من قدرها وشأنها، ويعزز من دورها وحضورها، وهذا ما هو ضروري، هذا ما هو مسؤولية، وما يمثل اختباراً حقيقياً، لهم ولغيرهم، ولداعمهم، لكل أبناء هذه الأمة، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، الحقائق تشهد أن الأمريكي والإسرائيلي هم أعداء هذه الأمة بكلها، مهما كانت تجاهها السياسي، مهما كانت مذاهبها، مهما كانت مواقفها.

ثم في هذا السياق نفسه، نحن نعلن ونؤكد وقوفنا مع سوريا، ومع شعب سوريا، ضد العدوان الإسرائيلي والاعتداءات الإسرائيلية، لن يؤثِّر علينا مسألة أن يكون من يسيطر على الوضع هنا أو هناك أيّاً كان، عندما يكون العدوان يستهدف بلداً عربياً، وشعباً مسلماً، فنحن سنقف إلى جانبه.

لكننا نقول للجميع: عليكم مسؤولية، الكل عليهم مسؤولية أن يقفوا ضد العدو الإسرائيلي، وأن يكون لهم موقفٌ واضح، وصريح، ومعلن، لا أن يتعاملوا بالصمت والسكوت والجمود، ولا بالتسامح، المقام ليس مقام تسامح مع العدو الإسرائيلي، وأنا كثيراً ما أفكر، وأستغرق في تفكيري في حالةٍ من التعجب والاندهاش، عن التسامح العربي والإسلامي من معظم البلدان العربية والإسلامية، من معظم الأنظمة العربية والإسلامية، التسامح الكبير جداً تجاه الإسرائيلي والأمريكي! وهم ليسوا أهل تسامح، لا فيما بينهم، ولا تجاه بعضهم البعض، يعني: المقدار والمستوى من التسامح من جهة الأنظمة العربية، ومن جهة كثير من القوى، والجماعات، والتيارات، تجاه الأمريكي والإسرائيلي، هو فوق ما يمكن أن يكونوا متسامحين به حتى مع آبائهم، وأمهاتهم، وإخوتهم، وشعوبهم، وإخوانهم، وأصحابهم، وأقاربهم، هم يتسامحون مع الأمريكي والإسرائيلي ليفعل كل ما يشاء ويريد، وفي كل شيء، يتسامحون معه في كل شيء:

  • يتسامحون معه ليقتل، ومهما قتل هم أولئك الذين يتسامحون، ويسكتون، ويتغاضون، [غفر لك] على حسب المثال العربي، يعني: مسموح لتفعل كل ما تشاء وتريد.
  • يتسامحون معه مع كل ما يظهره من العداء، يحتل الأرض، الكثير من الناس لن يتسامح مع أخيه من أمه وأبيه، لو أنه يريد أن يأخذ أرضاً عليه.
  • يتسامحون معه فيما يوجهه ضد دينهم، ضد كرامتهم… ضد كل شيء.

الجرائم المهولة والرهيبة التي يفعلها العدو الإسرائيلي حتى بالأسر الفلسطينيين، والمخطوفين الفلسطينيين، رهيبة جداً جداً، إلى درجة ألَّا يستطيع الإنسان أن يتكلم عن بعضها، وأن يوصف البعض منها، أو أن يتحدث عن البعض منها؛ لفظاعتها، ولمستوى ما تمثله من إساءة، خدش للعرض والكرامة وغير ذلك، مع ذلك هناك تسامح عجيب، لكنهم أشداء جداً جداً جداً جداً فيما بينهم، ليس هناك تسامح، ليس هناك تغاضٍ، ليس هناك تفاهم، قسوة رهيبة وشدة رهيبة إلى حد يندهش الإنسان!

في ظل هذه التطورات والعدوان الإسرائيلي على سوريا، يتحدث الإسرائيلي، وتحدث قبله الأمريكي، عن العمل على تغيير ملامح الشرق الأوسط، بمعنى: أن هناك مشروع ومؤامرة أمريكية إسرائيلية، يتحرك فيها الإسرائيلي والأمريكي معاً، لاستهداف هذه الشعوب وهذه البلدان، وهذا شيءٌ يجب أن نَعِيَّه جميعاً، وأن نفهمه جميعاً، وأن ندرك أنه يعني: الاستهداف العدائي لأمتنا، ليست مسألة عادية طبيعية عندما نسمع هذا العنوان [التغيير لملامح الشرق الأوسط]، يعني: أنكم يا عرب، يا مسلمون، في بلدانكم وشعوبكم مستهدفون بماذا؟ بما يحقق الأهداف الإسرائيلية الأمريكية لصناعة وضعٍ جديد، ما هو هذا الوضع الذي يريدون أن يصنعوه، وأنتم الميدان المستهدف له، أنتم ميدان هذا الاستهداف؟ هو- ما قلناه سابقاً- أن تتحول هذه الشعوب وهذه البلدان إلى بلدان مستباحة للإسرائيلي، تخدم العدو الإسرائيلي، وتخدم الأمريكي، ويفعل فيها الأمريكي والإسرائيلي ما يشاء ويريد، وتتحول هذه الشعوب وهذه البلدان إلى خاضعة بالمطلق للإسرائيلي والأمريكي:

  • يأخذ ما يشاء ويريد من الأراضي: ينشئ له القواعد العسكرية أينما يريد، يأخذ من الثروات ومنابع الثروات ما أراد، الثروات النفطية، الثروات الأخرى، يسيطر عليها بقدر ما يريد.
  • ويفرض على هذه الأمة التغيير في ثقافتها الدينية وهويتها الدينية: يتدخل في المناهج الدراسية، يتدخل في الخطاب الديني، يتدخل أيضاً على مستوى المعتقدات الدينية، يعمل على حالة إنشاء اتجاهات جديدة في هذه الأمة، تحت العناوين الدينية، وتحت العناوين المذهبية… وغير ذلك.
  • ويعمل على أن يصل بهذه الأمة في التناحر الداخلي والاقتتال، إلى ما يساعده لتحقيق أهدافه.

ولتحقيق هذا الهدف، وهذا العنوان، لابدَّ أن يحاول أن يحرِّك أنظمة، وهذا من الشيء المؤسف جداً ومن المحزن للغاية: أن عنوان الشرق الأوسط الجديد، أو تغيير ملامح الشرق الأوسط، يتَّجه الأمريكي والإسرائيلي في مسألة تنفيذه، إلى تفعيل أنظمة إسلامية وعربية، وجماعات وتيارات عربية وإسلامية، لتنفيذ هذا المخطط على يدها؛ لأن هذا هو أجدى في التنفيذ، وأسرع في عملية التنفيذ، وأضمن للنجاح في مسألة التنفيذ من جهة؛ ولأنه يُجَنِّب الأمريكي والإسرائيلي الكثير من الخسائر والكلفة الكبيرة على المستوى المالي، وعلى مستوى الخسائر البشرية.

إذاً فلتكن هناك أنظمة عربية وإسلامية، وجماعات وقوى وتشكيلات عربية وإسلامية، تعمل هي على تنفيذ ذلك المخطط، وهناك من يموِّل، تتحمل أنظمة عربية ومسلمة تتحمل هي مسألة التمويل، والآخرون يتحملون مسألة التنفيذ، ويتَّجه هذا المخطط لتدمير هذه الأمة من الداخل، بدءاً بإزاحة ما يمثل عائقاً حاضراً وقائماً الآن، من يعادون أمريكا وإسرائيل، من يستنهضون الأمة ضد أمريكا وإسرائيل، وسعياً لتصفية القضية الفلسطينية في هذه المرحلة الأولى.

المرحلة الأولى هي تشمل: فرض حالة ما يسمونه بالتطبيع لإسرائيل، وتدمير العوائق التي يعتبرونها عائقاً أمام العدو الإسرائيلي والأمريكي، وتصفية القضية الفلسطينية، ثم يأتي الدور على بقية الأمة، لكن في المرحلة التي تكون الظروف قد تهيأت فيها تماماً لتنفيذ المرحلة الثانية من المخطط، وهو: تمزيق هذه الأمة، وإنشاء الكيانات الجديدة فيها، وتمزيق دولها وشعوبها إلى كيانات كثيرة، مجزأة، مبعثرة، صغيرة، حتى الدول الكبرى في هذه الأمة تتحول إلى دول صغيرة، كل دولة تُجزأ إلى دول صغيرة، ثم تكبر المساحة التي يسيطر عليها العدو الإسرائيلي، يعني: تصوروا، عندما تكون قد شملت الشام بكله، وشملت أجزاء من مصر، وأجزاء من العراق، وأجزاء كبيرة من المملكة العربية السعودية (ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية)، ثم في المقابل جُزِّئت البلدان الأخرى إلى دويلات صغيرة، وكنتونات صغيرة، وكيانات مصغرة جداً، مبعثرة، يصبح الحضور الأكبر في هذه المنطقة، والسيطرة الأكبر للعدو الإسرائيلي، ويقدِّم نفسه أنه الدولة الأكبر في المنطقة بكلها، ثم تكون بقية الكيانات خاضعةً له، وللأمريكي تماماً، الأمريكي يريد أن يكون هو الوكيل.

الشيء المؤسف: أن التحرك في إطار تنفيذ هذا المخطط، ولاسيَّما في مراحله الأولى، يعتمد على تحريك أنظمة عربية، وقوى عربية، واتِّجاهات وجماعات عربية وإسلامية، هذا شيءٌ محزن! لكنه شيءٌ يجب أن نعيه جيداً ما قبل ذلك، عملية الوعي هي مسألة مهمة جداً.

وفي هذا السياق، من المؤسف جداً أن كل العناوين، التي غابت تجاه المأساة الكبرى للشعب الفلسطيني، ستحضر عندما تكون المسألة التحرك في هذا المخطط! سيتحدثون بملءِ أفواههم وبأعلى أصواتهم عن الضمير الإنساني؛ ليبرروا تحركهم هنا أو هناك، عن المسؤولية الدينية والجهاد في سبيل الله، سيتحدثون عن بقية العناوين.

يعني: عندما كان الإسرائيلي، وهو لا يزال كذلك، يُمَزِّق المصاحف (كتاب الله الكريم، القرآن المجيد)، ويحرق المصاحف، ويهدم المساجد، ويدمِّر المسجد الأقصى، ويسب رسول الله محمد “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ويقتل المسلمين، ويقتل نساءهم، وأطفالهم، وكبارهم، وصغارهم، في إبادةٍ جماعية، ويجوِّع الملايين من الشعب الفلسطيني، هنا لم تحضر المسؤولية الدينية كعنوان عند الكثير من أبناء هذه الأمة، لم يجب الجهاد، ولا أتى عنوان الجهاد في سبيل الله، ولا شيء؛ لكن في إطار مخطط الشرق الأوسط سيكثرون من الحديث عن الجهاد والاستشهاد، وعن حمل الرايات الجهادية، ستحضر التكبيرات الكثيرة، والتهليلات… وغير ذلك، وتتحرك العناوين الطائفية بأشدها؛ من أجل المخطط الأمريكي الإسرائيلي، وهي لم تحضر تجاه ما يفعله الإسرائيلي، ولا تجاه ما يفعله الأمريكي، عندما تكون المسألة مسألة استهداف شعب هنا أو هناك، في إطار المخطط الأمريكي والإسرائيلي، لتغيير ملامح الشرق الأوسط، سيحضر العنوان العربي، الذي كان غائباً، حينها يمكن للجامعة العربية أن تجتمع، ويمكن للخطابات فيها أن تكون نارية، وأن تكون العبارات قوية، وأن تكون الأصوات مرتفعة، وأن تكون الأعين مفتحة، وغير ذلك، شكل مختلف تماماً عن الشكل الذي رأيناه تجاه القضية الفلسطينية، ويأتي عنوان الحضن العربي، والأمن القوني العربي، وتهديد مصالح الدول، وكل العناوين تحضر بقوة، وتحضر مع السلاح، مع القصف، مع القتل، مع التدمير، مع الحملات الإعلامية المكثفة، هكذا يتغير كل شيء.

ولذلك في هذه المرحلة المهمة جداً، هناك معياران مهمان جداً لكل أمتنا، لكل شعوبها، المعيار الأول: هو قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54]:

هذا معيارٌ مهم، من نراهم، وشاهدناهم، وعرفناهم، واتضحوا لنا بكل وضوح، أذلاء بكل ما تعنيه الكلمة، أمام الإسرائيلي لم يجرؤوا أن يتَّخذوا أي موقف ضد الإسرائيلي، لا أن يجاهدوه، لا أن يموِّلوا المجاهدين ضده، لا أن يُقَدِّموا أي شيءٍ فعلي وحقيقي في مواجهته، رأيناهم أذلاء بكل ما تعنيه الكلمة، ارتسم الذُّل وتَجَسَّد الذُّل في واقعهم، حتى لنكاد أن نسميِّهم هم بالذُّل؛ لجلائه ووضوحه في موقفهم من العدو الإسرائيلي، وهو يفعل كل ما يفعل ضد الإسلام والمسلمين.

أولئك عندما يكونون متنمرين، ثم يتحركون في إطار مخطط الشرق الأوسط الجديد، وتغيير ملامح الشرق الأوسط بشدة، نراهم يخالفون هذه المعايير الإلهية، التي أتى بها الله في القرآن الكريم؛ لأنهم كانوا أذلاء أمام الكافرين الحقيقيين، أمام الكافر الإسرائيلي، يحرق المصحف، ويُمزِّق كتاب الله، ويُدمِّر المساجد، ويقتل المسلمين كباراً وصغاراً، ثم يأتي البعض من علمائهم، ممن يسمونهم بعلماء ليقول: أن الأولوية للأمة قبل كل هذه المسائل، قبل متابعة أخبار فلسطين، قبل الجهاد في سبيل الله لمواجهة الأعداء الحقيقيين للأمة، الذين يحرقون المصاحف، ويدمِّرون المساجد، ويقتلون المسلمين، ويَسِبُّون رسول الله، يسبُّون رسول الله بنفسه “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ويوجهون إليه أسوأ الإساءات، وأفظع العبارات، وأشنعها، وأقبحها، يقول البعض من أولئك العلماء: أن الأولوية للأمة هي أن يركِّزوا على أحكام البول، هذه هي المسألة الأهم، وأن يتجاهلوا كل ذلك، ويجعل من هذا مبرراً لتجاهل كل ذلك، فيعبِّر عن هذه كأهمية وأولوية، تستدعي تجاهل كل ما يحصل على الشعب الفلسطيني، وضد الإسلام والمسلمين من قبل العدو الإسرائيلي.

وهكذا هي الحقيقة: تجاه كل ما يفعله الإسرائيلي أذلاء، ثم يكونون أعزة على شعوب أمتنا، أعزة في فتاواهم، في عناوينهم، في عباراتهم، في تحريضهم، في تحركهم الفعلي، أعزة في القتال بشدة، يتحركون بجدِّيَّة بكل ما تعنيه الكلمة، جدِّيَّة في الموقف، استبسال، تضحية، وقد تُقدَّم تضحيات كبيرة من أبناء هذه الأمة؛ لخدمة المشروع الأمريكي والإسرائيلي، لتغيير ملامح الشرق الأوسط وفق ما تريده أمريكا وإسرائيل، تتحول هذه الأمة إلى أمة خاضعة بالمطلق، لا حُرِّيَّة لها، لا كرامة لها، كل شيءٍ فيها يتحول لمصلحة إسرائيل وأمريكا: من يقاتل من أبنائها؛ يقاتل في سبيل أمريكا وإسرائيل، من يُعَلِّم، ويُدَرِّس، ويثقف؛ يتحدث وفق ما تمليه عليه أمريكا وإسرائيل، بما يعزز من هيمنتها، وسيطرتها، وغلبتها، وبما يطمس الهُوية الثقافية والفكرية والدينية لهذه الأمة، وهكذا من يتحرك في بقية المجالات، كُلٌّ يتحرك ليكون محياه ومماته في خدمة أمريكا وإسرائيل، وما يفعل، وما يقدِّم، وكل الطاقات في خدمة أمريكا وإسرائيل.

وأمام هذه الحقيقة المهولة، الرهيبة، ندرك أهمية، وعظمة، وضرورة الموقف الصحيح، والاتجاه الصحيح؛ لأنه النجاة لهذه الأمة، لشعوب هذه الأمة، الخير فيه، الشرف فيه، الفضل فيه، خير الدنيا والآخرة فيه، حتى لو كان فيه تضحية؛ لأنه في المقابل سيضحي الآخر، ويخسر الآخر، من يتحرك في سبيل خدمة أمريكا وإسرائيل، تحت أي عنوان، ومنه هذا العنوان: [عنوان تغيير ملامح الشرق الأوسط]، وإن كان ستبرز هناك عناوين هنا أو هناك، عناوين تحت هذا العنوان، لكنه العنوان الحقيقي، مهما قدَّم من يعملون لتحقيقه من عناوين أخرى؛ لمخادعة البسطاء، والسُّذَّج، والسطحيين من الناس.

هنا ندرك أهمية التحرك الصحيح وفق المعايير القرآنية؛ لنكون أعزةً على الكافرين، ورأس الكافرين يتمثل في هذا العصر، في هذه المرحلة، في هذا الميدان الذي نحن فيه، في أمريكا وإسرائيل، العدو الإسرائيلي الصهيوني، رأس الكفر والشر والإجرام، ومعه الأمريكي، كلاهما وجهان لعملةٍ واحدة؛ ولــذلك من هو الأعز في مواجهة إسرائيل فليبرز، ليبرز بصوته، بسلاحه، بموقفه، لماذا يسكت البعض، لماذا يختفي؟ الأموال التي تُدفع للفتن، لماذا لا تُدفع للشعب الفلسطيني الذي يتضوَّر جوعاً، ولمجاهديه الأعزاء، الذين يجدون صعوبةً كبيرة في أن تتوفر لهم حتى الرصاصة الواحدة في مواجهة العدو الإسرائيلي، ولا يتوفر لهم إلا الشيء القليل من هنا أو هناك، هذا معيار واضح: الموقف من أمريكا وإسرائيل، و {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، من هو العزيز على أمريكا وإسرائيل، في موقفه، في سلاحه، ومن يتجند معهم، ويستجدي وِدَّهم، وهم لا يودونه مهما فعل، مهما قدَّم، مهما أنفق.

ولـــذلك هناك فعلاً حزن وأسى، أن يكون الاتجاه الذي ستتحرك فيه الكثير من الأنظمة والاتجاهات والجماعات، بعد كل هذا التخاذل الطويل تجاه مأساة الشعب الفلسطيني، ومظلوميته الرهيبة جداً، والتي كان ينبغي أن تحضر فيها كل العناوين المهمة: عنوان المسؤولية الدينية، والجهاد في سبيل الله، والعرب، والعروبة، والأمن القوم العربي، والحضن العربي… وكل العناوين التي تبخرت وتلاشت، ثم ستحضر لخدمة الأمريكي والإسرائيلي؛ لتغيير ملامح الشرق الأوسط كما يقول الأمريكي والإسرائيلي، هذا مؤسف ومحزن!

لكن في المقابل، ليطمئن وليثق من يتحرك في إطار الموقف الصحيح، والاتجاه الصحيح، الذي رسمه الله لنا، في إطار تعريف من هو العدو: أنه الأمريكي والإسرائيلي، وتعريف المعايير والمقاييس الصحيحة المهمة، التي تُعبِّر عن صدق النيَّات، وصدق التوجهات، وصحة المواقف: أنها {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}.

ولــذلك بهذا المعيار النور والفرقان، بهذا المعيار الصحيح والعادل، بهذا المعيار المحق فعلاً، سننظر في كل أقصاء وأرجاء أمتنا، إلى كل نظام في فعله وموقفه، إلى كل جماعة في تحركها وفعلها؛ لنقيِّم على أساس هذا المعيار، وبناءً على ذلك نحدد موقفنا مِن تحرُّك هذا أو فعل ذاك: هل هو في الاتجاه الصحيح، أم هو- فعلاً- لخدمة الأمريكي والإسرائيلي، لما يقولون عنه ويعبِّرون عنه من مؤامراتهم [تغيير ملامح الشرق الأوسط].

وإذا اتَّجه الأعداء تحت ذلك العنوان، واتَّجهنا نحن في إطار العنوان الصحيح، الموقف الحق الذي رسمه الله لنا، الموقف الصحيح الذي أملته علينا المسؤولية، وأملاه علينا الواجب الديني، وانطلقنا فيه من منطلقٍ إيمانيٍ بالله تعالى، وجهاداً في سبيله، وابتغاء مرضاته؛ فلنثق بالله، هُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال:40]، بقدر ما نلتزم في إطار هذا التحرك بتعليمات الله تعالى، ونثق به، ونتوكل عليه، سنحظى بأن يكون معنا، {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}[آل عمران:150]، {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}، وتفشل الفتن، المؤامرات، كل المخططات التي سيتحرك فيها من يتحرك، والبعض يتنافسون اليوم، ينزعجون أن يكون ذلك النظام، أو تلك الجهة، ستتقرب لأمريكا أكثر منهم، أو سيعتمد عليها [ترامب] القادم إلى البيت الأبيض أكثر منهم، فيتحسرون، ويتندمون، ويحاولون أن يتحركوا هنا أو هناك؛ ليعوِّضوا عن خسارتهم في الماضي، وليحاولوا أن يثبِّتوا من جديد مدى ولائهم لأمريكا.

نحن سنقابل كل تحرك يستهدفنا، في إطار موقفنا الإيماني والديني والقرآني ضد أمريكا وإسرائيل، سنتصدى لكل مؤامرة، ولكل استهداف، من خلال ثقتنا بالله تعالى وتوكلنا عليه، من خلال ثقتنا بهذا الاتجاه الصحيح الذي نحن فيه، أنه لا فضل ولا شرف ولا خير إلَّا فيه، ما عداه خسارة، التضحية من أجل أمريكا وإسرائيل خسارة، خسارة في الدنيا وبعدها العذاب الأليم يوم القيامة، هذا الاتجاه يحظى برعاية الله، الاتجاه في إطار الموقف الذي رسمه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولـــذلك نحن على بصيرةٍ من أمرنا، على ثقةٍ بصحة موقفنا.

نحن منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلننا موقفاً واضحاً، وجهنَّا فيه مع القول الصواريخ والطائرات المسيَّرة، والموقف في العمليات البحرية، وكل ما نستطيع، وبالإنفاق المالي وغير ذلك، كل هذا تحرك فيه شعبنا، في إطار موقفٍ واضح، عزيزاً على الكافرين، رفعنا الصوت على الأمريكي والإسرائيلي، ورفعنا معه الصاروخ، ورفعنا معه الطائرة المسيَّرة، وشهرنا سلاحنا، بنادقنا، إمكاناتنا في وجه أعداء هذه الأمة، ونحن على ثقةٍ بالله، وتوكلٍ على الله، أن هذا هو الاتجاه الصحيح؛ ولــذلك لم نكن في حالةٍ من الذلة، ولم يكن موقفنا مكبلاً بأي سقف من الأسقف التي يراعيها الآخرون: اعتبارات سياسية، اعتبارات مصالح وهمية؛ لأننا نرى الخير كل الخير في أن نكون مع الله، وفي الاتجاه الذي يرضى به الله، ونثق أن ذلك قوةً لنا، وفعلاً هذا قوة.

على مدى كل هذه الفترة، ونحن في إطار هذا الموقف، كُنَّا نزداد قوةً يوماً بعد يوم، دربنا مئات الآلاف من أبناء شعبنا اليمني المسلم؛ ليكتسبوا المهارة القتالية، والقدرة على القتال، وليصبحوا حاضرين نفسياً، وثقافياً، ووجدانياً، ومعنوياً، وباكتساب المهارة على القتال للقتال، وحاضرون لأن نقاتل أمريكا، ونقاتل إسرائيل، وأن نقاتل أي طرف يستهدفنا خدمةً لأمريكا وإسرائيل، لعنوان أمريكا وإسرائيل [تغيير ملامح الشرق الأوسط الجديد].

نحن في إطار هذا الموقف الحق، هذا الموقف القرآني، هذا الموقف الإيماني، في حالة ثبات، بتأييد الله، بمعونة الله، بتوكلنا على الله، وتماسكٍ عظيم، وقناعةٍ تامة، ومنذ اليوم الأول اتجهنا في هذا الموقف، ما قبل هذه الأحداث، وعندما أتت هذه الأحداث، نحن في مسارٍ إيمانيٍ قرآنيٍ، بِعْنَا فيه أنفسنا من الله، يوم باع الكثير أنفسهم من أمريكا وإسرائيل، ومن وكلاء أمريكا وإسرائيل، ما أكثر من باعوا من أبناء أمتنا أنفسهم، ومواقفهم، وولاءاتهم لأمريكا وإسرائيل، ولعملاء أمريكا وإسرائيل ووكلاء أمريكا وإسرائيل، لكننا اتجهنا لنبيع أنفسنا من الله بأغلى ثمن، وهو الجنة، ((اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسَكُم ثَمَنٌ إِلَّا الجَنَّة، فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا)).

البعض باع نفسه بالريال السعودي، البعض بالدولار، البعض بالنقد الإماراتي، لكن البعض بأي عملة هنا أو هناك، باع نفسه هنا أو هناك، نحن بِعنَّا أنفسنا من الله العظيم، أعظم مشترٍ، الربِّ المالك؛ لأننا بذلك نكون أحراراً بالفعل، هُنا الحُرِّيَّة، تكون حُرّاً يوم تبيع نفسك من الله، في مواجهة أشد أعدائه وأعداء الإنسانية، أقبح وأشرِّ وأسوأ خلق الله: اليهود الصهاينة المجرمين، ومعهم الأمريكي، ومن يدور في فلكهم.

المعايير واضحة، الفرقان واضح، المقاييس ثابتة: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، الموقف من أمريكا وإسرائيل، الاتجاه الصحيح الصريح الواضح ضد العدو الإسرائيلي، الكلمة القوية، الشعار القوي، التحرُّك بالفعل وبالقول ضد الإسرائيلي، اليهودي، الصهيوني، التحرُّك بالنفس والمال في سبيل الله، في إطار هذا الموقف الذي رسمه، هذا هو المعيار يا أبناء أمتنا، لتتجلى لكم الحقائق، من هو في الاتِّجاه الصحيح، ومن سيتحرك- وللأسف يتنافسون، يتساقطون كالذباب والفراشات- في الولاء لأمريكا وإسرائيل، {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة:52]، كُلٌّ يريد أن يكون أكثر ولاءً من الآخر، يؤسفه أن ينجح جهةٌ هنا، أو نظامٌ هنا، في فتنة لصالح أمريكا ولا ينجح، فيريد أن يبادر لينجح، وهم خاسرون. نحن نؤمن بالله، ونؤمن بصدق وعوده، وصدق كلماته، ولقد أخبرنا في القرآن، بأن كل الذين يسارعون في خدمة اليهود والنصارى فاشلون، خاسرون، عاقبة أمرهم، ووبالهم، ومنتهاهم: الخسران والندم؛ أمَّا الاتجاهُ الذي رسمه الله، فهو الفوزُ العظيم، والشرف، والتأييد الإلهي.

في هذا السياق نفسه، يبرز الموقف العظيم، الموقف المميز للمجاهدين في فلسطين، وهم يواجهون العدو الإسرائيلي على مدى كل هذه الفترة، نحن في الشهر الثالث من العام الثاني والمعركة لم تتوقف يوماً واحداً في قطاع غزة، وإخوتنا المجاهدون هناك يستمرون في الجهاد في سبيل الله تعالى.

في هذا الأسبوع، نفَّذت كتائب القسام (سِتَّ عشرةَ عمليةً)، بينها كمائن نوعية مُنَكِّلة بالعدو الإسرائيلي، ونفَّذت سرايا القدس عمليات كذلك مؤثِّرة ومنكِّلة بالعدو، منها: قصف لتجمعات الأعداء في شرق رفح.

هناك أيضاً عمليات مشتركة بين القوات المسلحة اليمنية، والمقاومة الإسلامية في العراق، ضد العدو الإسرائيلي، تم الإعلان عنها، وتبنيها.

هناك عمليات عظيمة وكثيرة هذا الأسبوع، من جبهة الإسناد في يمن الإيمان، في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس)، ضد العدو الإسرائيلي الصهيوني اليهودي، بـ(تسعة عشر صاروخاً) بالِسْتِّياً، وَمُجَنَّحاً، ومسيَّرة:

  • منها: عمليات باتجاه يافا المحتلة، وأسدود، وعسقلان.
  • ومنها: ما هو في البحار، حيث تم استهداف (خمسِ سفن أمريكية) في خليج عدن، منها: بارجتين حربيتين، بالرغم من أنها مارست أقصى درجات الحذر والتمويه والتخفي، لكن تم الاستهداف لها.

أمَّا على مستوى الأنشطة الشعبية: فاليمن في كفة، وكل دول العالم التي فيها تحرك، وكل الأنشطة التي فيها تحرك لنصرة الشعب الفلسطيني، على مستوى الأنشطة الشعبية من مظاهرات وفعاليات في كفة، وكفة اليمن أرجح، وكفة اليمن أرجح.

المظاهرات والمسيرات في بلدنا لم تتوقف، منذ العدوان الصهيوني الإسرائيلي على قطاع غزة، وبلغت حتى الآن (أربعةَ عشر ألفاً وستاً وعشرين مسيرةً ومظاهرة)، هل هناك في أي بلد في العالم بهذا المستوى؟

التعبئة قد زادت مخرجاتها في التدريب على (ستمائة ألف متدرب).

هناك تظاهرات في كثيرٍ من بلدان العالم في هذا الأسبوع، كان منها: في هولندا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وأستراليا، وكندا، والدنمارك، والسويد، وإيرلندا. فيما يتعلق بالعالم الإسلامي: كان هناك مظاهرة ضخمة، شارك فيها عشرات الآلاف، في (بيشاور) في باكستان. في المغرب العربي كان هناك مظاهرات في ستٍ وخمسين مدينةً مغربية.

شعبنا العزيز مستمر، بكل جِدٍّ، بكل إيمان، جهاداً في سبيل الله وابتغاءً لمرضاته، في المواقف الصحيح، حيث يضيع الآخرون في المواقف التي فضيحة وعار، وخزي في الدنيا والآخرة، شعبنا مستمرٌ في جهاده، في تحركه، مناصرةً للشعب الفلسطيني، تضامناً مع أيّ شعبٍ عربيٍ يتعرض للعدوان الإسرائيلي.

أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني يوم الغد إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وبقية المحافظات والمديريات، جهاداً في سبيل الله، وابتغاءً لمرضاته “جلَّ وعلا”، لنصرة الشعب الفلسطيني، والتضامن مع سوريا، ومع الشعب السوري، ضد العدوان الإسرائيلي الصهيوني، تضامناً مع شعب لبنان ومجاهدي حزب الله.

نَسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَنسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصرِه، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، وَنَسْألُ الله أَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيه الأَعِزَّاء، وَأَنْ يُتِمَّ النَّصْرَ لِمُجَاهِدِي حِزبِ اللهِ، وَالشَّعْبِ اللُبْنَانِيّ، وَأَنْ يُبْطِلَ مَكَائِدَ الأَعْدَاء ضِدَّ شَعبِ سُورِيا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَنَسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُعِينَنَا وَإِيَاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com