ما بين أحلام بناء “سورية” الجديدة.. تنازع الفصائل وأطماع القوى العالمية “بالمرصاد”
المسيرة – إبراهيم العنسي:
بينما ينصب اهتمام هيئة تحرير الشام، وقد قادت معركة الإطاحة بالنظام السوري، على الحفاظ على تماسك الدولة وبسط سيطرتها على أنحاء البلاد، إلا أنها ليست الطرف المسلح الوحيد على الساحة، دون الحديث عن القواعد العسكرية الأمريكية والروسية والقوات الأجنبية.
إعادة بناء مؤسّسات الدولة ليست مهمة سهلة وستحتاج إلى وقت طويل.
يمكن تذكر أنه على مدى 13 عامًا من الحرب الأهلية، تشكلت في سوريا عدة جماعات مسلحة وضعت نصب أعينها الإطاحة بالأسد، لكنها لم تكن بولاء واحد، حَيثُ تفرقت على أجندات مختلفة وتحالفات ما بين قوى إقليمية ودولية متصارعة.
بالنسبة لهيئة تحرير الشام فَــإنَّ قادتها يعون جيِّدًا صعوبات الحفاظ على تماسك الدولة، إلى جانب القواعد والقوات العسكرية الأجنبية التي تظل معضلة كبيرة.
الفصائلُ في سوريا:
تسيطر الهيئة وحلفاؤها اليوم على معظم المناطق التي كانت تحت سيطرة نظام الأسد وتمكّنت من السيطرة مؤخّرًا على محافظتي طرطوس واللاذقية في الساحل السوري، كما سيطرت على دير الزور في شرق البلاد.
بالنسبة للعتاد الحربي لدى هذه الهيئة اليوم عتاد متطور يشمل الدبابات والطائرات المسيّرة، أما بخصوص عدد مقاتليها، فلا توجد أرقام دقيقة بشأنها إلا أن التقديرات تشير إلى أن عددهم قد يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألفاً.
يجب أن نتذكر أنه لا تزال هيئة تحرير الشام على اللوائح الأمريكية للمنظمات الإرهابية بحكم ارتباطاتها السابقة بتنظيم القاعدة، إلا أن زعيمها الجولاني أظهر قدراً من “البراغماتية”، وأكّـد أنه فك ارتباطه مع تنظيم القاعدة منذ وقت بعيد وأنه لم يعد يمثل خطراً على الغرب.
الجيش السوري الحر:
منذ بدء النزاع في سوريا سنة 2011، انشق عدد من ضباط الجيش السوري ليشكلوا فصائل مسلحة تهدف لإسقاط الأسد، وشكلوا “الجيش السوري الحر” الذي ينشط بالأَسَاس في شرق سوريا بدعم من الجيش الأمريكي الذي يملك “قاعدة التنف” قرب الحدود السورية العراقية، وبسقوط الأسد، تمكّن من السيطرة على قواعده خُصُوصًا في مدينة تدمّـر التاريخية في ريف حمص.
وقدمت الولايات المتحدة الدعم لهذه القوات منذ 2015؛ بهَدفِ محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في شرق سوريا.
تشكلت جماعات أُخرى جنوب سوريا خُصُوصًا في درعا التي تعد من أبرز المناطق التي انتفضت ضد الأسد منذ 2011، وخسرت هذه الجماعات نفوذها في الجنوب بعد اتّفاقيات “المصالحة” التي قادتها روسيا في 2018، واضطرت للانتقال إلى الشمال، وساهمت مع هيئة تحرير الشام في دخول العاصمة دمشق في 8 كانون الأول/ ديسمبر، فيما حافظ عدد آخر على مواقعه في الجنوب، وتسلم مواقع الجيش السوري بعد انهيار نظام الأسد في درعا.
الفصائل الدرزية:
في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، تنشط فصائل “رجال الكرامة” التي تسلمت مواقع الجيش السوري بعد انهيار النظام.
هذه الفصائل لم تدخل في مواجهة مباشرة مع نظام الأسد إلا أن شباب السويداء رفضوا الانضمام إلى الجيش السوري وتولوا حماية المدينة وريفها بعد الهجوم الدموي لتنظيم “الدولة الإسلامية” في 2018.
الجيش الوطني السوري:
ويضم مجموعات غير متجانسة تشمل منشقين عن الجيش السوري وتأسس في إطار “عملية درع الفرات” التي شنتها تركيا في سنة 2017 لتشكيل منطقة عازلة شمال سوريا ضد الفصائل الكردية التي تصنفها أنقرة بـ”الإرهابية”، وتولت إدارة المناطق التي سيطرت عليها تركيا بعد هذه العملية، ويتلقى مقاتلو “الجيش الوطني السوري” رواتبهم وتسليحهم من تركيا وتولى بالأَسَاس قتال “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية، وطيلة فترة الهدوء النسبي في سوريا بعد اتّفاقات 2017، لم يدخل “الجيش الوطني السوري” في قتال مباشر مع الجيش السوري قبل أن يشارك في عملية “ردع العدوان” للإطاحة بالأسد.
قوات سوريا الديمقراطية:
وهي القوات التي تُعرَفُ اختصاراً باسم “قسد”، تنشط بالأَسَاس في المناطق الكردية شمال شرق سوريا، وتأسست في سنة 2015 بدعم من “واشنطن” لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
هذه القوات التي تسيطر على مساحات واسعة في المناطق ذات الأغلبية الكردية على الحدود مع تركيا في معركة الإطاحة بالأسد لم تشارك في المعارك الأخيرة لإسقاط نظام الاسد، ولا تعد حليفًا لقوات “هيئة تحرير الشام”؛ باعتبَارها معارضة للتيار الإسلامي وتطالب بـ”سوريا علمانية” تمنح الحكم الذاتي للأكراد.
في المقابل فَــإنَّ “قسد” هي العدوّ اللدود للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهو يصنفها حليفاً لحزب العمال الكردستاني ويرى فيها خطراً على تركيا بنزعاتها الانفصالية مع حزب العمال.
القواعد العسكرية الأجنبية:
فيما يخص القواعد والقوات الأجنبية بسوريا فَــإنَّ روسيا تحافظ بعد انهيار الأسد على قاعدتين عسكريتين ضخمتين في طرطوس وحميميم على الساحل السوري توفران منفذًا استراتيجيًّا لموسكو في “المياه الدافئة” شرق المتوسط، وهما مع منافسة الأمريكيين والأُورُوبيين في خطر.
بالنسبة لأمريكا ينتشر الجيش الأمريكي نحو 1000 من جنوده في 22 قاعدة عسكرية شرق وشمال سوريا في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد، ويعود انتشار هذه القوات لفترة محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
مع حديث دبلوماسي أُورُوبا عن منح سوريا فرصة لدولة ديمقراطية، هي بالأَسَاس تشير صراحة لتبريرات التدخلات في قادم الأيّام ما يعني مواجهة سوريا عقبات متعددة، من بينها تضارب المصالح بين القوى المحلية والأجنبية، والانقسامات الطائفية، والتدخلات الخارجية.
أي أنه لا ضامن ألا تتصادم القوى التي خرجت فائزة في النزاع، ربما يمكن تفسير حجم القصف والعدوان الإسرائيلي للمواقع الحساسة في سوريا وتدمير أسلحة الجيش السوري على أنها محاولات لنتف ريش المنتصر على نظام الأسد بحيث لا يستحوذ على سلاح الدولة الذي قد يرجح كفتها على بقية الفصائل والجماعات، مما سيصعب تحقيق تطلعات السوريين لإعادة إرساء إطار وطني جامع وموحد.
والهدف أن تتحول سوريا لساحة مفتوحة للتدخلات الأجنبية، ما سيعرقل مساعي التعافي وإرساء الاستقرار في البلاد.
والحقيقة أن ما حدث وسيحدث في سوريا، مسؤولية رجب طيب أردوغان، الخشية أن تتحول البلد إلى حالة مشابهة كما يحصل في ليبيا والسودان ومصر وتونس.
والأسئلة التي ستظل بحاجة إلى إجابات؛ من سيعيد الأراضي السورية المحتلّة؟ ومن سيحمي سيادة ووحدة سورية؟
فيما العالم لا يؤمن إلا بالقوي والكيان الصهيوني وصل مشارف دمشق خلال ساعات، حَيثُ يمكن القول بكل أسف إن الصهاينة يترقبون المشهد عن كثب؛ فالهدف تحويل سوريا إلى دولة بدون مخالب ومفتوحة لكل من هب وَدب.
والحقيقة التاريخية أن الغرب وقوى الاستعمار عندما يريدون تدمير وتخريب دولة أَو عدة دول عربية يختارون لها رئيساً يعرف تمامًا كيف يخلط الدين بالسياسة.
في مقال بصحيفة نيويورك تايمز يعتبر أن سقوط نظام بشار الأسد سيعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط… وهكذا هو التوجّـه والتفكير الأمريكي الغربي حول سوريا اليوم.
حيثُ يكتنف الوضع الحالي بعض الغموض، وفق المقال، خَاصَّة فيما يتعلق بقدرة “المعارضة” على ترسيخ سيطرتها وكيفية إدارتها للحكم؟!
مقال منى يعقوبان -نائبة رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام، تشير إلى تعدد الأطراف الدولية التي شاركت بالحرب السورية بجيوشها، ومسارعتها في إعادة ترتيب أولوياتها بين يوم وليلة بعد سقوط حكم الأسد.
تحدث المقال أَيْـضًا عن دول الخليج، حَيثُ ترى في سقوط الأسد فرصة لاستعادة نفوذها والحديث عن السعوديّة وقطر على وجه الخصوص، باسم تمويل إعادة إعمار سوريا سيكون لها دور متوافق مع شركائها الأمريكان والأُورُوبيين في توجيه مسار سوريا المستقبلي.
مع هذه التحَرّكات الدبلوماسية العسكرية عبر وزراء خارجية ودفاع الغرب وأمريكا تستغل “إسرائيل” التحولات في سوريا لتعزيز تحالفاتها مع دول في الخليج السعوديّة والإمارات” كما تراقب عن كثب كيفية تشكيل موازين القوى الجديدة في سوريا لضمان ألا تحكم البلاد “قوة معادية” لها.
وفي الواقع فَــإنَّ “إسرائيل” اتخذت بالفعل تدابير عدوانية توسعية، فقد تجاوز الجيش الإسرائيلي منطقة الجولان المحتلّة العازلة ووصل إلى نحو 25 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من “العاصمة دمشق”، كما شنت عدواناً غير مدان دوليًّا بحق الدولة السورية.
في ظل هذه الممارسات لخص رئيس تحرير صحيفة (هآرتس) العبريّة في مقال نشره تحت عنوان: من محور “نتساريم” في قطاع غزة إلى قمة جبل الشيخ في سوريّة، نتنياهو يحقّق رؤية (إسرائيل الكبرى)، على حَــدّ تعبيره، بكلماتٍ أُخرى، أنّ نتنياهو يتبنّى خطط سموتريتش جملةً وتفصيلًا.
أمام هذه المعادلة الصعبة بعد سقوط بشار الأسد، تسعى أنقرة إلى إضعاف القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا؛ ما قد يضعها على خلاف مع حلفائها الغربيين وعلى رأسهم واشنطن التي وصل وزير خارجيتها الخميس إلى تركيا.
الفصائل المدعومة من تركيا هذا الأسبوع تمكّنت من السيطرة على مدينة دير الزور (شرقاً) وعلى منبج (شمالاً) بعد “معارك عنيفة” مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد المدعومين من واشنطن، بعدما سيطرت الأسبوع الماضي على مدينة تل رفعت (شمالاً) وطردت منها القوات الكردية.
تركيا تبذل كُـلّ جهدها لضمان أن يكون الأكراد في موقع ضعيف ضمن عملية تشكيل السلطة القادمة في سوريا، وهي في الواقع تعبئ الفصائل الموالية لها في سوريا للقضاء على الإدارة شبه الذاتية الكردية، لكن تم وقف هذا الهجوم في الوقت الحاضر بفضل تدخل من الأمريكيين في منبج.
فيما رغبة أنقرة استبدالها بالمجلس الوطني الكردي، وهو حزب قريب من الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي الذي يقيم علاقات جيدة مع تركيا.
وتسيطر قوات سوريا الديموقراطية، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، على مساحات كبيرة شمال سوريا، حَيثُ أقامت فيها إدارة ذاتية.
من قبل خاض المقاتلون الأكراد بدعم أمريكي معارك عنيفة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية.
في مقابل هذه الاستماتة التركية يرى خبراء أن أنقرة قد تواجه معارضة حلفائها الغربيين إن كان الهدف من تحَرّكاتها القضاء على الإدارة الذاتية الكردية بالكامل أَو ضرب المدن الكردية التي باتت رمزاً لمكافحة ما يسمونه تنظيم الدولة الإسلامية مثل كوباني في شمال شرق سوريا.
كذلك حال أمريكا التي حتماً ستصدم بتوجّـهات تركيا.
الخارجية الأمريكية الخميس أكّـدت أن دور مقاتلي قوات سوريا الديموقراطية “حيوي” لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الظهور في سوريا بعد الإطاحة بالأسد.
وكما قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، الاثنين، إن الولايات المتحدة ستواصل حماية مواقعها شمال شرق سوريا، حَيثُ آبار النفط السورية بمزاعم التصدي لجهود تنظيم الدولة الإسلامية وحفاظاً على سلامة قوات سوريا الديموقراطية، وزيارة رئيس القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) الثلاثاء، لقوات سوريا الديموقراطية هي رسالة إلى تركيا، أن هذه مناطق نفوذ أمريكي.
وفي الواقع أن أنقرة تريد إبعاد القوات الكردية لمسافة 40 كلم عن حدودها الغربية، وما يريده أردوغان في الوقت الراهن هو اغتنام الفراغ قبل وصول ترامب إلى السلطة، والسيطرة على هذه المنطقة حتى يكون في موقع قوة في المفاوضات مع الرئيس الأمريكي حول سوريا.