أُمُّ أبيها.. كيف ولماذا غُيِّبت؟
أم الحسن الرازحي
في كُـلّ سنةٍ تمر ونستذكر فيها الزهراء قرة عين المصطفى نتساءل دائمًا كيف غُيِّبت البتول؟! كيف غيبوها وهي النموذج الطاهر والراقي الذي كان ولا زال وسيظل هو منهلنا الذي نرتشف منه عزنا وقوتنا وصمودنا، فهم عندما غيبوها إنما ليصرفونا عما فيه عزتنا ورفعتنا، عما فيه علوِّنا في الدنيا والآخرة.
فنحن عندما نتأمل في تلك المحمدية نرى فيها رسول الله -صلوات الله عليه وآله- نلاحظ فيها عبادة محمد وجهاد محمد وتفاني محمد ورأفة محمد وإحسان محمد -صلوات الله عليه وآله- فقد صدق حين قال: “فاطمة بضعة مني”؛ فهي نسخة مصغرة من المصطفى بكل ما للكلمة من معنى، كيف لا وهي من قد تشربت الهدى منذ الصغر؟! تربت وترعرعت في أحضان الرحمة المهداة للعالمين فقد نهجت طريق الحق وعرفته وتعلمت الإيمان والقرآن والإحسان حتى أصبحت منهجَ خير يُقتدى بها.
لقد عمل الأعداء على تغييب الزهراء عن المرآة المؤمنة ورسموا لها قدوات سيئة ونماذج مخزية وعملوا جاهدين لتمييع النساء فوق جهدهم، وصل بهم الحال إلى محو اسمها من المناهج الدراسية فليس لها وجود، طوال عقودٍ وقدوتنا الحقيقية مغيَّبة عنا فلم نتعلم ونحن في مدارسنا حياة الزهراء من المهد إلى اللحد، تلك الحياة الحافلة بالعطاء اللامحدود وغير المتناهي.
غيَّبوا عنا كُـلَّ هذا لعلمهم أن المرأة المسلمة متى ما تمسكت بقُدوة عظيمة ستكون هي عظيمة وتبني جيلًا عظيمًا لا يخاف في الله لومة لائم.
لم يتوقفوا عند هذا فحسب، فمع توسع وسائل التواصل الاجتماعي نرى كثيراً من النساء قد رهنت نفسها لتلك الوسائل فهي تضيّع وقتها متكئةً على التلفون تطالع بلا هوادة ثم أصبحت مع الوقت تحاكي الغرب الكافر في لبسها وتربيتها لأبنائها وفي كُـلّ مناحي حياتها، بغض النظر عن الفاطميات العظيمات من كان لهن الدور البارز في تصحيح المفاهيم وتقديم الزهراء بأنها هي القُدوة الحقيقية التي يجب على كُـلّ النساء التأسي بها.
فنحن ومنذ بداية ظهور المشروع القرآني المتمثل في المسيرة القرآنية بدأنا بالتعرف على الجوهرة الثمينة، من كانت قد ضاعت علينا الأيّام والسنين بعيدات عنها؛ ولهذا كان من أَسَاسيات المسيرة القرآنية توعية المرآة بخطورة التأسي بغير الزهراء وأن المرأة يجب أن تُكون على علم ودراية بقدوتها الحقيقية؛ فكما أكّـد السيد عبدالملك -يحفظه الله- قائلًا: “إذا حفظت المرأة أُغلق باب الفساد” لمسنا حقيقة هذا القول، فعلًا متى ما حُفظت المرأة، متى ما تحصنت وتجملت بالعفة والدين أغلقت عن نفسها ذلك الفساد الذي لا يرحم أحداً، صانت نفسها وأسرتها ومجتمعها وأبعدت الكثير من سوء العدوّ الذي لا يرحم.
ونحن في هذه الذكرى العظيمة، ذكرى ولادة الطُهر البتول بنت الرسول، اليوم العالمي للمرأة المؤمنة، ندعو جميع النساء المؤمنات إلى العودة الصادقة والجادة إلى تلك الطاهرة الزكية، التي إذَا ما تمسكنا بها واقتفينا أثرها نلنا الرفعة والعلو وكنا نحن الغالبين.