المجتمع الأُورُوبي.. أقربُ إلى المسيح
الشيخ علي حمادي العاملي
أوقعَت الهمجيةُ الصهيونية الكيانَ الذي تجرَّدَ من أيِّ مظهر من مظاهر الإنسانية، أوقعته في موجة عالمية كبيرة من الآراء والمواقف المناهضة لجرائمه الوحشية. فإذا كانت العملية العسكرية التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول طوفانًا أجبر “إسرائيل” على حربٍ خسرتها منذ اللحظة الأولى وما زالت تراكم الخسائر، فَــإنَّ الرّأي العام العالمي بدأ يُشكل تسونامي يُغرق الكيان بحملة غضب شعبي عارم من آلة القتل الصهيونية، وتأييدٍ غير مسبوق للقضية الفلسطينية، بما يوحي بتراجعٍ كبير في سيطرة الصهاينة على الكثير من المجتمعات وإعلامها التابع.
“فلسطين حرّة” أبرز الشعارات التي رفعها عشرات الآلاف من الناشطين والمتظاهرين تعبيرًا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في الكثير من دول العالم، في الولايات المتحدة الأمريكية، في أغلب دول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا، الأرجنتين، كوبا، نيكاراغوا وغيرها، إلى أُورُوبا وعلى رأسها إسبانيا، كذلك في بلجيكا ودول أُخرى كثيرة وكانت أكبر المسيرات في بريطانيا، وطالب الناشطون في بلدان عديدة حكوماتهم بعدم التواطؤ مع الكيان الصهيوني. إلى جانب ذلك ألغت العديد من الشركات والمهرجانات شراكتها مع الكيان، وبعض الدول قرّرت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع “إسرائيل” مثل تشيلي وكولومبيا.
في المقلب الآخر يظهر المشهد السياسي العربي باهتًا كالعادة. بعض التصريحات تتحدث عن تأييد أَو مساعدة فلسطين وكأنها تتضامن مع دولة أَو شعب يعيش في القطب الشمالي.
توجّـهت الأنظار إلى شعوب أُورُوبا التي برزت أصواتها عالية وبدا كأن ما يحصل في غزة مفاجئًا للكثيرين وربما صادمًا بما كانوا يصدقونه من الإعلام الغربي عن الكيان الديمقراطي وبما أقنعوه به أنه يحارب الإرهاب حصرًا. فالمجتمع الأُورُوبي بغالبيته كان مؤيدًا “لحق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها” كما روّجت الدعاية الأمريكية والصهيونية متناسين التاريخ الطويل من الصراع وأنه كيان استيطاني محتلّ، خَاصَّة مع وجود تيارات يمينية موالية للمشروع الصهيوني.
يأتي ميلاد المسيح اليوم وبيت لحم تنظر إلى لحوم وعظام الأطفال المتشظية. والمجتمع الأُورُوبي اليوم ينظر إلى أشلاء آلاف الأطفال المذبوحين بأيدي الإرهاب الصهيوني وبطائرات وصواريخ أمريكية الصنع والتوريد والتوجيه، ينظر فيرى آلام المسيح. آلامه المُستمرّة من تجار الهيكل، ويرى جراحاته تنزف مع عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء. يرى الكنائس والمستشفى المعمداني وغيرها من الرموز المسيحية مستباحة في مهد يسوع.
تغير الرأي العام العالمي اليوم بشكل كبير. لم تعد خديعة المحرقة ومعادَاة السامية تنطلي على أحد. زاد وعي الناس، زال الخوف من انتقاد “إسرائيل”. بدأ العالم يقول للكيان توقف عن إجرامك. نعم الحكومات التي تشعر بعقدة النقص والمتذللة للولايات المتحدة ما زالت تتملّق الصهاينة، ولكن الشعوب تحَرّكت في خط المسيح؛ لأَنَّ ضمير البشر ضد الظلم والطغيان.
قرأت عن مطران مُنعت كتاباته وأفكاره؛ لأَنَّه كان يقول ما مضمونه: العبادة ليست محصورة في ليلة رأس السنة وذكرى ولادة المسيح.. إذَا أزلتم الحصى والحجارة من الطريق هذه عبادة، وَإذَا زرعت الأشجار لاستثمار الأرض هذه عبادة. لو كان المطران حيًّا اليوم لقال: إذَا نصَرتَ أطفال فلسطين هذه عبادة، وَإذَا واجهت جرائم “إسرائيل” وطردتها من أرض الأنبياء هذه عبادة.
المجتمع الأُورُوبي اليوم في موقفه من الكيان الصهيوني أقرب إلى المسيح الذي واجه الطغيان، وطرد اللصوص من بيت الرب. القضية الفلسطينية عادت لتكون أكثر حضورًا في أُورُوبا. ربما نصل إلى يوم لن يجد الكيان الغاصب من يصرّح بكل صلافة “إن “إسرائيل” تمتلك حق الدفاع عن نفسها” سوى في السعوديّة والإمارات وبعض بلدان الأعراب.