إلهٌ مزيّف: عندما يعبُدُ البعضُ أمريكا
إسماعيل سرحان
في عالم يضج بالصراعات السياسية والعسكرية، تعلو أصوات تطالب بالإجَابَة عن السؤال: ما الذي يجعل بعض الأمم تعتبر قوىً معينة كالإله المطلق؟ ما الذي يغري الناس ليضعوا ثقافتهم وهويتهم في مجرى قوًى عُظمى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ويروّجون لكلمات تعبدها وتقدسها مهما كانت الأفعال والسياسات؟
إن العبادة هنا ليست بالضرورة عبادةً دينية، بل هي تمجيدٌ لمفاهيم القوة والسلطة والهيمنة التي تروج لها الدول العظمى، في هذا السياق، يبدو أن من يصطفون في طوابير العبادة السلبية لأمريكا، هم في أغلب الأحيان مغيبون عن الحقائق المرة التي تتجسّد في تاريخها الحديث: التدخلات الفاضحة، الحروب المفتوحة، والمآسي الإنسانية التي تسببت بها.
إن الشخص الذي يعتبر أمريكا قوةً مطلقةً، يُعاني من آفة الضلالة؛ فهو يرى، ربما، أن تلك القوة التي تتغنى بها وسائل الإعلام والخطابات الرسمية هي القوة الوحيدة القادرة على تحقيق الاستقرار والسلام، ولكن، في خضم هذه الدعاية الجذابة، يغفل الكثيرون عن الحقائق على الأرض، ولعل أبرزها تلك الهزائم المتكرّرة التي تواجهها هذه الدولة في بلاد لم تعرف اليأس على مدى التاريخ.
ففي اليمن، حَيثُ تُعاني الأُمَّــة من ويلات الفتنة والحرب، يُظهر الشعب موقفًا استثنائيًّا، ـنهم يتمسكون بمعنوياتهم وإيمانهم الراسخ بالله، وبقيمهم الأصيلة التي لا يقف أمامها سلاح ولا سياسة، المواطن اليمني، الذي ملأت عروقه دروس التاريخ، وكتبت على صدور أبنائه قصص العزة والثبات، يدرك تماماً أن الاعتماد على الله هو الصخر الذي لا يتزحزح أمام هزات اليأس.
من المثير للاهتمام كيف يُشير التاريخ إلى المواقف الثابتة والصامدة، الشعب اليمني، الذي رغم التحديات الهائلة، أثبت أنه لا يُفنى بعبادة القوة الكاذبة، بل يتجلى أمام عظمته موقف إيماني وطني.
لقد كان اليمنيون مثل الجبال، لا تزعزعها الرياح، وهم يواجهون قوى أغرقت المنطقة بدمارها، أنهم الواثقون بأن الله معهم، وأن العزة في الإيمان والمبدأ.
ألم تُبد أمريكا وكأنها جيشٌ لا يُقهر، ولكنها اصطدمت بصمودٍ غير متوقع؟ تعكس هذه المقارنة الأبعاد الكثيرة من الاستضعاف والقوة، من الخسارة والنجاح، في النهاية، تطرح الأطراف المتصادمة على الساحة الدولية سؤالًا مركزيًا هو: كيف يمكن لقوةٍ أن تكون قويةً حقًا بينما تحارب إرادَة الشعوب الضعيفة والتي تحمل قيم النخوة والكرامة؟
بينما يتواصل الجدل حول القوى العظمى، يترسخ مفهوم آخر بإصرار، مفاده أن العبادة الحقيقية يجب أن تكون للحق وللإنسانية، وألا نشعر بالفخر لرؤية القوة كإلهٍ يُعظم في أذهاننا، أن من يعبدون أمريكا بشكلٍ أعمى، لن يستطيعوا استيعاب المواقف الصامدة التي تعبر عن إرادَة إنسانية حقيقية.
وبالمثل، في ظل ما يحدث، يصبح واجبًا على الشعوب أن تسعى لتحرير نفسها من قيود العبادة الوهمية، وأن تستمد قوتها من الإيمان الراسخ بالقيم والمبادئ.
إن دروس المواقف اليمنية المُعتصمة بخالقها مُلهمة لكل من يطمح للعيش بكرامة، أنهم يقدمون بذلك نموذجاً يُظهر على مر الزمان أننا عندما نعتصم بالله، فإن المعجزات ممكنة، والعزة ستكون دائماً لشعوبٍ لا تستسلم لهيمنة القوى الكبرى.
إن هذه الرواية تعكس أن القوى العظمى ليست سوى فقاعة سرعان ما تتلاشى أمام ثبات الشعوب التي تسعى للحرية، فتظل صخرة الإيمان والمبدأ هي الثابت الوحيد في وجه العواصف.