“غارات اليأس” لا تخفي المأزِقَ الإسرائيلي: صنعاء تمسكُ بزمام حاضر ومستقبل المواجهة
المسيرة | ضرار الطيب
محشورًا في مأزِقِ “استحالة ردع اليمن” وغارقًا في حالةِ يأس معلَنةٍ من وَقْفِ العمليات اليمنية المساندة لغزةَ أَو الحد من تصاعدها وتأثيراتها، لجأ العدوُّ الصهيوني، الخميس، إلى شن سلسلة غارات عدوانية جديدة على منشآت خدمية مدنية منها مطار صنعاء الدولي ومحطات طاقة في الحديدة، على أمل استعادة ولو جزء بسيط من “صورة الردع” الدعائية التي انهارت بشكل فاضح، فضلاً عن الردع الحقيقي، في مواجهة الجبهة اليمنية التي لم يعد ضغطها المؤلم يقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية، بل شمل حتى الجانب المعنوي للعدو نفسه ولمستوطنيه، لكنه لم يفلح في ذلك، حَيثُ لم تؤكّـد غاراته الجديدة سوى المأزق الاستراتيجي الذي يعيشه، والسيطرة اليمنية على زمام المعركة.
الغاراتُ الصهيونية الجديدةُ على صنعاء والحديدة والتي أسفرت عن استشهاد وإصابة عددٍ من المدنيين، جاءت بعد يوم من تعرُّض عُمق كيان الاحتلال لضربات يمنية دقيقة استهدفت “يافا” المحتلّة صباح الخميس بصاروخ فرط صوتي كان هو الخامس من نوعه خلال أسبوع، بالإضافة إلى طائرة مسيَّرة وصلت مساء اليوم نفسه تزامناً مع أُخرى استهدفت المنطقة الصناعية بعسقلان، وقد عجزت دفاعات العدوّ عن اعتراض الهجمات وتم توثيق وصولها، وبالذات العملية الأخيرة في عسقلان والتي لم يستطع الجيش “الإسرائيلي” حتى إنكارها إعلاميًّا، واعترف بأنها وصلت.
هذه العمليات التي جاءت ضمن تصعيد يمني أكّـد مركز “ألما” الصهيوني للأبحاث أنه الأكبر منذ بدء الحرب، خلقت حالة يأس كبيرة وفاضحة داخل كيان العدوّ على كُـلّ المستويات، بما في ذلك المستوى الأمني والعسكري، حَيثُ كشفت وسائل الإعلام العبرية أن رئيس جهاز الموساد كان قد اقترح شن هجوم على إيران على اعتبار أنها ستضغط على اليمن لوقف عملياته، لكنْ مسؤولٌ عسكريٌّ كبيرٌ في جيش العدوّ أكّـد للصحيفة أن هذه الخطوة “لن تفشل فقط في وقف الهجمات اليمنية بل ستخلق مشكلة جديدة مع إيران” وهذا الانسداد في الأفق يأتي معززاً حالة اليأس التي باتت ثابتة فيما يتعلق بردع اليمن عن طريق العدوان المباشر، حَيثُ لم يتوقف إعلام العدوّ عن التأكيد على أن استهداف المنشآت المدنية في اليمن لن يحقّق هدف الردع المرجو، وقد جاء آخر هذه التأكيدات بعد الغارات الجديدة مباشرة؛ إذ أفادت هيئة البث “الإسرائيلية” بأن “التقديرات في إسرائيل هي أن إطلاق الصواريخ من اليمن سيستمر”.
وقد ظهر على المستوى العسكري والاستراتيجي أَيْـضًا من خلال التقارير التي كشفت عن مساع صهيونية للاستعانة بالمرتزِقة في اليمن الذين يعلقون هم بدورهم الآمال على أن العدوّ هو من سيعينهم وليس العكس!
ويلتقي ذلك أَيْـضًا مع الإفلاس الذي ظهر على المستوى السياسي من خلال تحَرّك وزارة خارجية العدوّ لإقناع الدول الأُورُوبية بإصدار تصنيفات “الإرهاب” ضد اليمن، وهي خطوة تكشف عن انسداد سياسي يواجهه العدوّ في حشد الحلفاء في المنطقة، كما تكشف عن مساحة عمل ضيقة جِـدًّا، منفصلة عن واقع التجارب التي يشهد بأن التصنيفات ليس لها أي تأثير.
وعلى المستوى الإعلامي أَيْـضًا، عبَّرت تحليلاتُ وتعليقاتُ وسائل الإعلام العبرية عن اليأس من ردع اليمن بشكل أوضح وأكثر صراحة مما يفصح عنه المسؤولون الصهاينة، بل إنها ردَّت حتى على التهديدات التي وجّهها أُولئك المسؤولون وكشفت خواءها، حَيثُ قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” إنه برغم توعد وزير الدفاع بالوصول إلى السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، فَــإنَّ السيد “لم يبدُ خائفًا بل واصل تهديد إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا بأوضح العبارات” وأنه برغم تهديدات نتنياهو فَــإنَّ اليمنيين يواصلون الحشد والإعداد، كما نقلت عن إليزابيث كاندل، الخبيرة الأمريكية في شؤون اليمن، قولها إنه: “يبدو من المستحيل التأثير على الحوثيين دون ضغط عسكري هائل، لكن من الصعب بنفس القدر أن نرى كيف سيعملُ الضغطُ الهائلُ على الحوثيين على الإطلاق” وهو ما ينسف حتى الآمال الشاطحة للعدو بشأن إمْكَانية تحقيق نتائج إذَا توفرت فرصة لشن عدوان واسع ومكثّـف بالاشتراك مع عدة دول، وهي آمال تحمل في طياتها أصلًا الإقرار بالصعوبات العملياتية التي تواجهها “إسرائيل” في العمل بمفردها ضد اليمنيين.
المستوطنون الصهاينة لم يكونوا بعيدين عن حالة الإحباط واليأس هذه، حَيثُ نقلت وسائل الإعلام العبرية عنهم هذا الشعور، وعبَّروا بأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي عن انهيارِ معنوياتهم؛ بفعل الضربات اليمنية المتلاحقة وتوقيتاتها التي حرمتهم من مواصلةِ العيش بشكل اعتيادي بما في ذلك الخلود إلى النوم، وتجعلهم في حالة ترقُّبٍ مرهقة للغاية، خُصُوصًا بعد أن لجأ العدوُّ إلى توسيعِ مناطق تفعيل صافرات الإنذار عند الهجمات اليمنية بشكل كبير لتعويض فشله الكبير في اكتشاف واعتراض الصواريخ بشكل مبكر، حَيثُ دوت صافرات الإنذار في أكثر من 160 منطقة عند الهجوم الصاروخي الأخير صباح الخميس؛ الأمر الذي ضاعف عدد المستوطنين المطلوب منهم التوجّـه للملاجئ، وخلق وضعاً غير مألوف أصبحت فيه كُـلّ ضربة يمنية توقظ “نصف إسرائيل” بحسب وسائل الإعلام العبرية.
ومما يعزِّزُ حالةَ الإحباط هذه، تعاظم دلائل الهزيمة الأمريكية أمام اليمن، فبعد أول هجوم عدواني لها، فرت حاملة الطائرات (هاري ترومان) بسرعة عقب أن استهدفتها القوات المسلحة اليمنية الأسبوع الماضي، وتم رصدها يوم الخميس الماضي في أقصى شمال البحر الأحمر بالقرب من قناة السويس؛ وذلك توازياً مع معلومات فاضحة نشرتها شبكة “فوكس نيوز” وكشفت فيها أن الإرباك الذي سببه الهجوم اليمني على الحاملة (ترومان) كاد أن يؤدِّيَ إلى إسقاط مقاتلة “إف-18” ثانية كانت تحلق بالقرب من زميلتها التي تم إسقاطُها أثناءَ محاولةِ التصدِّي للصواريخ والمسيَّرات اليمنية.
اليأسُ المخيِّمُ على كيان العدوّ عسكريًّا وأمنيًّا وإعلاميًّا وجماهيريًّا، يؤكّـد بشكل صارخ على أن أُفُقَ استهداف اليمن سواء بهجمات “إسرائيلية” منفردة أَو بتحَرّك مشترك، مسدودٌ بالكامل، ولن يتجاوز مربع “الانتقام” اللحظي العشوائي، بل إنه سيجعل موقف العدوّ أصعب بكثير عندما يستمر تصاعد الضربات اليمنية على العمق “الإسرائيلي”.
وإذ يؤكّـد هذا اليأس صوابية كُـلّ ما تقوله وتعلنه القيادة اليمنية حول استحالة التراجع عن إسناد غزة والتصعيد ضد العدوّ الصهيوني، فَــإنَّه يعني بوضوح أن اليمنَ يمسك بزمام المواجهة عملياتيًّا ومعنويًّا، وأن الأفق المسدود أمام العدوّ وشركائه مفتوح بالمقبل على مفاجآتٍ يمنية قادمة في مسار التصعيد ضد العدوّ، سواء من خلال كثافة الضربات أَو تطور الأسلحة المستخدمة أَو الوصول لأهداف أكثر حساسية، وهو أمر يمكن القول إنه حتمي بالنظر إلى تجارب القوات المسلحة في مواجهة أطراف معسكر العدوّ منذ سنوات، بما في ذلك مواجهةِ الجيش الأمريكي في البحر الأحمر، وَأَيْـضًا المواجهة المباشرة مع العدوّ الصهيوني خلال الفترة الماضية.
ووفقاً لذلك فَــإنَّ غاراتِ “اليأس” التي شنها العدوُّ الإسرائيلي على اليمن وتحَرّكاته العدوانية المستقبلية للضغط على صنعاء -أيًّا كانت- لن تقتصرَ على الفشل، بل سترتدُّ حتميًّا بشكل عكسي على أمن العدوّ، وستفرض معادلات إضافية تفاقم مأزقه الاستراتيجي بما يضاعف الضغط اليمني الهادف لوقف الإبادة الجماعية في غزة؛ الأمر الذي سيثبت الواقع الذي بات جليًّا، والذي يقول بوضوح إن اليمنَ هو صاحبُ اليد العليا في هذه المواجهة وإن دوره في مستقبل الصراع سيكون أكبر من كُـلّ التوقعات.