من منتهى أمل.. إلى مفترق طرق
عبدالإله محمد أبو رأس
في ساعات الخطر يتحد المختلفون، ويلتقي أبناء العم والخال، وحتى أحفاد الجد السابع عشر، وتذوب -عندئذٍ- الأحقاد والضغائن الصغيرة، ويؤلف الخطر المشترك وشيجة توحد كُـلّ القلوب.
والخلافات بين الإخوة لا تصنع التمزق؛ إلا بين المتخلفين الذين لا يدركون لغة المصالح المشتركة، ولقد أختلف الروس البلاشفة -آنذاك- مع الأمريكان خلاف حياة وموت، ولكنهم اتحدوا – معًا- في مواجهة الخطر النازي في الحرب العالمية الثانية، وحاربوا هتلر جنبًا إلى جنب وانتصروا عليه، والنازية الإسرائيلية اليوم بحاجة إلى نفس الوقفة، والظلم الأمريكي بحاجة إلى نفس التكتل، وإلى نفس الردع.
لأننا أمام غطرسة هتلرية عجيبة، وغرور بالقوة، وزهو بامتلاك الأسباب، وأمام ازدراء مهين لشأن المسلمين، واحتقار لديانتهم، لا يعرف حدودًا، وأمام فاشية غليظة صفيقة، لا ترى لله قدرًا، ولا للغيب دلالة.
وهي ملامح زمان جاهلي رديء، وطابع حضارة مادية متبجحة توجت على عرشها نازية داعرة محترفة تقتات بالإجرام الجزافي للجموع.
ولكن الوقت يمضي ولا حياة لمن تنادي، ويتغير الشخوص على المسرح ولا أمل، وتتبدل القيادات ولا جديد.
والسؤال: متى وأين وكيف سنلتقي معًا.!؟ سئمّنا الانتظار أكثر.!! وبحّتِ الأصوات أَيْـضًا، حَيثُ لا شعور قومي.! ولا انتماء ديني.! ولا ضمير إنساني.! ولا إحساس عربي.
صدقوني إنها أزمة ضمير حتى نخاع العظام، ومأساة يعز لها النظير: أن تتحول هذه الأُمَّــة إلى مكتوفة الأيدي، لا تملك هامش حركة أمام مسرح تنصب فيه المشانق والمقاصل لصغارها؛ قبل كبارها، وتنهب ثرواتها؛ تحت ستار التطبيع، وتداس مقدساتها؛ تحت مزعوم الملكية المغتصبة، وتهدّمُ مساجدها؛ تحت افتراض أن تحتها كان يوجد هناك هيكل سليمان.
وهي وللأسف الشديد ما زالت تحاول في حياءٍ مستتر أن تبحث للمصيبة عن صياغة أكثر قبولاً، وتحاول أن تضع عبارة بديلة أكثر وقارًا، ألا تشعر هذه الأُمَّــة بحمّرة الخجلِ الموصومة على جبينها..!!
إن قلة الزاد وضعف العتاد ليسا ذريعة لقبول الذل والهوان، والخائف سوف يتمدد إلى جوار الذي يخاف منه بعد قليل، والجبان لن ينجو من الموت، والرعديد سوف يسبق الشجاع إلى حتفه.
ولن يصلح البأس الشديد إلا ببأسٍ أشد منه، اخلعوا عباءة الرجل الطيب، وانفضوا عنكم غبار الذلة والمسكنة، ولن يأتيكم الموت في كرامة أفضل من أن تكرهوا عليه من مذلة، وأن الموت لأتٍ شئتم أم أبيّتم.
ومنتهى أمل أمريكا والكيان الغاصب هو: أن تكون كُـلّ الزعامات في المنطقة العربية مستأنسة مثل ابن سلمان وابن زايد تهلل وتوقع وتتبادل الهدايا والقبلات مع العزيزة “إسرائيل”، ولا تحاول أن تفكر في معاني الكلمات، ولا فيما وراء الاتّفاقيات.
وغايتهم المنشودة، أن يتصرف كُـلّ العرب كقبائل متفرقة -متناحرة- لا تجتمع على شيء، وقد أقاموا سياستهم على هذا المنوال، فحاولت ولايات المكر والغدر والطغيان، أن تنفرد بكل طرف بعيدًا عن القطيع، وتغلق عليه الأبواب المؤصدة في محادثات سرية، وهذا أُسلُـوب لئيم يبحث عن نقاط الضعف، ويلجأ إلى الإيقاع والتفريق؛ لا إلى المواجهة والصراحة.
وقد كانوا يأخذون الأطراف واحدًا تلو الآخر في معازل داخل الغابات والمنتجعات الريفية، وفي غرف مغلقة، وقاعات معزولة لا يدخلها صحفي؛ ليتم حصار المفاوض العربي بكافة وسائل الضغط والغواية، حتى يسقط من الضغط والتعب والإرهاق.
والزعماء العرب الذين هرّولوا إلى أحضان الأفاعيّ، إنما هرّولوا وجرّجروا شعوبهم إلى الهاوية، وأمريكا وجنينها هما الظلم الفاجر في ذروته وتبجحه، واللاجئ إليهما؛ سيهلك بهلاكهما، وشأنه سيكون شأن ابن نوح ساعة الطوفان، وأبوه يستصرخه يا بنيّ أركب معنا؛ فيجاوبه بغرور الجهال.. “سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء”.
وهكذا تبدو أمريكا -اليوم- في نظر العرب، كالطود الشامخ والجبل الأشم، لا نجاة إلا باللجوء إليها، والاستسلام في حضنها، وصرخة نوح تدوي في الأجيال وتخترق التاريخ.
وها نحن اليوم نستوي وأنتم في هذا البلاء، ولكن لن نستوي في نتيجة الامتحان أبدًا..!! من أنتم..!!؟ وما حقيقة إيمَـانكم.!!؟ وفي أي صف تقفون.!!؟ هذه هي الحقيقة العارية، وسوف يخرج كُـلّ شخص منها مدموغ بحقيقته، موصوم بصفته.
إنه مفترق الطرق الذي نلتقي فيه في لحظة اختيار لكل قرار نتخذه، ولكنه مفترق طرق خطير هذه المرة، والهروب من الاختيار مستحيل، والخطأ هو الآخر قاتل.
والذي يعي ذلك جيِّدًا سوف يقبل على هذه الدنيا بجسارة، وسوف يخوض في أحداثها بقلب من حديد، وسوف يخالج الحق لا يخاف فيه لومة لائم، وسوف يواجه البأس لا تزلزله الزلازل، ولا تحَرّكه النوازل.