اليمن يعيدُ صياغةَ التاريخ ويتحوّلُ إلى قوة إقليمية في المنطقة

المسيرة: عباس القاعدي:

شكلت الجبهة اليمنية المساندة لغزة على مدى أكثر من عام ضغطًا كَبيرًا على ثلاثي الشر أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل”، وأوقعتهم في فخ الإحباط والعجز في التعامل مع اليمنيين.

وخلال الأشهر الماضية، كانت اليمن، محط أنظار الكثير من أحرار العالم، وأرباب الفكر والسياسية، والخبراء السياسيين والعسكريين، الذين يعبرون عن فخرهم واعتزازهم للقدرات اليمنية، وما تقدمه من إسناد قوي للمظلومين في غزة.

ويتحدث د. سيف دعنا، أُستاذ علم الاجتماع والدراسات الدولية بجامعة ويسكونسن بالولايات المتحدة الأمريكية عن اليمن وتاريخه المشرق، مُشيرًا إلى أن الرومان أطلقوا على اليمن تسمية “اليمن السعيد” وهذه التسمية لها الكثير من الدلالات؛ كونه يتميز عن المناطق العربية الأُخرى، بأسماء أُخرى وهي “الصحراء العربية” التي تشمل مناطق الجزيرة العربية والصحراء السورية، وَأَيْـضًا سمي “العربية الصخرية” التي تشمل مملكة الأنباط، حينها جنوب بلاد الشام وسيناء، مؤكّـدًا أن كُـلّ تلك الأسماء تعود إلى سبب رئيس وهو المناخ الاستوائي لليمن، بخلاف باقي مناطق الجزيرة العربية، وهذا ما جعلة تاريخيًّا مجتمعًا زراعيًّا، ولهذا تم تمييزه من قبل الرومان عن المناطق العربية الأُخرى، وبالتالي يمكن لليمن أن يتميز عن غيره؛ لأَنَّ فيه بدأت الحضارة العربية الحقيقية؛ بسَببِ الجغرافيا والتاريخ وبسبب المكان والمكانة، وهذا ما تشير إلى الصورة السائدة المرتبطة بفهم اليمن ومصطلح اليمن السعيد.

وخلال حواره مع قناة “الميادين” كان د. دعنا يتحدث بإعجاب عن اليمن، والتاريخ المجيد لليمنيين، متطرقًا إلى حيثيات وأسباب العدوان السعوديّ الأمريكي على اليمن عام 2015، معتبرًا أن من أبرز الأسباب للعدوان هو الموقع الجغرافي لليمن وما يتميز به، وبسبب الخوف الغربي والخليجي من اليمن، بأن يصبح مؤثرًا وقوة إقليمية، ولهذا حاولت أمريكا والسعوديّة استباق ذلك، محاولة القضاء على اليمن، وإبقائه حديقة خلفية للسعوديّة.

وتأكيدًا على ذلك، فقد ذكر أحد المؤرخين الإيرلنديين، أن اليمن بمكانته، وموقعة الجغرافي يشكل منصة ممكنة للتغيير، والثورات في كُـلّ المنطقة وتحديدًا في الجزيرة العربية، ولهذا فَــإنَّ العين على اليمن منذ البداية؛ بسَببِ التبعات الإقليمية في أي دور يعلبه اليمن، وبالتالي كان المطلوب من العدوان السعوديّ إبقاء اليمن ضعيفًا.

ويشير الدكتور دعنا إلى أن ما يحصل في اليمن منذ العدوان السعوديّ عليه، يعتبر حربًا مُستمرّة ليس الهدف منها انتصاراً وتحقيق أهداف سياسية، كما يحصل في أي حرب بين الدول، بل الهدف من الحرب المُستمرّة هو إبقاء اليمن في حالة فشل دائم ومستدام، حتى لا يلعب هذا الدور الذي هو اليوم عليه، ويكون قوة إقليمية في المنطقة.

ويواصل: “بمعنى أن السيد القائد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- استطاع قيادة اليمن بما يستحق من دور؛ بسَببِ مكانته وإمْكَانياته، ولهذا وبعد صعود “أنصار الله” وخلال سنوات قليلة، نقرأ في معهد دراسات الأمن القومي تقريرًا في فبراير 2021، بعنوان: “أربع احتمالات لتغيير شروط اللعبة”، منها اليمن يمكن أن يغير قواعد اللعبة في المنطقة.

ويضيف الدكتور دعنا: “أبلغنا بأن العدوّ الصهيوني قام بنشر بطاريات مضادة للصواريخ في “إيلات” استعدادًا لهجمات يمنية، وهذا عام 2021، بعد معرفتهم امتلاك الجيش اليمني صواريخ مداها أكثر من ألفي كيلو متر، وبالتالي هم كانوا يعرفون أن اللحظة التي تعيش فيها أمريكا و”إسرائيل” اليوم هي قادمة، وكذلك يعرفون أن اليمن له دور كبير في ساحات الصراع العربي الصهيوني، وهذا على مر التاريخ، بالإضافة إلى أن اليمن ليس دولة مواجهة وقريبة من “إسرائيل”، ومع ذلك يلعب دورًا أكثر من كُـلّ دول المواجهة.

 

اهتمامٌ أمريكي سابق:

وحول دور اليمن الكبير في ساحات الصراع العربي الصهيوني، والمخاوف الأمريكية من أحرار الشعب اليمني، يقول الدكتور سيف دعنا: “كان هناك اهتمامٌ أمريكي بحركة “أنصار الله” منذ صعودها، وهناك وثيقتان لـ “ويكليكس” تعودان إلى ديسمبر من العام 2009، أرسلت من السفير الأمريكي في صنعاء إلى وزير الخارجية في واشنطن، وهذا قبل وصول “أنصار الله” إلى السلطة، ففي الوثيقة الأولى نرى مسؤولين في الدولة اليمنية سابقًا وأجهزتها الأمنية وبالأسماء موجودين في الوثيقة، كانوا يقدمون المعلومات للسفارة الأمريكية في صنعاء، وكذلك كان هناك صحفيون يكتبون التقارير ويقدمونها للسفارة، عن من هم الحوثيون؟

أما الوثيقة الثانية، فهي مهمة؛ لأَنَّها تجيب على السؤول، وهو عنوان الوثيقة: ما الذي يقاتل الحوثيون؛ مِن أجلِه؟، حَيثُ تقول الوثيقة الثانية إن الحوثيين مناهضون لأمريكا، كما يتضح من خلال خطاباتهم ويرسمون الشعارات على المباني والصخور وفي جميع أنحاء محافظة صعدة، لكنهم لم يستهدفوا المواطنين أَو المصالح الأمريكية، والأهم من هذا الاستنتاج الأخير للوثيقة، هو أن الحوثيين معادون لـ”إسرائيل”، وهذا ما ورد في وثائق “ويكيليكس” عمن هم الحوثيون وفق المعلومات التي كانوا يقدمونها للسفارة الأمريكية بصنعاء؟

ووفقًا لهذه المعطيات يقول الدكتور دعنا: “وبالتالي الحوثيون يعادون الهيمنة الأمريكية، وكيان العدوّ الصهيوني، ويناصرون القضية الفلسطينية، وهذا منذ عام 2009، قبل طوفان الأقصى، وقبل حتى العدوان السعوديّ على اليمن، والجانب الآخر لمقدرات وإمْكَانيات اليمن لو مزجناهم معًا، سوف يصبح اليمن قوة إقليمية مؤثرة، وهذا ما حصل تحت قيادة السيد عبد الملك الحوثي؛ ولهذا هم لا يريدون اليمن الذي هو اليوم عليه، وبقيادة حكيمة، بل يريدون اليمن القديم التابع، والذي يعيش حالة حرب مُستمرّة، وحالة فشل وتبعية.

 

اليمن فاجأ العالم:

وإذا كان هذا هو التاريخ المشرِّف “لأنصار الله” -وفق المتابعين والمهتمين- فَــإنَّ مشاركة اليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، تأتي إيمَـانًا بالقضية الفلسطينية المترسخة في فكرهم ومنهجهم، ولهذا كانت العمليات العسكرية النوعية والمتصاعدة في عمق الكيان الصهيوني، وضد البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية في البحرين الأحمر والعربي.

وفي محاولة لتغيير الواقع، وردع اليمنيين عن مساندة غزة، نفذ العدوّ الصهيوني أربع هجمات جوية على اليمن، استهدفت منشآت حيوية واستراتيجية ذات طابع انتقامي فعلي، لا علاقة لها بأي هدف عسكري للقوات المسلحة اليمنية كما يقول الدكتور العراقي لقاء مكي.

ويرى الدكتور مكي أن “اليمن لم يتأثر ولن يتأثر بهذه العمليات، بل على العكس من ذلك، فَــإنَّ قدراته العسكرية تزداد من يوم إلى آخر، ولديه كذلك قدرات على الحشد سواء في الداخل أَو الخارج”، مؤكّـدًا أن اليمن فاجأ أمريكا و”إسرائيل” بالصاروخ الأخير البالستي الفرط صوتي الذي تمكّن من تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وسقط في “تل أبيب”، حتى أن الأمريكيين أصبحوا يسألون: من أين لهم هذا؟ وبالتالي هناك تطور كبير في القدرات العسكرية اليمنية، وهذا فاجأني، وفاجأ أمريكا و”إسرائيل”، لافتًا إلى أنه إذَا كان لدى الجيش اليمني أفضل من هذه الصواريخ فَــإنَّها ستكون مفاجآت إضافية لأمريكا.

ويضيف: “جيش العدوّ الإسرائيلي لديه فقر كبير في بنك أهدافه باليمن، وهو أعلن عن ذلك، وَإذَا توفر لدى العدوّ بنك أهداف فَــإنَّ العمليات اليمنية لن تتوقف؛ ولهذا فَــإنَّ الحربَ مع اليمن ليست هينةً ولا بسيطة، وما الضرباتُ التي تنفِّذُها “إسرائيل” إلا رسالةٌ للمستوطنين فقط بأنها قادرة على الرد، وهي تعرف أن كُـلَّ الضربات لن تؤثِّرَ على اليمن”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com