ما دلالةُ إسقاط الطائرة MQ9 من الناحية العسكرية والاستراتيجية؟
المسيرة: عباس القاعدي
لم يكن في حُسبانِ الجيش الأمريكي أنه سيخسَرُ 13 طائرة من نوع “إم كيو 9” فائقة التطور، والتي تعتبر في مقام طائرات الإف 16.
طائرات إم كيو 9 تقوم بعمليات الرصد والتتبع والتجسس، في اليمن الذي رسمت قواته المسلحة مسارًا استراتيجيًّا مهمًّا، من خلال إسقاط طائرات إم كيو-9 الأكثر تطورًا، وتقنية لدى الجيش الأمريكي.
ويظل التساؤل الأبرز في كُـلّ هذه التطورات: كيف استطاع اليمنيون إسقاط هذا النوع من الطائرات التي تتباهى أمريكا بها، وتعتبرها الأحدث في ترساناتها، وما تأثير إسقاطها على المسار العسكري لواشنطن، ومستقبل صناعاتها للطيران المسير؟
وفي هذا الشأن يقول العميد عبد الغني الزبيدي، الخبير العسكري والاستراتيجي: إن “إسقاط الطائرة إم كيو 9 الأمريكية، المتطورة جِـدًّا، يعد إنجازًا كَبيرًا جِـدًّا، ويؤكّـد على أن هناك تطورًا كبيرًا في مجال تصنيع الدفاعات الجوية اليمنية، وبالتالي فَــإنَّ إسقاط هذه الطائرة في أكثر من منطقه يؤكّـد أن منظومات الدفاع الجوية المتطورة أصبحت اليوم منتشرة في عموم محافظات الجمهورية اليمنية”.
ويضيف أن القوات المسلحة مُستمرّة في تطوير القدرات العسكرية الدفاعية أَو الهجومية؛ لأَنَّه في الأخير نحن “عندما نصل إلى تطوير القدرات العسكرية الهجومية، فلا بد أن يكون لدينا أَيْـضًا تطوير في مجال الدفاعات الجوية”، معتقدًا أن هذا أصبح واضحًا وجليًّا، وَأن بعض الناس قد يتساءل: كيف لنا ألا نسقط طائرات الإف 15 والإف 16، وغيرهما؟!، ونقول له: “تلك الطائرات تطلق صواريخها من مسافات بعيدة جِـدًّا قد تصل أحيانًا إلى 100 كيلو”، وهذا بالتأكيد لا يزال يشكل عبئًا.
وعن إسقاط 13 طائره من نوع إم كيو9، التي تعتبر الأضخم في العالم، يؤكّـد الزبيدي أننا “أمام تطور كبير في هذا المجال”، معتقدًا أن هذا يتسق مع التطورات في المجالات العسكرية الأُخرى، ومن ضمنها المنظومات الصاروخية والطائرات المسيرة، موضحًا أن “أمريكا ما زالت تراهن على هذه الطائرة، بعد أن قطعت يدها، فيما يتعلق بالجواسيس على الأرض؛ بمعنى أن هذه واحدةٌ من الأعباء وهم يراهنون على مسألة الحصول على بنك أهداف”.
ويوضح أن “العدوان الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، قد شن على اليمن أكثر من 600 غارة جوية منذ بدء (طوفان الأقصى)، وَأن المواقع التي تم استهدافها من قبل الولايات المتحدة هي أهداف ثانوية، وقد تم قصفها من قبل، ولكنها على الصعيد العسكري ليست ذات جدوى؛ ولذلك تبحث الولايات المتحدة الأمريكية -من خلال هذه الطائرات التي ترسلها للاستطلاع والرصد في أجواء اليمن- عن أية أهداف جديدة، أَو معلومات جديدة”.
وَيوضح الزبيدي أن أمريكا ومن خلال القيام بتنقل الطائرة إم كيو9، من محافظة إلى أُخرى، فهي تريد معرفة ما يمتلكه اليمن من منظومات دفاعية، وأماكن تواجدها، مبينًا أن إسقاط هذه الطائرة في أجواء محافظة البيضاء، وسابقًا في محافظات ذمار والحديدة وصعدة، التي تم إسقاطها فيها أكثر من مرة، تؤكّـد أن اليمن لديه منظومات دفاع جوي منتشرة في كُـلّ المحافظات، وهذا ما يجعل الأمريكيين يشعرون بالخطر، ولا سيما بعد وصولِ الصواريخ المتطورة والفرط صوتية إلى فلسطين المحتلّة، التي فشلت في اعتراضها منظوماتُ القبة الحديدية بمستوياتها الأربع، وَأَيْـضًا منظومة “حيتس”.
ويواصل: “وبعد أن فشلت تلك المنظومات، هم اليوم يستخدمون منظومات ثاد، التي تعتبر الأكثر تطورًا في العالم كما يقول الأمريكيون، ولكن صواريخنا تتجاوزها ولم تُجْدِ نفعًا”.
تفوُّقٌ عسكري واستخباراتي:
وفيما يتعلق بموضوع التعامل مع عمليات اليمن، والتصعيد المتواصل، يقول الخبير العسكري الزبيدي: إن “الولايات المتحدة الأمريكية هي حليف استراتيجي لـ “إسرائيل”، بل هي الداعم والممول، وَهي القائد الفعلي للدفاع عن العدوّ الصهيوني في هذه المعركة، وبالتالي فَــإنَّ الأمريكيين لا يمتلكون رؤية للرد على العمليات، وإنهاء الحصار البحري على الكيان الصهيوني، وتأكيدًا على ذلك، نحن نقرأ المعطيات الواضحة أمامنا أن الولايات المتحدة الأمريكية شكّلت مثلًا “تحالف الازدهار”، وفشلت فشلًا ذريعًا، وبالتالي، فهذا التحالف تفكّك، وهو مكون من 40 دولة، كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية”.
ويرى أن الأمريكيين عندما يتعاملون اليوم مع منطقة، وَمع بلد كانوا ينظرون إليه بأنه من الدول الأكثر فقرًا، ومن الدول التي لا يمكن أن تشكِّلُ خطرًا عليهم، وعندما تنسحب مثلًا حاملات الطائرات “ترومان” إلى شمال جدة، فهذا يؤكّـد أن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت على الأقل استخباراتيًّا، وأصبحت أمامَ قوة إقليمية يمنية، وفشلت في تقدير الموقف، وفي إدارة مسرح العمليات، معتقدًا أن “القائد العسكري اليوم تفوق على القاعدة العسكرية الأمريكية باعترافهم هم، حَيثُ يقولون إننا اليوم نتعامل مع الأهداف التي تنطلقُ من اليمن بمسافة لا تقل عن 14 ثانية، لافتًا إلى أننا أمام تطور كبير، وأية تحالفات جديدة سواءٌ أكانت على المستوى العسكري مع الكيان الصهيوني، أَو مع تحالفات أُخرى فَــإنَّها ستفشل”.
وحول البُعد الاستخباراتي الذي سبق الاستخباراتِ الأمريكية، وكانت نتائجه أن تم قصفُ بوارج، وحاملات الطائرات، قبل أن تشن عدوانًا جديدًا على اليمن، يقول الزبيدي إن هذه شكلت “ظاهرة استباقية”.
ويلفت إلى أن عملية القوات المسلحة التي استهدفت حاملات الطائرات “ترومان” وأسقطت طائرة إف 18، كانت مفاجِئَةً للأمريكيين وللعالم”، مؤكّـدًا أن “لدى اليمن قدرات استخباراتية متفوقة على التقنيات الأمريكية، وأن هذا التطور الذي حدث في مجال الاستخبارات اليمنية وصلت نتائجه إلى أن شاهدنا ما حدث في التعامل مع حاملات الطائرات “هاري ترومان” عندما كانت تحاول شن أكبر هجوم على اليمن، حَيثُ استطاعت القوات المسلحة إفشال ذلك، وشكَّلَت من خلال تلك العملية رسالةً لأمريكا وأدواتها، والرسالة وصلت بشكل فاعل ومؤثر، وليست فقط رسالة إعلامية، أَو سياسية، أَو تأخذ طابعَ الحرب النفسية، بل أخذت طابعَ الحرب الفعلية.