أبناءُ غزة.. قتلى ناراً وجوعاً وبرداً وخِذلاناً
عبدالحكيم عامر
تعيشُ غزة، منذ فترة طويلة، تحت وطأة ظروف إنسانية مأساوية، تكثّـفت بشكل خاص في الآونة الأخيرة بفعل العدوان المُستمرّ والتهجير القسري الذي تعرض له السكان، الأطفال، وهم الأكثر تضرراً، يقضون لياليهم في مخيمات النزوح، يواجهون البرد القارس دون مأوى آمن يحميهم، لقد فقد هؤلاء الأطفال منازلهم، وشهدوا مآسيَ تجرّدت من الإنسانية تحت آلة الحرب الإسرائيلية الأمريكية الغربية.
وتتجلى مأساة أطفال غزة في خذلان الدول العربية والإسلامية، فبينما يُطبِّلُ البعض للعلاقات مع الكيان الصهيوني، يُترك هؤلاء الأطفال لمواجهة مصيرهم بمفردهم.
لقد تحولت بعض العواصم الإسلامية إلى مِنصات تدعو إلى غض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية؛ مما يعكس تراجعاً في الموقف العربي والإسلامي تجاه قضيتهم المركزية، وإن غياب الدعم الفعلي الحقيقي يبرز تغاضي السياسات الرسمية في التعامل مع القضية الفلسطينية واستخدامها كأدَاة للمقايضة والتنازلات، في الوقت الذي يتسابق فيه البعض لنيل رضا أمريكا، لتظل غزة والضفة الغربية وسوريا ثمنًا لذلك.
فتاريخ الغزو والاحتلال يعيد نفسه، ويعكس فشل الأنظمة العربية في التعلم من دروس الماضي؛ فالأحداث الأخيرة في سوريا تُظهر كيف يمكن أن تتحول التنازلات إلى احتلال دائم، وأن ثمن الذل لا يُقارن بثمن المقاومة، فغزة على الرغم من الحصار الخانق، لم تتوانَ عن المقاومة، بل أظهرت صمودًا استثنائيًّا، حَيثُ يستمر الشعب الفلسطيني ومعه المقاومة في مواجهة الاحتلال بصلابة وصبر وثبات.
وفي خضم هذه المعاناة، يبرز اليمن كداعم رئيسي لغزة، حَيثُ تشهد اليمن موجات من الدعم والتحَرّك الشعبي والتحَرّك العسكري في عمليات عسكرية تُظهر التزاما حقيقيًّا وإسناداً بالقضية الفلسطينية، وتؤكّـد أن المعركة ضد الاحتلال الإسرائيلي ليست محصورة في غزة فقط، بل تمتد لتشمل جميع الأراضي المحتلّة وقد تمتد لتعم المنطقة.
فما يقدمه اليمن من نموذج في القوة والشجاعة والانتصارات الكبيرة التي أسقطت هيبة أمريكا العظمى هو من ثمار التثقف بالثقافة القرآنية والثقة بالله وهو في نفس الوقت نموذج حي لشعوب الأُمَّــة بأنها قادرة على هزيمة أمريكا وإسرائيل إذَا عادت للقرآن الكريم ووثقت بالله القائل: “ولينصرن الله من ينصره”.
إن مأساة أطفال غزة ليست مُجَـرّد قضية محلية فلسطينية، بل هي قضية إنسانية تتطلب تضافر الجهود من جميع أنحاء العالم، في ظل غياب الدعم الفعلي، يبقى السؤال: متى سيستفيق الضمير العربي والإسلامي ليقف بجانب هؤلاء الأطفال؟ الأمل الوحيد يكمن في إدراك أن المقاومة للاحتلال الإسرائيلي هو جهاد؛ مِن أجلِ الإنسانية جمعاء، وأن دعم غزة هو دعم للقيم الإنسانية النبيلة.