ما بين اليأس “الإسرائيلي” والنجاحات اليمنية: من يمسك بخيوط معادلات المرحلة القادمة؟

المسيرة | ضرار الطيب
بعد أن رفعت قيادة جبهة الإسناد اليمنية وتيرة المواجهة المباشرة مع العدوّ الصهيوني إلى ذروة غير مسبوقة من خلال الضربات الصاروخية والجوية المكثّـفة على عمق الأراضي المحتلّة، بما في ذلك يافا (تل أبيب) خلال الأسبوعين الماضيين، تبلورت ملامحُ واقع جديد على مستوى حاضر ومستقبل الصراع مع العدوّ الصهيوني، وما يرتبط بهما من موازين إقليمية، وهو واقع تشير كُـلّ التقييمات إلى أن اليمن هو صاحب اليد العليا فيه والمنفرد بإمساك خيوطه، وبرغم محاولات العدوّ المُستمرّة للبحث عن وسائل لإيقاف ما يصفه بالتهديد اليمني، فَــإنَّ اعترافات العجز وانعدام الحيلة لا زالت تستحوذُ على المشهد، مؤكّـدةً على أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من المتغيرات التي ستثبت مأزق العدوّ وتدفعه أكثر نحو الهزيمة.
أصداء التصعيد اليمني التاريخي والكبير ضد العدوّ الصهيوني خلال الأسبوعين الماضيين، لا زالت تتعالى داخل كيان العدوّ برغم محاولات قيادة كيان الاحتلال إبرازَ عناوينَ جديدة تغطي على ما حدث، من خلال التهديدات المُستمرّة لليمن والحديث الواسع عن تحَرّكات للتحشيد ضد صنعاء سواء من داخل اليمن أَو على المستوى الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، استمرت وسائل الإعلام العبرية والغربية ومراكز الأبحاث داخل كيان العدوّ بتسليط الضوء على المأزق الذي يعيشه الاحتلال في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية على المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية، حَيثُ وصفت وكالة الأنباء الفرنسية جبهة الإسناد اليمنية لغزة بأنها “شوكة عنيدة في خاصرة إسرائيل” وأنها أصبحت “الشاغل الأمني الأكثر إلحاحًا” للعدو، ونقلت عن المحلل البارز في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، يوئيل جوزانسكي، قوله: إنه “قدرة إسرائيل على إخضاع الحوثيين مشكوك فيها” حسب وصفه، مُضيفًا أن اليمن هو “الجبهة الوحيدة التي ما زالت تطلق النار على “إسرائيل” بشكل يومي، وهذا مشكلة ليس من السهل حلها”، وأنه “لا يوجد حَـلّ سحري لذلك”؛ لأَنَّ دول الخليج التي يعول العدوّ على إعادة تحريكها ضد اليمن “تخشى التصعيد”.
كما نقلت الوكالة عن مايكل هورويتز، رئيس الاستخبارات في مؤسّسة (لو بيك) للاستشارات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، قوله: إن “قتال الحوثيين أمر صعب بالنسبة لـ “إسرائيل” لعدد من الأسباب، أهمها المسافة التي لا تسمح بشن ضربات متكرّرة، ونقص المعلومات الاستخباراتية عن المجموعة” وهو أَيْـضًا ما أكّـده معهد “مسغاف” لأبحاث الأمن القومي “الإسرائيلي” الذي ذكر في تقرير جديد أن “إسرائيل تجد حتى الآن صعوبة في إلحاق الضرر بالحوثيين بطريقة من شأنها تعطيل أنشطتهم أَو دفعهم للعزوف عن مواصلة الحملة ضدها؛ فالافتقار إلى المعلومات الاستخبارية، وصعوبة تحديد مراكز الثقل، والمسافات الشاسعة، والصعوبات اللوجستية، والتكاليف الاقتصادية الباهظة لكل هجوم، كُـلّ هذه الأسباب تجعل هجمات الجيش الإسرائيلي نادرة، وأقل فعالية، وغير فعالة في الوقت الحاضر” معتبرًا أن “استثمارَ جُهدٍ استخباراتي” ضد اليمن “مهمة صعبة ومعقَّدة وتتطلبُ الكثيرَ من القدرات المتنوعة”.
هذه التعليقات تبدد الزوابع الإعلامية اليومية التي يحاول العدوّ ضخها للتغطية على ما مَثَّلَه تصعيد الأسبوعين الماضيين من زلزال كبير لكيان العدوّ الذي لم يكد يحاول استغلال وقف إطلاق النار مع حزب الله للاستفراد بغزة حتى عاد مجبرًا وبشكل صادم ومفاجئ إلى نفس المأزق الوجودي الذي لا يحتمل والذي كان يعيشه أثناء المواجهة مع المقاومة الإسلامية في لبنان، ولكن هذه المرة مع أُفُقٍ مسدود بالكامل، حتى على المستوى السياسي؛ لأَنَّ جبهة اليمن، وفقًا لوسائل الإعلام العبرية، برزت بشكل مفاجئ مع تأثير هائل ولم يكن العدوّ مستعدًّا للتعامل معها، حَيثُ كان يعول على حلفائه الأمريكيين والغربيين في التكفل بها سواء على مستوى المواجهة المباشرة أَو على مستوى التحشيد ضد اليمن، لكن فشلهم وضعه في موقف غير متوقع لم يعد قادرًا فيه حتى على إخفاء إحباطه من أُولئك الحلفاء، حَيثُ ذكر معهد “مسغاف” أن “هناك خيبة أمل في “إسرائيل”، وإن لم تكن معلنة، حيال أنشطة التحالف الأمريكي والنتائج الهزيلة التي حقّقها، حتى أن الأمريكيين وجدوا صعوبة في تجنيد حلفاء عرب في التحالف باستثناء البحرين” مُشيرًا إلى أن “تيم ليندركينج، المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، قال إنه تحدث عدة مرات مع القيادة المصرية حول الأمر دون نتائجَ، ووفقًا له، لم يقتصر الأمر على عدم قيام القاهرة والرياض، على سبيل المثال، بدعم التحالف عسكريًّا، بل لم يعبرا حتى عن دعمهما له إعلاميًّا”.
ولم تقتصر دلائل الإحباط والعجز على سياق التصعيد اليمني الأخير، حَيثُ عادت مشكلة الحصار البحري اليمني المفروض على العدوّ وتأثيراته إلى الواجهة أَيْـضًا، وأقر رئيس اتّحاد المصنعين في كيان العدوّ أن اليمن يقف وراء “تسوماني ارتفاع الأسعار” الذي شهده كيان الاحتلال مع بداية العام الجديد، وفقًا لما نقلت صحيفة “غلوبس” العبرية، وقال إنه “طوال العام الماضي، لم تتوقف المشاكل التي أعقبت الحرب، بما في ذلك مشاكل النقل البحري، حَيثُ أصبحت تكلفة نقل حاوية من الصين أكثر بأربع مرات تقريبًا منذ ديسمبر 2023، وأصبحت رحلة البضائع من الصين إلى “إسرائيل” أطولَ بثلاث مرات؛ ولهذا السبب، تضاعف المخزونُ الذي يجب شراؤه وشحنه بحرًا ثلاث مرات؛ مما يؤدي إلى زيادات أعلى في معدلات الاستيراد”، فيما أكّـد معهد “مسغاف” أن الحصارَ المفروضَ على مدخل الباب الأحمر يمثل “مشكلة رئيسية” لكيان العدوّ.
هذه الاعترافاتُ والشواهدُ التي تؤكّـدُ عجزَ العدوّ وانعدام خياراته على كُـلّ المستويات، تسد مسبقًا كُـلّ آفاق التحَرّكات التي يتوعد بها سواء فيما يتعلق بالتعاون مع إدارة ترامب للتصعيد ضد اليمن أَو التلويح بتحريك أدوات محلية وإقليمية أثبتت طيلة السنوات الماضية أنها أكثر عجزًا منه، فمن جهة، تثبت هذه التحَرّكات أن العدوّ غير قادر على مواجهة جبهة الإسناد اليمنية بمفرده، وهو ما يعني عجزًا لا يمكنُ تجاهُلُه، ومن جهة أُخرى فَــإنَّ الأطراف التي يحاولُ العدوُّ الاتِّكاءَ عليها قد أثبتت بالفعل عجزًا مماثلًا في مواجهة اليمن؛ فكل ما يتحدث عنه الإعلام العبري حول الصعوبات الاستخباراتية والعملانية قد عانت منه الولايات المتحدة على مدى عام كامل ولم تستطع إيجاد حَـلّ، أما الأدوات الإقليمية والمحلية فقد استنفدت فعليًّا كُـلّ ما يمكنها أن تفعله في عشر سنوات من المواجهة مع صنعاء ولم تحقّق شيئًا.
وفي ظل ذلك فَــإنَّ تقييمات المرحلة القادمة حتى داخل كيان العدوّ نفسه لم تتحسن بفعل تحَرّكات العدوّ وتهديداته، وظلت المعطيات الأَسَاسية للتقييم ثابتة لمصلحة جبهة الإسناد اليمنية، حَيثُ يرى معهد “مسغاف” الصهيوني أن مهمة “تجنيد حلفاء” ضد اليمن “ليست سهلة” معللًا ذلك بأن اليمنيين “أثبتوا حتى الآن قدرة عالية على المقاومة، وأثبتوا أنه ليس من السهل ردعهم، وعلى الرغم من أنهم لم يواجهوا أبدًا أعداء مساوين أَو أقل قوة منهم، إلا أنهم أظهروا أنهم قادرون على مواصلة القتال، كما أثبت اليمن ومواطنوه أنهم معتادون على حالات الشدة”.
وإذا كانت مراكز أبحاث العدوّ ووسائل إعلامه التي لا تملك في الأصل مساحة من الحرية لإبداء “رأي مستقل” في مسائل الأمن القومي، لم تجد بُدًّا من الاعتراف بأن الواقع لا يتوافق مع التهديدات والعنتريات والتهويلات التي يمارسها قادة كيان العدوّ، فَــإنَّ ذلك يعني أن العدوّ يدخل المرحلة القادمة من المواجهة مع جبهة الإسناد اليمنية بدون أمل حقيقي، وهو ما يعني أن متغيرات هذه المرحلة ستتشكل بمعادلات يمنية مبنية على المكاسب الثابتة والملموسة التي تحقّقت خلال المراحل السابقة، خُصُوصًا وأن اليمن قد أثبت تميُّزًا فريدًا في استيعاب كُـلّ تصعيد معادٍ والخروج منه بشكل أقوى وبتأثير أكبر على حاضر ومستقبل الصراع.
وفي ظل تأكيدات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي على السعي المُستمرّ لما هو أكبر على مستوى القدرات والمشاركة الفعالة في المعركة، فَــإنَّ عنصر المفاجأة وصناعة التحولات يبقى بيد جبهة الإسناد اليمنية التي برهنت خلال المراحل الماضية أن سعيها لرفع مستوى تأثيرها يتكلل دائمًا بنجاحات كبيرة، فهي الجبهة التي استطاعت في ظرف أقلَّ من عام أن تصنع مسارَ تصعيد مستقلًّا ضد العدوّ، هو استهداف “يافا” المحتلّة بشكل مباشر من على مسافة 2000 كيلو متر، برغم شحة الإمْكَانات وتحديات المسافة التي -للمفارقة- لم يستطع العدوّ نفسه أن يتجاوز تأثيرها برغم إمْكَاناته.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com