وحدَها اليمنُ من تجلِــدُهم!
سند الصيادي
لا خيارات متاحةً للحياة في عزة، بكل مستويات هذه الحياة واحتمالاتها، لا حياةَ كريمةً أَو حتى متدنيةً في سقفِها يمكنُ انتزاعُها من الكيان مهما كان حجم التنازلات، سوى الرحيل أَو الاستعداد للموت بكل أشكاله.
هذا الأفق المسدود الذي فُرِضَ على الأبرياء هناك لم يحدث في تاريخ الإنسانية على اختلاف حقب وحدة تلك الصراعات.
إنه آخرُ خطوط الامتحان الإلهي للبشرية، وذروة الظلم وَأعلى سقف من الخطايا الكبرى التي ارتكبها “الشيطانُ” بحق الإنسان.
وَالصمتُ عَمَّا يحدُثُ خطيئةٌ كبرى يُمَحِّصُ بها اللهُ النَّاسُ ويُمَيِّزُهم عن بعضهم، ويفرزُهم إلى طريقَينِ لا ثالِثَ لهما:- إمَّا بشر أسوياء يستحقون أن ينالوا الرحمة والمغفرة، أَو بشر مسوخ طبع اللهُ على قلوبهم يتجهَّزون لبئس المآلات وشديد العقاب.
وفي عُمْقِ المشهد الذي تسطّره لنا غزة بقوالبَ عدة تجاوزت قدرتنا على التخيل، تبرز اليمن الرسمية والشعبيّة كأيقونة الإيمَـان والإنسانية والنخوة الباقية على سطح المعمورة.
لم يستطعِ اليمنيُّ المُجْهَدُ بظروفه الصعبة المنهَكُ عُودُه بالأحمال، أن يغضَّ طرفَه أَو يتعوَّدَ على المشهد ويمارِسَ حياتَه مكتفيًا بما في حياته من معاناة، ليعودَ آخر اليوم إلى منزله وينام بملءِ جفونه وكأن شيئًا لم يكن.!
على مدى الساعة وَالعمل مُستمرّ، وَتأتي جمعة رجب لتعزز في ذهنية هذا الشعب دوره الإلهي، تُراكِمُ لديه إرثَ الشرف التاريخي بما راكمه من شرف حاضر ومتجدد.
لم تعد قصة رجب مُجَـرّد رواية تُحْكَى من سالف العصر والزمان، بل إن ما نفعلُه كُـلَّ يوم منذ أعوام عدة أعظمُ بمدلولاته وبحيثياته وبأثمانه من كُـلّ تاريخ تحتفظُ به الذاكرة.
قائدٌ قرّر مستعينًا بالله، وشعبٌ لم يخذل قرارَه بل مَدَّه بالعزم والثقة، وجيشٌ كان عند خطوط التنفيذ حاضرًا يستلهم من حاضنته المَدَدَ ومن قائده المسار، وكل جزء من هذه المعادلة والمنظومة يكامل أجزاءها الأُخرى، ويخلق كُـلّ هذا البأس وهذا المخاض الحادث في العالم الآن.
حتى لو لم يكُن كُـلُّ ما يحدُثُ اختبارا إلهيًّا، وحاشاه أَلَّا يصدُقَ وَعْدَه، إلَّا أن ما يقومُ به اليمانيون هي الفِطرةُ التي جَبَلَ اللهُ عليها تكوينَ البشرية جمعاءَ قبل أن يتلبَّسَها الشَّرُّ فيكسبَها كُـلَّ هذا الكم من الأحقاد وَالتفاهات.
ومجدَّدًا وحدَها اليمن من تجلِدُ هذا الجُمُودَ المُخيفَ في الضمائر، ومَن يقعُ على كاهلها أن تنتصرَ للفضائل في كُـلّ هذه الأكوام من الرذائل!.