أهميّةُ إحياء اليمنيين لجمعة رجب
المسيرة: عباس القاعدي
لا يغيبُ استعراضُ علاقة اليمن بالإيمان، وعلاقة شعبها بنصرة النبي محمد “صلى الله وعليه وآله وسلم” وبالارتباط الوثيق بأهل بيته، وبالمكانة العظيمة التي يكنها اليمنيون للإسلام؛ فمنذ الجمعة الأولى لشهر رجب في السنة التاسعة للهجرة، اعتاد اليمنيون على إحياء “جمعة رجب”؛ كونها الحدثَ الأبرزَ لتجديد ولائهم وارتباطهم بالإسلام وتعزيز القيم والمبادئ واستحضار الفضائل التي ساروا عليها منذ القدم، فالشعب اليمني هو يمن الإيمان والحكمة، يمن الأنصار يمن الأوس والخزرج الذين آووا ونصروا وحملوا راية الإسلام عالية، وكانوا سباقين إلى الإيمان والنصرة، الذين تبوؤوا الدار والإيمان، يمن الفاتحين الذين حملوا رسالة الإسلام ولواء الفتوح في صدر الإسلام، وقوّضوا الإمبراطوريات الظالمة.
ويتفرد أهل اليمن في الاحتفال بهذه المناسبة الدينية الجليلة؛ باعتبَارها جزءًا من مورثهم الثقافي وهُــوِيَّتهم الإيمانية التي تؤكّـد ارتباطهم بالرسالة المحمدية منذ دخولهم الإسلام، فضلًا عن الأجواء الروحانية التي تحيط بهذه الذكرى في المساجد بإلقاء المحاضرات والحلقات، خَاصَّة في ظل محاولات الأعداء لطمس الهُــوِيَّة الإيمانية اليمنية.
للجمعة الأولى من شهر رجب أهميّة وذكرى مميزة وعزيزة، من أعز وأقدس الذكريات لشعبنا اليمني المسلم العزيز، الذي أقبل على الإسلام منذ فجره الأول على نحوٍ متميز، وعلى نحو عظيم، حَيثُ التحق عدد كبير من أبناء اليمن بالإسلام، طوعًا ورغبةً وقناعةً، وكان دخولًا صادقًا وعظيمًا ومتميزًا.
اليمن وسر سعادة النبي بإسلام أهله:
وفي هذا الصدد يقول الباحث في الشؤون الدينية والسياسية الدكتور يوسف الحاضري: “ثبات واستمرار أية منهجية في الأرض تعتمد بشكل أَسَاسي على رجال صدقوا الله ما عاهدوه عليه؛ فالمنهجية تبقى ما بقي الرجال، وتختفي بانعدامهم فيحل غضب الله على من تبقى كما هي سنة الله في الأقوام السابقين، ومنها جاءت سُنة (الاستبدال)، حَيثُ أستبدل الله قوم مكة الرافضين لنعمة النبي محمد بقوم اليمن القاطنين في المدينة (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين) ففيهم النفسية النظيفة ذات الفطرة النظيفة والتوجّـه الحسن وهي تشمل كُـلّ مكارم الأخلاق وكل مقومات الشجاعة والقوة والبأس، فكانت هذه النفوس هي المستهدفة بدرجة رئيسية من النبي محمد ليس فقط في مكان تبوؤهم للأرض في يثرب من قبيلتَي الأوس والخزرج وإنما في منبعهم الأصلي في اليمن؛ لذا كان قلبه وعقله وبصره دائمًا يتجه نحو اليمن، حتى جاءت الفرصة لذلك فجهّز العدة تجهيزًا دقيقًا وحكيمًا، لذلك فلم يجد أفضل وأرفع شأنًا وأعلم بالناس وبنفسياتهم من الإمام علي عليه السلام، ليرسلَه إلى اليمن ليضمن إيمانهم؛ لأَنَّه يدرك تمامَ الإدراك أن إسلام أهل اليمن ضمانٌ للرجال الذين سيبقون مناصرين للمنهجية حتى آخر العمر”.
ويضيف: إحياءُ اليمنيين جمعة رجب مناسبة لها دلالات وأهميّة عظيمة لدى الشعب اليمني، حَيثُ أسلم أهل اليمن في أول جمعة من شهر رجب للسنة التاسعة هجرية ودخلوا في الإسلامَ أفواجًا دون أن يستنفدوا من وقت النبي يومًا واحدًا ودون أن يخسّروه رجلًا واحدًا في معركة ودون أن يحاربهم النبي حربًا واحدة ودون أن يخسر النبي في إسلامهم درهمًا واحدًا ودون أن يغضبوا النبي ويحزنوه ويضايقوه لحظة واحدة، فلم يسجد النبي لإسلام أحد على الإطلاق إلا عندما أبلغه الإمامُ علي أن اليمنيين أسلموا فسجد ثلاث مرات وقال مستبشرًا مبتسمًا: (سلام الله على همدان) ثلاثًا، وكان سر سعادة النبي تتمحور في عدة أمور أهمها:
١- أنهم الرجال الذين أسلموا برغبة وحب وبدون شروط وهؤلاء هم من سيحملون الرسالة جيلًا بعد جيل.
٢- أنهم يمتلكون عقولًا راجحة وواعية وفاهمة وكل مكونات الحكمة وهذه العقول هي من ستعي وتفهم القرآن فهما عمليًّا ويحركهم القرآن ويتحَرّكون وفقًا له.
٣- أنهم من سيستمرون في نهج الأنبياء وصراطهم، مواصلين ذلك الطريق الذي بدأه نوح ثم إبراهيم ثم ذريته فهم الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمَـانَهم بظلم فأوكل الله المهمة بأبناء اليمن لتلك العوامل التي يمتلكونها وتؤهلهم لهذه المهمة العظيمة.
٤- أهل اليمن أصحاب نفوس كريمة معطاءة تسعى للعطاء وتعطي الآخرين، ولا تفكر بالأخذ أبدًا وكما قال عنهم النبي محمد والإمام علي: (إنكم لَتكثُرون عند الجَزَع وتقلُّون عند الطمع) أي عند المعارك تكونون كُثُرًا وعند توزيع الغنائم لا نجدكم، لذا وصفهم الله في القرآن بقوله {وَالَّذِينَ تبوؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئك هُمُ الْـمُفْلِحُونَ}، ولكم أن تقفوا كَثيرًا عند تفاصيل كُـلّ كلمة من هذه الآية لتصفوا قمة الكرم والعطاء الذي لا مثيل له إطلاقًا وتعمقوا في الكلمات التي استخدمها الله في الآية (يحبون – يؤثرون – بهم خصاصة – يوق شُح) لتعرفوا كيف تصفون الكرم والعطاء.
٥- أهل اليمن هم منبع الرجولة والجهاد والقوة والعزة والبأس، والتي لا تظهر إلا في نجدة المظلوم ونصرة المستضعف والذود عن الحمى والدفاع عن الأعراض وصونها، ولا يستخدم اليمني قوته وبأسه في قهر الناس وظلمهم ونهب خيراتهم وتدمير أراضيهم وسلب الآخرين حقوقهم؛ فهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ولا يخافون أحدًا إلا الله مهما بلغت قوة الآخرين وبلغ ضعفهم (ولكم في أحداث غزة ومقارعة أمريكا و”إسرائيل” شواهد حاضرة) وهذه صفات من يحبهم الله ويحبونه وما دونها فهي صفات لا يقبلها الله ولا يريدها فقال عنهم الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) وهي أَيْـضًا تندرج ضمن سُنَّة الله في الاستبدال (فسوف يأتي الله بقوم) وهذه صفات أهل اليمن جيلًا بعد جيل.
يوم عظيم في شهر عظيم:
لهذا ووفق الحاضري فَــإنَّ أبناء اليمن هم من مثّلوا النموذجَ العظيم في تبعيتهم للقرآن بكل تفاصيله وشموليته وعمومتيه، وهم من تجسدَ فيهم وصف الله للرجال (رجال صدقوا) في القرآن الكريم، وهم من جسّدوا معنى الولاية لله وللرسول وللإمام علي ولأعلام الهدى من بعده فجاءت جمعة رجب لتتوج كُـلّ ذلك بيوم عظيم في شهر عظيم على يد رجل عظيم لدين عظيم، ومنذ تلك اللحظة وحتى اليوم، أبناء اليمن يمثلون النموذجَ الأعظم للإسلام -منهجيةً وموالاة وحَمَلَةً وتحَرّكًا- ولن يصل إليهم أحد ما لم يوالِ أبناء اليمن وينتهج منهجيتهم تنفيذًا لقول النبي محمد صلى الله عليه وآله (الإيمَـان يمان) فمن أراد الإيمَـان فعليه بإيمان أهل اليمن وبطريقتهم وبمنهجيتهم وهي التي هيجت الشر كاملًا في الأرض ليتحَرّك مقاتِلًا لهم ثم لم تمر سنون قليلة حتى هاج ضد الشر كُـلّ في هذه الأرض دفاعًا عن المستضعفين في غزة، فهل بعد كُـلّ ذلك سنجد من يتساءل عن السبب لاحتفال الشعب اليمني بجمعة رجب؟
السند والمدد للإسلام:
وبهذا فَــإنَّ إحياء عيد جمعة رجب يجسّد السيرَ على خطى الرسول الأعظم ونهجه الكريم، ويعزّز الهُــوِيَّة الإيمانية والثقافة القرآنية، والسير وفق تعاليم الدين القويم، ومساندة المظلوم، والتصدّي للمؤامرات التي تحاك ضد الأُمَّــة، والمضي على مواقف الأجداد الذين ناصروا الدين منذ فجر الرسالة.
فدخول أهل اليمن الإسلام مكسبٌ لكل مسلم في أرجاء المعمورة، وهو ما يتجّسد على الواقع بالمواقف المشرفة التي اتخذها أهل اليمن؛ دفاعًا عن الشعب الفلسطيني إزاء ما يتعرض له من حرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيونية في ظل صمت وتخاذل عربي وإسلامي معيب، وهذا يؤكّـد أن الشعب اليمني كان وما زال السند والمدد والناصر للإسلام، والعلاقة بين اليمنيين والإسلام ليست وليدة اللحظة بل هي علاقة أزلية ومتجذرة في عُمق التاريخ.