الوَحدة قوة وجهاد وأُخوّة واتّحاد

ق. حسين بن محمد المهدي

مما لا ريب فيه أن من وصل أخاه اشتد ساعده، وازدادت قوته، وتضاعفت قدرته، وقويت شوكته وظهر فضله، وصلح أمره، وحفظ أهله وأقاربه.

فالأخوة عزة واتّحاد، وقوة وعتاد تدعم في الجهاد، وتعين على الاجتهاد، ولكل من أخيه ما يتوخاه، فيه من علو الهمة، وبعد الفطنة، وقوة الإخاء، وجميل الوفاء، وقديماً قيل:

أخاك أخاك أن من لا أخا له

كساع إلى الهيجاء بغير سلاح

ولهذا جاء في القرآن العظيم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

ومن ذا الذي يطيق رؤية أخيه وقد أُصيب بالذلة والهوان ثم لا يسعفه ويعينه ويشد أزره، وقد كان لنبي الله موسى -عليه السلام- مثلاً أعلى في شد أزر أخيه هارون ورفع مكانته، وعدم التحسس من فصاحته وبلاغته كما أخبر بذلك القرآن عن موسى -عليه السلام- وهو يناجي الرحمن (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسانًا فَأرسلهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) فما زال يناجي ربه ويعظم أمره حتى جعل الله هارون وزيراً له ونبيًّا يوحى إليه مثله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وقد جاء على لسان النبي الكريم في تعظيم أمر المؤمنين وتآخيهم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذَا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر” وقوله عليه وعلى آله الصلاة والتسليم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا”.

لقد كان النبي الكريم سباقاً إلى الدعوة إلى توحيد الله، وإلى توحيد صفوف المؤمنين والمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، وكان لأبناء اليمن من الأنصار قصب السبق في ذلك، وقد وصفهم الله بقوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى‏ أنفسهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وإذا نظرنا إلى الصهيونية اليهودية، ومن ينحو نحوها نجد أن سلاحهم الأول، ومعولهم الأكثر هدماً في بلاد المسلمين السعي لزرع الفتن والعداوة بين المؤمنين، واتِّخاذهم ذلك طريقاً لتمزيق وحدتهم، ومن ثم الاستيلاء على أرضهم واحتلالهم وإذلالهم وسفك دمائهم ونهب ثرواتهم، مع أن الدين الإسلامي دين وحدة وأخوة، دين الاجتماع، دين الوحدة النفسية، والفكرية، والاقتصادية، والعسكرية، دين ينبه جميع المؤمنين ويرشدهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ).

إن الوحدة والاجتماع في دين الله هو اجتماع على الفضيلة، والمُثُلِ العليا، وحماية مصالح العباد، ووجوب قتال من يقاتلهم، ويدنسهم ويحتل أرضهم: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى‏ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).

إن أبناء يمن الإيمان والحكمة هم من أولى الناس وأقدرهم على تفويت أغراض الصهيونية اليهودية في التفريق بين أبناء الإسلام وذلك ببناء الوحدة والثقة، والانضواء تحت راية القرآن؛ لأَنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- شهد لهم بالإيمان والحكمة، حَيثُ يقول: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، وهذه جملة أسمية تقتضي الاستمرار والدوام كما حقّق ذلك علماء البيان.

وقد استطاع أسلافهم بعد دخولهم الإسلام أن ينهضوا بالوحدة الإسلامية بسرعة لم يعهد لها مثيل في تاريخ نهضة الأمم، وأن ينتقلوا بالأمة الإسلامية الواحدة إلى ذرى العليا فأصبحوا رواد الفكر، وحملوا لواء القرآن، واستقلوا بولائهم لله، وعرفوا بولائهم لرسول الله، وأهل بيته، وكان اتّحادهم وأخوتهم التي أسسها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هو السبيل لنهضة الأُمَّــة الإسلامية بدءاً بفتح مكة والأقطار العربية إلى أن وصلوا إلى أُورُوبا والصين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وهَـا هو التاريخ يعيد نفسه، فقد أظهر الله دين الإسلام بالمهاجرين والأنصار في أحلك الأوقات، وأشدها حيرة.

وهَـا هي المسيرة القرآنية وقائدها المحوط بالعناية الربانية تظهر كقوة تضرب الصهيونية اليهودية، وتذيقها سوء العذاب في أحلك الأوقات، الذي تمادت فيه الصهيونية اليهودية في بغيها وسفكها للدماء في فلسطين وتثاقل الكثير عن جهادها.

فوازنوا أيها الأحباب من أهل الإيمان بين ماضيكم وحاضركم، واتخذوا من هذه الموازنة أنفع الدروس وأبلغ العظات والعبر، واعملوا عمل الأقوياء بإيمَـانهم وبعلومهم وعزائمهم واتّحادهم، وصواريخهم وقوتهم فذلك هو سبيل النهوض بيمن الإيمان والحكمة إلى العليا وإلى تحرير فلسطين واستعادة الأقصى، ورفع راية الإسلام عالية خفاقة بين مشارق الأرض ومغاربها، فذلك عزكم، ومجدكم، تذكروا قول العزيز الحكيم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جميعًا وَلا تَفَرَّقُوا) وقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأنفسهِمْ).

ولا تلتفتوا إلى من يريد منكم أن تختلفوا فهذه الأُمَّــة كما أخبر الله عنها أُمَّـة واحدة: (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّـة واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

فاعتداء الصهيونية اليهودية على فلسطين اعتداء على المسلمين جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها..

فكل شبر في أي أرض إسلامية لكل مسلم فيه حق يوجب على المسلم أن يدافع عنه (فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ) (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com