غزة تنتصر.. حديثُ العدوّ عن أهدافه يناقضُ مشهد قوة التنظيم والإدارة للمقاومة في غزة
المسيرة | خاص
جاءت معركةُ “طوفان الأقصى” في الـ 7 من أُكتوبر 2023م، ما بين الطليعة المجاهدة في هذه الأُمَّــة، التي تصدت لقضية القدس الشريف والأقصى المبارك، وبين رأس حربة المشروع الاستعماري الأمريكي الغربي الصهيوني في المنطقة؛ المتمثل بـ”إسرائيل”.
وعادةً ما كان ينظر جمهور الأُمَّــة لهذه الطليعة المجاهدة بكثيرٍ من الإشفاق تارةً، والتهويل واللوم تارةً أُخرى، لضعف عتادها وعديدها، أمام عدوٍّ يُوصف بأنه من أقوى جيوش العالم، والجيش الذي لا يُهزم، ويمتلك أكثر الأسلحة الأمريكية الغربية تطورًا على وجه الأرض، حتى ذهب كثيرٌ من المحلِّلين العسكريين إلى وَصْفِ المعركة بأنها معركة انتحار.. لكن هل هذا هو التوصيفُ الدقيق للواقع فعلًا؟
بعد اليوم الـ 471 من هذه المعركة المباركة، جاءت الصفقة أَو اتّفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة؛ نتيجةً لعدة عوامِلَ، أهمُّها فشل كُـلّ العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي مارست شتى صنوف الجرائم والانتهاكات الإنسانية، بحَقِّ أبناءِ القطاع، كورقةٍ للضغط على المقاومة وإرغامِها على الاستسلام، وإطلاق سَراح الأسرى الصهاينة من خلالِ المقايضة بين الأرض والأسرى، وإجبارها على التوقيعِ على اتّفاق يستجيبُ كليًّا للشروط الإسرائيلية، ويحقّقُ كُـلَّ أهدافها.
غير أن هذه العمليات لم تحقّق أيًّا من أهدافها؛ بل ارتدت على حكومة المجرم “نتنياهو”، فتحوَّلت إلى عاملٍ دَفَعَ بالصهاينة لوقف الحرب؛ بسَببِ الخسائرِ الكبيرة في عتاد وعتيد جيشها، وخسائر اقتصادية لا يمكنُ إحصاؤها، وزاد من فشلها اختلاط الأهداف المعلَنة للعملية العسكرية الأخيرة “خطة الجنرالات”، والتي تمثلت في الضغط على حماس لإطلاق سراح الأسرى، بالهدف الأيديولوجي لليمين الصهيوني المتطرف، الذي يعتبرها عملية لبناء المستوطنات وليس لتحرير الأسرى الإسرائيليين.
في الأسابيع الأخيرة من الطوفان، كان المجتمع الصهيوني يؤيد التوقيع على صفقة أَو اتّفاق لا يكون ثمنه وقف الحرب، لكن ومع مزيدٍ من الضغط الميداني للمقاومة في غزة وجبهات الإسناد المتعددة، بدأ التحول وأصبح هذا المجتمع يؤيد إطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، حتى لو كان الثمن وقف الحرب، فلم يعد استمرار الحرب محل إجماع داخل المجتمع الإسرائيلي المضطرب أَسَاسًا، والباحث عن الأمن الذي فقده خلال المعركة.
أبو عبيدة: طوفان الأقصى صنع التاريخ وقهر المحتلّين وأسقط أوهامهم
في اليوم الأول لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ألقى الناطق باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” كلمة قال فيها: “471 يومًا منذ بدء معركة طوفان الأقصى التاريخية التي أشعلت شرارة تحرير فلسطين، ودقّت المسمار الأخير في نعش هذا الاحتلال الزائل لا محالة بقوة الله”.
وَأَضَـافَ، “أقامت مقاومتنا في غزّة وشعبها الأبي العظيم الحجّـة على كُـلّ العالم وقدّمت نموذجًا فريدًا مذهلًا في قدرة أصحاب الأرض والحق على الفعل الكبير المؤثر والصمود العظيم وصناعة التاريخ وقهر المحتلّين وإسقاط أوهامهم، فقدم شعبنا؛ مِن أجلِ حريته ومقدساته وأرضه قافلة عظيمة من الشهداء.. على مدار أكثر من 15 شهرًا.. هذه التضحيات والدماء العظيمة لها ما بعدها ولن تذهب سدى، ومحال أن تضيع هدرًا”.
وقال مخاطبًا حاضنة المقاومة: إن “هذه الملحمة ستسجل محطة فارقة وعلامة مضيئة في تاريخ شعبنا وقضيتنا، وكنموذج ملهم لكل أحرار العالم، فقد أذهل صمودكم وثباتكم العالم بأصدقائه وأعدائه، وأعدتم إلى البشرية سير الأنبياء والصحابة والصالحين”، مُضيفًا، “لقد فتحتم في كُـلّ بيت لأمتنا وللعالم كتابًا مشاهدًا في العظمة والفداء، في البطولات الأُسطورية، يغني هذا الكتاب عن ملايين الكتب، وتصغر أمامه كُـلّ النياشين والمفاخر والأمجاد”.
وشدّد “أبو عبيدة” على أنه “حق لكل حجر في المسجد الأقصى أن يحمل اسم شهيد أَو شهيدة من غزة، وهذه الدماء وهذه التضحيات، يا أبناءَ شعبنا ومجاهدينا، هي أغلى وأقدس عند الله مما يظنه العباد، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”.
وأوضح أبو عبيدة “أننا أصبنا أسس ما يسمى بأمن العدوّ القومي، وتم فرض التهجير والنزوح على مناطق واسعة، وفتح جبهات قتال متعددة، في مؤشرات على زواله الحتمي، فالحصار بحرًا، واضطرار العدوّ للتستر والاختباء والاستنجاد بقوى دولية للدفاع عنه، كلها دلائل على ضعفه وانكساره، وهذه الحرب ستظل عنوانًا للعزة والكرامة، وستكون منارة لكل الأحرار، وكلّ هذا مُرورًا بفضح الاحتلال وإظهاره ككيان وحشي مجرم، وتشويه وجهه، وفضح من يقف وراءه من طغاة العالم ومنظماته الشكلية، وُصُـولًا إلى نبذه وملاحقة قادته وجنوده كمجرمي حرب مطلوبين للعدالة”.
وتابع أبو عبيدة: “السواد الأعظم من شعوب العالم بات على قناعة بأن هذا الاحتلال هو أكبر خطيئة في هذا الزمان، وأن استمرار اغتصابه لأرضنا سيؤثر على المنطقة والعالم، وأن صمت وتواطؤ قوى الظلم فيما يسمى بالمجتمع الدولي على جرائمه في غزة ستكون له عواقب وخيمة على الجميع، وليس فقط على غزة”.
وشدّد المتحدّث على أنه أمام هذه المعادلات المختلة تتضح عظمة هذه المعركة وكيف أنها ستصبح ملحمة تاريخية ملهمة للأجيال والأحرار، وستشكل مدرسة عسكرية جديدة ونموذجًا مبتدعًا في فنون القتال البطولي والجهاد المقدس؛ مِن أجلِ الحرية وطرد المحتلّين.
وزير خارجية العدو: تحرير الأسرى كلّفنا ثمنًا باهظًا
في السياق، قال وزير خارجية العدوّ الصهيوني “جدعون ساعر”: إن “تحرير الأسرى كلّف ثمنًا باهظًا”، مشدّدًا على أن “إسرائيل ستبذل كُـلّ ما في وسعها لتحرير المحتجزين جميعًا”.
وَأَضَـافَ “ساعر” في تصريحات عقب بدء تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار بالقول: إن “لا مستقبل للاستقرار والأمن للجانبين ما دامت حماس في السلطة بغزة”، مؤكّـدًا أن “إسرائيل لم تحقّق أهداف الحرب” بالرغم ممّا وصفها بالضربات القوية التي وجّهتها لحماس.
بدوره؛ قال اللواء في الاحتياط “الإسرائيلي” الصهيوني “غيورا آيلاند”، هو أحد المشاركين في “خطة الجنرالات”: إن “الحرب انتهت ولن تُستأنف”، مؤكّـدًا أن “هذه الحرب هي فشل “إسرائيلي” في غزة يتردّد صداه”، مُضيفًا أن “هذه الحرب فاشلة لسبب بسيط للغاية، وهو أن حماس، لم تنجح فقط في منع “إسرائيل” من تحقيق أهدافها، بل حقّقت أهدافها التي هي البقاء في السلطة”.
ورأى “آيلاند” أن “الاتّفاق لا يمنع حماس من تعزيز قدراتها، فهي تستطيع على تعظيم قدراتها، وَإذَا فعلت ذلك وتحَرّكت “إسرائيل” ضدها، فَــإنَّ تل أبيب تكون قد انتهكت الاتّفاقات”، وتابع، “عندما نسأل أنفسنا لماذا حدث هذا، فعندئذ نرى ثلاثة أخطاء لا تغتفر ارتكبتها “إسرائيل” قبل 15 شهرًا”.
نقطة تحول مهمة ورسالة تحدٍّ للكيان:
ومع بدء تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، عند الساعة (08:30) صباحًا بتوقيت القدس الشريف، انتشرت عناصر الشرطة الفلسطينية في شوارع القطاع، ما أثار تفاعلاتٍ واسعة، خَاصَّة في الأوساط الصهيونية، حول دلالات هذا التحَرّك.
ورأى مراقبون أن هذا الانتشار يمثل نقطة تحول مهمة بعد استهداف جيش الاحتلال المنهجي لقوى الأمن الفلسطينية خلال الحرب، والتي شملت اغتيال 723 من عناصر الشرطة، بينهم مدير عام الشرطة في غزة.
وأشاروا إلى أن الظهور العلني لقوات الأمن بزيها الرسمي يعكس تعافيَ المؤسّسات الأمنية، ما يعد رسالة تحدٍّ لـ “إسرائيل”، التي كانت أهدافها المعلنة تشمل القضاء على حكم حركة حماس في القطاع، كما أن عودة الشرطة إلى الشوارع تُبرز فشل حكومة الكيان في تحقيق أهدافها، ومنها القضاء على سيطرة حماس، كما تُعبّر عن استعادة تدريجية لعمل المؤسّسات الحكومية.
وأكّـد المراقبون أن حديث “إسرائيل” عن أهدافها يتناقض مع المشهد الحالي، الذي يُظهر قوة التنظيم والإدارة في غزة، رغم الحرب، حَيثُ يعكس انتشار الشرطة الفلسطينية تماسكًا داخليًّا وتأكيدًا على أن المؤسّسات الأمنية والحكومية قادرة على استعادة زمام الأمور.
وشهدت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، جدلًا واسعًا حول هذه المشاهد، إذ تساءل بعضهم: “هل نجحت إسرائيل في إخضاع حماس؟”؛ كون هذا الانتشار الأمني يمثل إحباطًا للمخطّطات الإسرائيلية الرامية إلى إضعاف حركة حماس؛ لأَنَّ الإسرائيليين ينظرون إلى الشرطة الفلسطينية في غزة على أنها جزء من حماس.
ولفتت مواقع عبرية، إلى أن بعض المستوطنين الصهاينة أبدوا قلقهم من عودة النازحين الفلسطينيين إلى ديارهم في المناطق الشمالية، معتبرين أن ذلك يعني إقرار “إسرائيل” بعدم العودة إلى العمليات العسكرية الموسعة في القطاع.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: إن “رجال شرطة حماس ينفذون إعادة انتشار في جميع أنحاء القطاع، وإن حماس التي لم تفقد في أية لحظة من الحرب سيطرتها أَو قبضتها على أي جزء من القطاع، تستغل هذه الساعات لتعزيز وإحكام قبضتها وحكمها”.
المعلّق الصهيوني “تسفي يحزقلي” عن مشاهد غزة: “أصعب ما رأيت”
في السياق؛ انتقد معلّق الشؤون العربية الصهيوني “تسفي يحزقيلي” نتائج المعركة في قطاع غزة ومظاهر فرح الفلسطينيين والاحتفالات بدخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.
وقال في مقابلةٍ له صارخًا: “لم تسلّم حماس القوائم لتظهر لكم ما الذي تعتقده عن الاتّفاق ولكنها ستنقلها، وهي الآن تقيم احتفالات بهيجة في غزة منذ الآن، أصعب شيء بالنسبة لي هذا الصباح هو رؤية هذه المشاهد، رجعت قوات النخبة إلى العربات، وهي نفس العربات التي ذبحتنا، نفس الناس الذين ذبحونا”، حَــدّ تعبيره.
وَأَضَـافَ “يحزقلي”، “هذا في الواقع يخبرني بشيء واحد، 15 شهرًا من القتال فشلت في تغيير معادلات الحرب في غزة، أنا أسأل نفسي في واقع الأمر، ماذا فعلنا هنا لمدة عام وخمسة أشهر؟ لقد دمّـرنا العديد من المنازل، وضحّينا بأفضل أبنائنا، وفي النهاية، نفس الصيغ، حماس سعيدة، والمساعدات تدخل، وقوات النخبة يعودون”.
وختم الصهيوني “يحزقلي” بالقول: “لقد كان لزامًا عليّ التحدث معكم عندما رأيتُ هذه الصور التي تظهر عودة النخبة وسكان قطاع غزة إلى ديارهم سعداء، وهو أمر يتعارض تمامًا مع أهداف حربنا والهدف الذي نريد أن نصل إليه في قطاع غزة”، حَــدّ تعبيره.
في مشهدٍ مهيب حماس تسلم 3 أسيرات إسرائيليات للصليب الأحمر:
في الأثناء، أفرجت حركة المقاومة الإسلامية حماس، عن 3 أسيرات إسرائيليات، إذ سلّمت كتائب القسام الجناح العسكري للحركة الأسيرات إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في منطقة “السرايا في مدينة غزة” ضمن صفقة التبادل.
وكان الناطق باسم القسام “أبو عبيدة” نشر رسالةً على صفحته الشخصية على منصة “تليجرام”، بما نصها: “في إطار صفقة طوفان الأقصى لتبادل الأسرى، قرّرت كتائب القسام الإفراج، الأحد، الموافق 19-1-2025م، عن الأسرى الصهاينة التالية أسماؤهم: (رومي جونين (24 عامًا)، إميلي دماري (28 عامًا)، دورون شطنبر خير (31 عامًا)”.
وفي مشهدٍ استثنائي مهيب، وانتشار منتظم لكتائب القسام وبحضورٍ جماهيري حاشد، تمت عملية تسليم المقاومة لـ3 أسيرات “إسرائيليات” لتنفيذ الدفعة الأولى من المرحلة الأولى لصفقة تبادل الأسرى، ولفتت وسائل إعلام عبرية، إلى “وصول الأسيرات الثلاث إلى الجيش”.
بدوره؛ أكّـد المتحدث باسم جيش الاحتلال، أنهُ “تم الآن نقل “المختطفات” الثلاث إلى الجيش الإسرائيلي وقوات الشاباك”، وقال: “يرافق “المختطفات” الثلاث الآن وحدة نخبة من الجيش الإسرائيلي وقوة الشاباك في طريق عودتهم إلى “إسرائيل”، حَيثُ سيخضعون لتقييم طبي أولي”.
في المقابل، أفادت مصلحة السجون الإسرائيلية، الأحد، باستعدادها للإفراج عن الدفعة الأولى من الأسرى الفلسطينيين ضمن اتّفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس.
وقالت المصلحة في بيانٍ لها: “تلقّت مصلحة السجون قائمة بأسماء السجناء الأمنيين المقرّر إطلاق سراحهم من مختلف السجون ضمن عملية إعادة الأسرى الإسرائيليين إلى منازلهم”.
بدورها؛ ذكرت مصادر إعلامية مختلفة أنّ “أسماء الدفعة الأولى من الأسرى المحرّرين في المرحلة الأولى لعملية التبادل تتضمّن أسماء 90 من الأسيرات والأطفال”، وأنه سيتمّ الإفراج عن 77 أسيرًا دون 18 عامًا عبر معبر “بيتونيا لرام الله” خلال ساعات.
وأكّـدت أن “78 أسيرًا سيتمّ نقلهم إلى الضفة الغربية، و12 إلى القدس المحتلّة”، وستتم مرافقة الأسرى المخصصين للضفة الغربية من قبل الصليب الأحمر إلى “نقاط إطلاق سراح” محدّدة في المنطقة، في حين ستتم مرافقة الأسرى المتجهين إلى “القدس الشرقية” من قبل مصلحة السجون إلى مركز الاعتقال “المسكوبية” في المدينة، حَيثُ ستفرج عنهم الشرطة.