نفوذُ اليهود في السياسة الأمريكية: من البداية إلى ترامب
محمد عبدالمؤمن الشامي
لطالما لعبت الجاليةُ اليهوديةُ دورًا محوريًّا في تشكيل السياسة الأمريكية، ويظهر هذا النفوذ بشكل بارز في تأثيرهم على الرؤساء الأمريكيين. منذ بداية القرن العشرين، بدأ اليهود في الولايات المتحدة في بناء قوة اقتصادية هائلة، وهو ما مكّنهم من التأثير في صناعة القرار السياسي. هذا التأثير أصبح أكثر وضوحًا مع ظهور اللوبي اليهودي الذي ساهم في توجيه السياسة الأمريكية لصالح “إسرائيل”، وهو ما أضفى قوةً أكبرَ لهذه الجماعة في توجيه السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
تاريخيًّا، كان أول رئيس أمريكي يُظهر دعمه الكبير لـ “إسرائيل” هو هاري ترومان، الذي اعترف بـ “إسرائيل” في عام 1948، ما شكّل نقطة فارقة في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، أصبح دعم “إسرائيل” جزءًا من الاستراتيجية السياسية الأمريكية، بدفع من اللوبي اليهودي. هنري كيسنجر، وزير الخارجية في عهد ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، كان أحد أبرز الشخصيات اليهودية التي استخدمت قوتها السياسية لدفع السياسات الأمريكية لصالح “إسرائيل”، ما أثر بشكل كبير على سياسات أمريكا في الشرق الأوسط.
ومع رونالد ريغان وبيل كلينتون، استمر نفوذ اليهود في السياسة الأمريكية، حَيثُ تم توسيع التعاون العسكري والاقتصادي مع “إسرائيل”. لكن أبرز لحظة في هذه العلاقة كانت مع دونالد ترامب، الذي أظهر انحيازا كَبيرًا لـ “إسرائيل”، بدءًا من قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 2017، والذي كان بمثابة استجابة قوية للضغط اليهودي في الولايات المتحدة. هذا القرار، الذي نال دعمًا كَبيرًا من الجالية اليهودية، أكّـد السيطرة الواضحة للقوى اليهودية على السياسة الأمريكية، خَاصَّة في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
اليهود، من خلال قوتهم الاقتصادية والإعلامية، استطاعوا توجيهَ العديد من السياسات الأمريكية، مما جعلهم قوة غير قابلة للتجاهل في السياسة الأمريكية. وهذا النفوذ يظل حاضرًا، حتى في عهد جو بايدن، الذي يستمر في اتباع سياسات مؤيدة لـ “إسرائيل”، وهو ما يعكس استمرار تأثير اللوبي اليهودي على الرؤساء الأمريكيين. وفي نهاية المطاف، سيظل دونالد ترامب، على الرغم من محاولاته للبقاء بعيدًا عن بعض الضغوط السياسية، أسيرًا لتحكم اللوبي اليهودي في السياسة الأمريكية، حَيثُ سيظل هذا التأثير مصدرًا رئيسيًّا لتوجيه سياساته وتحديد أولوياته في المنطقة.
وفي الختام، يتعين على الدول العربية أن تعي حقيقة أن الاعتماد على السياسة الأمريكية لم يعد خيارًا حكيمًا. فالرؤساء الأمريكيون، مهما اختلفت توجّـهاتهم، يظلون في قبضة القوى الاقتصادية والإعلامية اليهودية التي توجّـه سياساتهم بما يتماشى مع مصالحها؛ لذا، يجب على الدول العربية أن تتبنى سياسات مستقلة تستند إلى قوتها الذاتية وتحالفاتها الإقليمية والدولية بعيدًا عن التأثيرات الخارجية التي لا تصب في مصلحتها. والأهم من ذلك، يجب أن تظل قضية فلسطين في صدارة اهتمامات العرب؛ إذ إن الوقوف مع حقوق الفلسطينيين هو واجب قومي وإنساني لا يمكن التراجع عنه، ويجب على العرب أن يعزِّزوا وحدتَهم ويدافعوا عن حقوق الفلسطينيين على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.