التقييمُ الخاطئ لترامب.. “الإرهابيون” في الحافة الأُخرى
المسيرة: أحمد داوود
يكرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطيئته السابقة، معلنًا تصنيف “أنصار الله” منظمة إرهابية، معللًا ذلك بإسناد اليمن لغزة، واستهداف البحرية الأمريكية.
يذكرنا هذا الموقف برواية ساقها الكاتب الأمريكي “نعوم تشومسكي” عن قرصان وقع في أسر الإسكندر الكبير، الذي سأله: “كيف تجرؤ على ازعاج البحر” وكيف تجرؤ على ازعاج العالم بأسره، فأجاب القرصان: “لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة، فحسب، وأُدعى لِصًّا، وأنت الذي يفعلُ ذلك بأسطول ضخم تدعى “إمبراطورًا”.
جواب القرصان الأنيق والممتاز، ينطبق تمامًا على الولايات المتحدة الأمريكية التي توزع صكوك “الإرهاب” على أعدائها، وهي “أُمُّ الإرهاب” ومنبعه، وأَسَاسه، والمغذي الرئيس له.
الأمثلة على الإجرام الأمريكي لا حدود لها، فهي لم توزع هذا الصك مثلًا على الكيان الإجرامي الذي يدعى “إسرائيل” الذي ارتكب على مدى 15 شهرًا جرائم حرب وإبادة جماعية، وقتل الأطفال، والنساء، ودمّـر بلدًا بأكمله، إلى درجة أنه ألقى القنابل الحارقة على مخيمات النازحين، وهو أَيْـضًا لم يوزع هذا الصك على المملكة السعوديّة التي ارتكبت الجرائم الفظيعة في اليمن على مدى 10 سنوات مضت، وحاصرت اليمن، وخلقت أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ليس هناك فهم حقيقي، للمعايير التي تلجأ إليها واشنطن لوصم الآخرين “بالإرهاب”، لكن ما هو مؤكّـد أن الدول والأحزاب والحكومات المناهضة للسياسة الأمريكية، تجد نفسها داخل صندوق العداء الأمريكي؛ فالجمهورية الإسلامية وفق المفهوم الأمريكي “إرهابية”، وحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان والعراق “إرهابية”، وفنزويلا “إرهابية”، وهكذا، فَــإنَّ الدول التي لا تخضع لأمريكا وعنفوانها وبطشها يتم تصنيفها تحت هذا المسمى غير السليم، وكلّ من غير سلوكه، وعاد إلى الحضن الأمريكي، خرج من هذه الدائرة، حتى وإن كان “الجولاني” المجرم الحقيقي.
سلوكُ أمريكا إرهابٌ حقيقي
وأمام الوقائع والأحداث في مختلف العالم، وسلوك البيت الأبيض منها، يتضح جليَّا من “الإرهابي” الحقيقي، فواشنطن هي “أم” كُـلّ الإجرام، وتاريخها ملطخ بالدماء، فهي التي أبادت الهنود الحمر، وألقت القنبلة الذرية على “هيروشيما” و”ناجازاكي” في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية، وهي التي ارتكبت المجازر الوحشية أثناء احتلال أفغانستان، ولا يزال معتقل “غوانتنامو” شاهدًا على قبحها وتوحشها، وهي التي احتلت العراق، ودمّـرت بلدًا بأكمله، وعذبت العراقيين، وقهرتهم، وسجن “أبو غريب” لا يزال حاضرًا في الوجدان والمخيلة العراقية والعربية.
وفي ولاية ترامب الأولى، شواهد كثيرة على “إرهابه”، فهو الذي اغتال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، وهو الذي أوعز للطائرات الأمريكية بدون طيار لقصف محافظة البيضاء وقتل الأطفال والنساء بدم بارد.
عملٌ بطولي وعمل دنيء
وبالعودة إلى رواية تشومسكي، نجد أن أمريكا هي التي جاءت بالأساطيل الضخمة إلى البحر الأحمر، وأرهبت العالم، وأخافت الدول العربية والإسلامية عن تقديم المساندة لغزة، وصورت حرب الإبادة الجماعية بأنها عمل بطولي ينفذه المجرم نتنياهو وحكومته.
لم ترحم القنابل الأمريكية التي زودت بها كيان العدوّ الأطفال الرضع، والشيوخ المسنين، والنساء الحوامل، وفتكت بكل شيء في غزة ولبنان، واغتالت شهيد الإنسانية السيد القائد حسن نصر الله، بقنابل فراغية تزن ألفي رطل، ولجأت إلى حرب البيجر غير المسبوقة في التاريخ، وقتلت قادة حزب الله ورجاله الأوفياء.
حاملات الطائرات، هي الأُخرى، جابت البحرين الأحمر، والعربي، واعتدت على اليمن، وقتلت عددًا من قواته البحرية.. فمن الذي يزعج البحر إذًا يا تشومسكي؟
وفقًا للقانون الدولي، فَــإنَّ ما قامت به اليمن من إسناد لغزة، يأتي في إطار التدخل الإنساني المشروع، وهو مغاير للتدخل الأمريكي المساند للجرائم الصهيونية، لكنها الهيمنة والاستكبار هي التي تحدّد المعايير، وتفصلها حسب مقاسها، وهي سلطة القوي على الضعيف، والطاغية على المظلوم، وحين تكون هذه هي المعايير التي تتحكم بالعالم، فمن البديهي أن يتم تصنيف الأحرار في خانة “الإرهاب”، ومن البديهي أن يتم التصفيق بكل حرارة للمجرمين والقتلة والمحتلّين، كما حصل لنتنياهو في الكونغرس الأمريكي في إحدى زياراته لأمريكا المجرمة.
سيظل الموقف اليمني المساند لغزة، هو العمل البطولي المشرف، والشجاع، والإيماني، وفق تقييم أحرار العالم، ومناضليه، في حين تظل جرائم الإبادة صفة تلازم الأمريكيين، من مسؤولين، وقادة، وضباط، وغيرهم، والدليل على ذلك أن المواطنين الأمريكيين أنفسهم يقاطعون المؤتمرات الصحفية للمسؤولين، وينعتونهم بـ “وزراء الإبادة الجماعية” كما حدث لسيء الصيت وزير الخارجية الأمريكي السابق بلينكن.