(طوفان الأقصى) وقادتُه.. وأنا وأنتَ..!
عبد القوي السباعي
منذُ كنتُ صغيرًا وفي كُـلّ مراحل حياتي المختلفة، نشأتُ وأنا أشاهدُ شاشة التلفزيون المحلي، الذي بدأ بالأبيض والأسود إلى أن جاء الملوَّن، إلى أن ظهرت القنواتُ الفضائية المختلفة، إلى أن تصاعد معها شغفُ المشاهدة والاطلاع، تزامنًا مع تعدد العروض وتنوع القوالب والأساليب، والتي دائمًا ما كانت تتنافس عليها وسائل الإعلام لجذب المشاهدين لمتابعتها.
اليوم وأنا أتجاوز الخمسين عامًا من عمري، أجزم أنني وخلال هذه الفترة الطويلة بكل تفاصيلها وأحداثها؛ لم أكن يومًا آوي إلى فراش النوم؛ إلا وقد شاهدت خبرًا قادمًا من فلسطين، يحكي قصة جريمة، وتفاصيل معاناة، ومشاهد تراجيدية مأساوية يومية، ارتكبتها آلة القتل والقمع والإجرام الصهيونية بحق أبناء الشعب الفلسطيني على هذه الأرض المقدسة.
وقبل أن أخلد للنوم؛ كنت أدخل مع نفسي فضاءً هُلاميَّا من الأحلام الوردية والتي عرفتُ لاحقًا أنها تسمى “أحلام اليقظة”، خلالها كنت أعيشُ تفاصيلَ بطولاتٍ ملحميةً لا يمكن وصفها في هذه السطور القصيرة، لعظمتها وروعة تصويرها في ذهني واتساع مخيلتي، في تلك السن المبكرة.
كنت أراني وقد أصبحت زعيمًا وطنيًّا، جمعت من حولي كُـلّ التناقضات المحلية حول هدفٍ واحد وجامع في البناء والنهوض باليمن، ومن ثم انتقل إلى أن أصير زعيمًا قوميَّا لجميع العرب بعد أن قمت بتوحيدهم على اختلاف ثقافاتهم وأفكارهم.
بعدها اتجهت صوب فلسطين وقمت بتحريرها من الاحتلال الصهيوني، وتطهير مقدساتها من دنس هذا المحتلّ، والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وأعدت كُـلّ المهجرين الفلسطينيين من كُـلّ الأرجاء.. على غرار مسلسلاتِ الأطفال الكرتونية التي كنتُ أشاهدها، وهكذا ظلت ليالي عمري حتى يداهمني النوم.
عندما كنت أستيقظ من نومي في اليوم التالي تنتابني غمامةً من الحزن؛ كون هذا الحلم لا يمكن تحقيقه في الواقع، وإلا لكانَ أحد الزعماء والقادة العرب من ملوك ورؤساء وأمراء والذين عاصرتهم وكانوا في نظر شعوبهم أبطال وعمالقة لدرجة أن كثيرًا من أبناء الأُمَّــة كان ينظر إليهم بعينِ التقديس وأنا واحدٌ منهم..؛ لذلك كنت أدركُ صعوبةً؛ بل واستحالة تحقيق مثل هذا الأمر..؛ لأَنَّ أُولئك العظماء دائمًا ما كانوا ينادون ويروِّجون لمبدأ الأرض مقابل السلام.
لكن وما إن جاء “طوفان الأقصى” ورأيت أحداثَها تعيدُنا إلى نقطة الصفر مع هذا المحتلّ، وبرز من رحم الطوفان رجالٌ لم يحدث أن كنا نتخيلهم إلا في أحلام يقظتنا، فصعدت شعوبٌ ودول، وسقطت أُخرى، وعلت أنظمة وأحزاب وجماعات وزعماء وقادة وعلماء؛ وتمرغت بالوحل والخزي والعار أُخرى.
في اليمن برز السيد القائد عبد الملك بن بدرالدين الحوثي مرتديًا لامةَ الحرب موجِّهًا بُوصلة العداء وسهم الاستهداف إلى نحر العدوّ الصهيوني وداعميه، شامخًا متحديًا، مناصرًا ومنتصرًا، داعمًا ومساندًا لغزة العزة وفلسطين العروبة؛ بالأفعال والأقوال، ومن حوله التفَّتْ كُـلّ فئات الشعب اليمني، وعانقته كُـلُّ الأصوات الحرة من المحيط إلى الخليج.
رأيتُ فيه ذلك الحلم الجميل الذي لطالما راودني مُذ كنتُ صغيرًا، أيقنتُ أن هذا القائد هو أنا وأنت.. هو من يمثِّلني ويمثلك، هو من يمثّل ضمير وطموح وعزة ونخوة كُـلّ عربي مسلم حر في هذا الوجود، فأيقنت أن تحرير فلسطين سيكون على يدي هذا القائد، وكما يقال في التراث الإسلامي: يزع الله في السلطان ما لا يزع في القرآن؛ فما بالُك إن كان السلطان قرآنًا يمشي على الأرض.