ساعاتٌ على انتهاء مهلة الـ 60 يومًا.. هل سنشهدُ انكسارَ “سهام الشمال” أمام “أولي البأس”؟

المسيرة | خاص
فجرَ الأحد، تنتهي مُهلةُ الـ 60 يومًا، لانسحابِ جيش الاحتلال الإسرائيلي من النقاط المتواجد فيها جنوبي لبنان، وفقًا للاتّفاق؛ أي بعد الساعة الرابعة فجرًا، وأن أية قوة إسرائيلية تتواجد على أرض لبنانية هي قوة احتلال وجب مقاتلتها وطردها.
وفيما يشير الواقع الميداني إلى أن المهلة الزمنية المحدّدة للانسحاب انتهت، يبدو أن الاحتلال يخطط للبقاء في بعض المواقع، مدعومًا بذرائعَ تتعلق بضعف قدرة الجيش اللبناني على الانتشار، رغم إعلان الأخير الانتشار في بلدات “القوزح ودبل وحانين وبيت ليف –بنت جبيل” في القطاع الأوسط.
ولأنها وخلال الستين يومًا، لم تستطع الدولة اللبنانية، منْعَ الخروقات الإسرائيلية المتكرّرة، ما يضعها أمام اختبار جدي يتعلق بإثبات قدرتها على فرض سيادتها، فانسحاب الكيان الإسرائيلي الكامل مرهون غالبًا بحسابات إقليمية ودولية، ويبدو أن هناك تنسيقًا بين “تل أبيب وواشنطن”.
وفقًا للمعطيات فَــإنَّ استمرار وجود الاحتلال قد يكون محاولة لإثبات عجز لبنان عن إدارة الجنوب، وهو أمر تستخدمه “إسرائيل” إعلاميًّا وسياسيًّا، فيما المقاومة وبحسب تصريحات قياداتها لا تزال يدُها على الزناد، ولم ولن تترك الميدان.

دورُ الدولة اللبنانية والجيش اللبناني:
في الإطار؛ يرى مراقبون أن الموقف الرسمي الغامض، يلعبُ دورًا محوريًّا في هذه القضية؛ فالدولة اللبنانية لم تصدر توضيحًا حول استعداد الجيش أَو خططه للانتشار بعد انسحاب الاحتلال، على الرغم من أن الأهالي في الجنوب اللبناني يصرون على العودة لقراهم، ويطالبون الدولة بحمايتهم وطرد أية قوة احتلالية.
ويشير المراقبون إلى أن الصمت الرسمي يؤدي إلى تعزيز الروايات الإسرائيلية التي تشكك في قدرة لبنان على حماية حدوده، فإذا كان الجيش اللبناني غير مستعد، فمن الضروري مصارحة الشعب بوضوح؛ لأَنَّ الغموض يولّد فراغًا تعبّئه أطراف أُخرى.
وفيما المزاعم الإسرائيلية، تشير إلى أن حزب الله لم ينفذ التزاماته بموجب اتّفاق وقف إطلاق النار، نرى الموقف الرسمي اللبناني لم يصدر عنه أية اتّهامات لحزب الله بالإخلال بالاتّفاق، بل أكّـدت المصادر الأمنية تعاونه الكامل مع الجيش اللبناني، وهذا يثبت أن الاتّهامات لحزب الله تأتي ضمن سياق تبريري لعدم الانسحاب، حَيثُ تحاول “تل أبيب” ربط وجودها بمخاوف أمنية.
في السياق؛ يشير التنسيق الإسرائيلي-الأمريكي، إلى أن بقاء الاحتلال قد يستمر لفترة غير محدّدة؛ لأَنَّ “نتنياهو” يحاول من خلال هذا التصعيد جر المنطقة نحو التوتر، ما يعكس استراتيجيته لتثبيت الوضع القائم وإفشال أية تهدئة، وبالتالي على لبنان أن يعمل دبلوماسيًّا مع الحلفاء الدوليين، خَاصَّة الأمم المتحدة، لزيادة الضغوط على كيان الاحتلال للانسحاب الكامل.
وبحسب المراقبين، يجب أن يُظهر لبنان تماسكًا داخليًّا وإرادَة سياسية قوية؛ لأَنَّه بدون ذلك، سيجد الاحتلال ذرائع لاستمرار وجوده، فالتحدي الراهن للدولة اللبنانية يتمثل في إثبات قدرتها على حماية السيادة وتوفير الأمن في الجنوب، إلى جانب دور المقاومة الذي يأتي كضمان عدم إعطاء الاحتلال ذرائع، مع الاستعداد للتدخل في حال عجز الدولة.

معطياتُ التصعيد المحتمل:
تصريحاتُ قيادات حزب الله وحلفائه تُظهِر بالفعل لهجة تصعيدية، وهو أمر متوقع في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان بعد انتهاء المهلة المحدّدة؛ لأَنَّ وجود القوات الإسرائيلية على أرض لبنانية يعزز مبرّرات المقاومة للتصعيد، فحزب الله يعتبر الاحتلال تهديدًا مباشرًا للسيادة اللبنانية.
وفقًا لمراقبين، فَــإنَّ تصريحات المقاومة تحمل في طياتها رسائل تحذيرية لـ “إسرائيل” أكثر منها دعوة للتصعيد الفوري، والحزب يدرك أن أي تحَرّك عسكري واسع النطاق قد يكون له تداعيات إقليمية خطيرة، رغم الدعم الشعبي الذي يحظى به خَاصَّة من أهالي الجنوب، الذين يعتبرون المقاومة خط الدفاع الأول في ظل ضعف الدولة.
ويتوقع مراقبون أن حزب الله قد يتحَرّك بأُسلُـوب مدروس، ربما تكون عبر عملياتٍ محدودةٍ وموضعية، لفرض معادلة ردع جديدة، دون الانجرار إلى مواجهةٍ شاملة، إلا إذَا تصاعدت الاستفزازات الإسرائيلية.

عواملُ تدفعُ نحو التصعيد:
ووفقًا للمعطيات الميدانية، يلحظ مراقبون استراتيجية إسرائيلية مستفزة، من خلال تصريحات “نتنياهو” وإصراره على بقاء الاحتلال جزئيًّا، ما يمكن تفسيره أمام الرأي العام اللبناني أنهُ إهانة واستخفاف بالمقاومة، وَإذَا وما استمرت الخروقات العسكرية والاستفزازات على الأرض، فَــإنَّ المقاومة قد تجد نفسها مضطرة للتحَرّك عسكريًّا لاستعادة زمام المبادرة.
حزب الله يرى في التصعيد وسيلة لتذكير القوى الدولية بدوره الأَسَاسي في مواجهة الاحتلال، خَاصَّة في ظل انحياز الولايات المتحدة لكيان الاحتلال، لكنه في الوقت نفسه، وبحسب مراقبين، يحتفظ بعوامل ضبط النفس؛ إذ إن التصعيد العسكري قد يُضعف الاستقرار الداخلي في لبنان، خُصُوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد، فحزب الله يدرك جيِّدًا أن أية حربٍ واسعةٍ قد تكون لها تداعياتٌ كارثيةٌ على الشعب اللبناني.

السيناريوهات المحتملة بعد انتهاء مهلة الـ 60 يومًا:
في السياق؛ يرى خبراء عسكريون أن الوضع مرشح لثلاثة سيناريوهات محتملة، وفقًا لطبيعة الموقف الذي سيفرضه الاحتلال في حال قرّر المماطلة وعدم الانسحاب، أول هذه السيناريوهات هو “تصعيد محدود”، يتمثل بعملياتٍ نوعيةٍ تستهدف مواقع محدّدة للاحتلال، أَو ردٍّ مباشر على أي خرق إسرائيلي جديد، يهدف إلى تثبيت قواعد الاشتباك ومنع الاحتلال من التمدد.
والثاني بحسب الخبراء، قد يكون “تصعيد شامل”، إذَا ما استمر جيش العدوّ الإسرائيلي في خرق الاتّفاقات أَو استهداف المقاومة بشكلٍ مباشر، وقد يختار حزب الله الدخول في مواجهةٍ مفتوحة، واستعادة معركة “أولي البأس” التي كسرت “سهام الشمال” الإسرائيلية، وأجبرت الكيان إلى تلمس هدنة الـ 60 يومًا، غير أن هذا السيناريو بحسب المراقبين، يعتمد على طبيعة الرد الإسرائيلي ومدى الاستفزازات على الأرض.
ويرجح مراقبون في سياق السيناريو الثالث، أن التريث مع التصعيد السياسي والإعلامي هو سيد الموقف خلال الساعات التالية لانتهاء المهلة، ومع الاستمرار بالضغط السياسي والإعلامي على حكومة الكيان والدولة اللبنانية، ودفعهما لاتِّخاذ موقف أكثر إيجابية، وقد يكون هذا الخيار مناسبًا لتجنب أية تداعيات سلبية على الداخل الإسرائيلي الذي يحاول “ترامب” لملمته.
ويعتقد مراقبون أن حزب الله سيوازن بين التصعيد العسكري والحسابات السياسية والداخلية، فالتصريحات النارية لقياداته تهدف إلى إرسال رسائل تحذيرية لـ “إسرائيل” وللمجتمع الدولي، لكنها لا تعني بالضرورة اندفاعًا نحو مواجهةٍ شاملة، فالمقاومة لطالما اعتمدت استراتيجية “التصعيد المحسوب”، وهذا ما يرجح حدوثه الآن.

دور الأمريكي والحكومة اللبنانية ونفاد صبر المقاومة:
على الرغم من التصريحات الأمريكية المؤكّـدة بأن الدولة اللبنانية الجديدة (الرئاسة والحكومة) هي التشكيلة الوحيدة التي خرجت عن سيطرة حزب الله، إلا أن حكومة الكيان الإسرائيلي لا تعترف عمليًّا بسيادة الدولة اللبنانية، وظلت تواصل انتهاكاتها بشكلٍ يومي؛ ما جعل قدرة الدولة على فرض سيطرتها أمرًا نظريًّا، وأحرج الأمريكي.
ويؤكّـد مراقبون أن الدعم الأمريكي غير المحدود لـ “إسرائيل” يزيد من تعقيد الموقف؛ إذ إن واشنطن تعتبر حزب الله عقبة أمام استقرار المنطقة، بينما تترك لبنان مكشوفًا سياسيًّا واقتصاديًّا.
وبالتالي؛ فالمقاومة ترى نفسها مسؤولة أمام الشعب اللبناني، خَاصَّة الجنوبيين، عن الدفاع عن الأرض، ومع استمرار الاحتلال، لن تقبل المقاومة بأي تهاون، بغض النظر عن موقف الدولة، فكل تصريحات قياداتها تعكس نفاد الصبر تجاه تراخي الدولة وامتناعها عن اتِّخاذ خطوات ملموسة ضد الاحتلال.
وهذا الأمر تؤكّـده المعطيات على الواقع، فالدولة اللبنانية حتى اللحظة تبدو في وضع المتفرج أكثر من الفاعل، وهذا يفسح المجال أمام المقاومة لتولي زمام المبادرة، ومع أن هذا يعزز من موقف المقاومة شعبيًّا، إلا أنه يردم الفجوة التي صنعها أعداء لبنان بين الدولة ككيانٍ سياسي والمقاومة كقوةٍ عسكرية لا يمكن الاستغناء عنها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com