النصر في غزة: صمودُ الإرادَة وانتصارُ الكرامة

 

محمد أحمد القهالي

غزة، تلك البقعة الجغرافية الصغيرة التي تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا من النضال والصمود، تظل رمزًا للإرادَة الإنسانية التي تتحدى كُـلّ الصعاب. النصر في غزة ليس مُجَـرّد حدث عابر أَو نتيجة معركة عسكرية، بل هو قصة إنسانية عميقة، تحكي عن شعب رفض الاستسلام، واختار أن يقف بوجه الظلم بكل ما أوتي من قوة وإيمان. إنه انتصار للكرامة، وللحق، وللإصرار على الحياة رغم كُـلّ المحن.

غزة، التي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا، هي واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم. يعيش فيها أكثر من مليوني إنسان، يعانون من حصار خانق استمر لعقود، ومن ظروف معيشية صعبة تتفاقم يوماً بعد يوم. ومع ذلك، تظل غزة قلعة منيعة، ترفض أن تنكسر، وتصر على أن تبقى شامخة في وجه كُـلّ محاولات الإخضاع.

الحصار المفروض على غزة منذ سنوات طويلة لم يكن مُجَـرّد حصار مادي، بل كان أَيْـضاً حصارًا إنسانيًّا يهدف إلى كسر إرادَة الشعب. لكن غزة، بأبنائها وبناتها، أثبتت أن الإرادَة الإنسانية أقوى من كُـلّ الحصارات. لقد تحولت غزة إلى مدرسة للصمود، تعلّم العالم أن القوة الحقيقية تكمن في الإصرار على الحياة، وفي القدرة على التحمل رغم كُـلّ الظروف.

عندما نتحدث عن النصر في غزة، فَــإنَّنا لا نتحدث فقط عن الانتصارات العسكرية أَو المواجهات التي تحدث بين الفينة والأُخرى. النصر هنا أعمق من ذلك بكثير. إنه انتصار للإرادَة، وللإيمان، وللقناعة بأن الحق لا بد أن ينتصر في النهاية.

غزة، التي عانت من حروب متتالية، ومن دمار هائل في البنية التحتية، ومن خسائر بشرية فادحة، تظل ترفع راية النصر. ليس النصر هنا بالمعنى التقليدي، بل هو انتصار الروح التي ترفض الموت، وتصر على الحياة. إنه انتصار الأم التي تلد طفلًا جديدًا رغم القصف، والأب الذي يعمل يوماً بعد يوم لتأمين لقمة العيش لعائلته، والطفل الذي يذهب إلى مدرسته رغم كُـلّ الصعاب.

غزة تقدم للعالم درسًا في الصمود والإصرار. في وقت يتحدث فيه العالم عن حقوق الإنسان وحريته، نجد أن غزة تقدم نموذجًا حيًّا لشعب يكافح؛ مِن أجل هذه الحقوق. الصمود هنا ليس مُجَـرّد كلمة، بل هو فعل يومي، يعيشه كُـلّ فرد في غزة. إنه الصمود في وجه الحصار، وفي وجه القصف، وفي وجه كُـلّ محاولات كسر الإرادَة.

لقد أثبتت غزة أن الحصار لا يمكن أن يكسر الإرادَة، وأن القصف لا يمكن أن يدمّـر الأمل. بل على العكس، فَــإنَّ كُـلّ محاولات الإخضاع تزيد من إصرار الشعب على الحياة. غزة تعلّم العالم أن النصر لا يُقاس بعدد الأسلحة أَو حجم الجيوش، بل بقوة الإرادَة والإيمان بالحق.

النصر في غزة هو رسالة قوية إلى العالم، رسالة تقول إن الحق لا يموت، وإن الظلم لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. غزة، التي عانت من الظلم لسنوات طويلة، تظل ترفع صوتها عاليًا، وتقول للعالم إن الكرامة الإنسانية لا تُباع ولا تُشترى.

هذا النصر هو أَيْـضاً تذكير للعالم بأن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقّق إلا بالعدل. فما تعانيه غزة ليس مُجَـرّد صراع عسكري، بل هو قضية إنسانية تمس حياة الملايين. العالم الذي يتحدث عن السلام لا بد أن يتذكر أن السلام لا يمكن أن يبنى على الظلم، ولا على معاناة الشعوب.

رغم كُـلّ المعاناة، فَــإنَّ غزة تظل تبحث عن مستقبل أفضل. مستقبل يخلو من الحروب، ومن الحصار، ومن الظلم. مستقبل يعيش فيه أبناء غزة بحرية وكرامة، دون خوف من القصف أَو القتل. مستقبل تتحقّق فيه العدالة، ويعيش فيه الجميع بسلام.

النصر في غزة ليس مُجَـرّد حدث، بل هو عملية مُستمرّة، تحتاج إلى دعم العالم أجمع. إنه انتصار للإنسانية، وللقيم التي تؤمن بالعدل والحرية. غزة تثبت يوماً بعد يوم أن النصر ممكن، وأن الإرادَة الإنسانية قادرة على تغيير الواقع، مهما كان قاسيًا.

غزة، بكل ما تحمله من معاناة، تظل رمزًا للنصر والصمود. إنها تذكير للعالم بأن الحق لا يموت، وأن الإرادَة الإنسانية أقوى من كُـلّ الظروف. النصر في غزة هو انتصار للكرامة، وللحياة، وللإيمان بمستقبل أفضل. فلنكن جميعاً جزءًا من هذا النصر، ولندعم غزة في مسيرتها نحو الحرية والعدل.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com