عندما يكون المجرمُ قاضيًا والشيطان قدِّيسًا
د. شعفل علي عمير
لنبدأ بالحليفَينِ اللذَينِ ربما لم يخدمهما التاريخُ ضد قضاياهما: الولايات المتحدة و”إسرائيل”. تشتهر الولايات المتحدة بقوتها العسكرية والاقتصادية، لكنها أَيْـضًا تتبنى أفكارَ الهيمنة والسيطرة بحُجّـة نشر “الديمقراطية” و”الحرية”.
بيد أن “الإجرام” الأمريكي لم يكن يومًا مستترًا؛ إذ يكمنُ في سياساتها الخارجية العدوانية تجاه الدول بحجّـة حماية الأمن القومي أَو محاربة “الإرهاب”.
لكن الحقيقة المُرة تتجلى في كونها تسعى خلفَ مصالح اقتصادية ونفوذ سياسي دونَ اعتبار لحياة الشعوب وحقوقها، عندما يتجسد الإجرام الأمريكي بشكل واعظ، وَيظهرُ الشيطان الإسرائيلي قديسًا، تغيب العدالة ويسود التوحش.
وعلى الجانب الآخر، تأتي “إسرائيل” بقناع القديس، تتبنى خطاب الحق التاريخي وتصف نفسها بِواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط رغم أنها تستمر في ممارسة سياسة التمييز العنصري والاحتلال العسكري في تصرفاتها تجاه الفلسطينيين، وهذا يعد انتهاكا صارخًا للقوانين الدولية.
يُغلَّفُ هذا الشيطان بثوب ضحية الهولوكوست ليكسب تعاطفًا عالميًّا، في حين يغفل العالم عن مشاهد القمع والاعتداء اليومي على أصحاب الأرض، نحن نعيش في زمن تتلبّد فيه غيوم الظلم والتوحش، وحينما تتحطَّمُ أحلام البسطاء تحت أقدام الغطرسة والطغيان يأتي تصنيفُ الجهات المتحرّكة المناهضة لظلم الطامعين.
وبين الحين والآخر، تبرز جدلية تصنيف “الإرهابي” عندما تتعلق الأمور بجماعات تعارضُ سياسة الأطماع الأمريكية أَو تتحدى هيمنتها، كاليمن تلك القوة التي تحظى بتأييد شعبي منقطع النظير ظهرت كقوة فرضت معادلةَ صراع جديدة مع الكيان الصهيوني في وقوفها بقوة مع مظلومية الشعب الفلسطيني ويستند الدعم والتأييد الشعبي لقرارات القيادة في اليمن إلى اعتبارات دينية وإنسانية، لكن وقوفها وتحديها للغطرسة الأمريكية والإسرائيلية تعتبر من وجهة نظر أمريكا تصادمًا مع مصالح الرياض وواشنطن. كما أن تصنيف حركات المقاومة في فلسطين، من قبل أمريكا وبعض الأنظمة العربية يُلقي الضوء على ازدواجية وسلوكيات متناقضة مع الواقع ومتناغمة مع المطامع، فعلى مدى عقود، دعمت الولاياتُ المتحدة “إسرائيل” دعمًا مطلقًا وكأنها جزيرة ديمقراطية وسط محيط من الديكتاتوريات الظلامية. بينما تُصنّف حركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي ضمن قوائم الإرهاب، تجمع تلك الحركات بين المطالب الشعبيّة بالاستقلال والتحرّر وبين النموذج العسكري لمقاومة الاحتلال.
في الساحة الفلسطينية، يبرز النفاق الأمريكي بشكل أوضح. تدعم الولايات المتحدة “إسرائيل” دون تردّد، في حين تُلقي بلائمة الإرهاب على الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلاَل الوحشي.
أمريكا غير مهتمة بمعاناة الفلسطينيين اليوميّة تحت نير ونار الاحتلال، بل وتمد الكيان الصهيوني بكل أنواع الدعم العسكري والاقتصادي.
وأية محاولة لمقاومة هذا الاحتلال مساندةً للشعب الفلسطيني من قبل إخوانه في الدين والعروبة تُقابَل باتّهامات باطلة ووصمها بالإرهاب كحال اليمن، في حين تُعتبر جرائم الحرب والإرهاب والإبادة التي ترتكبها بعض الدول الحليفة لأمريكا مثل الكيان الصهيوني آمنة ومأمونة من النقد أَو العقاب.
يجب أن يتذكر العالم دومًا أن العدالة قد تتأخر، لكنها لا تموت أبدًا، وأن فجرًا جديدًا لا بد أن يبزُغَ في يومٍ من الأيّام، حاملًا في طياته الأملَ لإنهاء التوحُّش واستعادة القِيَم الإنسانية.