السيدُ عبدالملك الحوثي في خطاب بـ الذكرى السنوية لـ الشهيد القائد: المشروع الأمريكي سقط في اليمن والمشروع القرآني هو النموذج المفيد لبقية الأُمَّــة

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أصحابهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ الأعزاء:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

قال الله تعالى فِي القرآن الْكَرِيم: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}[الأعراف:170]، صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم.

في الذكرى السنوية لشهيد القرآن، السَّيِّد/ حسين بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، نقول من جديد: عَظَّمَ اللهُ أَجْرَنَا وَأَجْرَكُم.

ونتحدث عن شهادته كعنوانٍ للقضية وللمظلومية:

المظلومية؛ لأَنَّ ما قامت به السلطة آنذاك في العام 2004، ضد شهيد القرآن، مؤسّس مسيرتنا القرآنية، وقائدنا الشهيد العظيم السَّيِّد/ حسين بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، كان ما قامت به عدوانًا ظالمًا لا مبرر له، ولا يستند إلى أي مستندٍ لا شرعيٍّ ولا قانوني، فشهيد القرآن لم يصدر منه، ولا ممن انطلق معه في المشروع القرآني، أي اعتداء ضد السلطة آنذاك، ولا أي تصرفٍ يبرر لها العدوان والاستهداف، والسعي لإبادة من تحَرّكوا في إطار المشروع القرآني، فما قام به شهيد القرآن هو:

  • التثقيف القرآني.
  • والصرخة في وجه المستكبرين بشعار البراءة من أمريكا و”إسرائيل”، وهو شعار:

الله أكبر

الـموت لأمريكـــا

الـموت لإسرائيل

اللعنة على اليهود

النصــــر للإسلام

  • والدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية.

كان التحَرّك يتمثل بهذه العناصر الثلاثة: (التثقيف القرآني، والصرخة في وجه المستكبرين، والدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية)، في مقابل الهجمة الأمريكية والإسرائيلية والغربية غير المسبوقة على أمتنا الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي خططت لها الصهيونية؛ لتجعل منها ذريعةً لحملةٍ عدوانيةٍ شاملة، تهدف إلى:

  • استحكام السيطرة الأمريكية والإسرائيلية والغربية على أمتنا.
  • واجتياح أوطانها.
  • وطمس هُــوِيَّتها.
  • والسيطرة على ثرواتها.

لم تقف الأنظمة الرسمية آنذاك -في معظمها- موقف المتصدي لتلك الهجمة، بل المسارع لفتح المجال والخضوع لأمريكا، وفتح كُـلّ الأبواب أمامها في كُـلّ المجالات، وبما يمكِّنها من السيطرة التامة، والسلطة في اليمن آنذاك كانت من المسارعين إلى ذلك، سارعت تحت عنوان (التحالف مع أمريكا لمحاربة الإرهاب)، وفتحت للأمريكيين كُـلّ المجالات ليتدخلوا في كُـلّ شيء: فتحت المجال للقواعد العسكرية في البلد، للضربات الأمريكية في البلد، للتدخل في الشؤون التعليمية، للتدخل في الإعلام، للتدخل في الخطاب الديني والمساجد والأوقاف، للتدخل في الجانب العسكري، والتغلغل في السيطرة على المؤسّسة العسكرية والأمنية كذلك، والشؤون الاقتصادية… وفي كُـلّ المجالات، بما يترتب على ذلك من مخاطر كبيرة ورهيبة، تُمَكِّن العدوّ من الاختراق لكل شيءٍ في البلد، حتى التوجّـه إلى الساحة الشعبيّة واختراقها، وبالتالي السيطرة الكاملة.

الأوساط الشعبيّة في بلدنا كان حالها كحال معظم الشعوب، التي كانت متأثرةً بالموقف الرسمي، ومكبلةً ومقيدةً بالموقف الرسمي، النخبُ والأحزاب -في معظمها- كانت في موقفٍ ضعيف، مع إقرارها بسوء ما يحدث، ومخاطر السياسة الرسمية، التي تعتمدها السلطة في فتح المجال للأمريكي ليفعل ما يشاء ويريد، ولم يكن ذلك يمثل حلًا لمصلحة شعبنا، ولا خيارًا منجيًّا يُنَجِّي شعبنا من الخطر الأمريكي والتهديد الأمريكي، بل كان يساعد الأمريكي على السيطرة التامة بدون أي كلفة، بدون أعباء، فهو وسيلةٌ للتمكين الأمريكي والإسرائيلي.

تحَرّك شهيد القرآن بالمشروع القرآني إحساسًا بالمسؤولية الدينية، وإدراكًا واعيًا لخطورة ما يحدث، وللعواقب السيئة لذلك، حتى من باب العقوبة الإلهية؛ لأَنَّ تَقَبُّل الأُمَّــة للأمريكي ليسيطر عليها، ويطمس هُــوِيَّتها، ويصادر حُرِّيتها واستقلالها، ويُفَرِّقها ويبعثرها بأكثر مما هي مفرقة ومبعثرة، لن يُنَجِّيها من شرِّه أبدًا، هو آتٍ بِشرّ عليها، بل مع ذلك ستكون العقوبة الإلهية على التفريط؛ لأَنَّ على هذه الأُمَّــة مسؤولية حتى في الدفاع عن نفسها، عن هُــوِيَّتها، عن أوطانها، عن كرامتها، أن تواجه الظلم الذي يستهدفها، هذه مسؤولية دينية، ووعيًا منه بأهميّة وقيمة التحَرّك، التحَرّك الواعي، التحَرّك الصحيح، وأنه الذي يمثل حلًّا للأُمَّـة، ليس الاستسلام هو الذي يُمثِّل الحل للأُمَّـة، أمام تلك الهجمة الشاملة، التي تستهدف الأُمَّــة في كُـلّ شيء، وليس الجمود والتنصل عن المسؤولية هو الذي يدفع الشر عن الأُمَّــة، أَو يمثل حلًا وخيارًا صحيحًا تعتمد عليه الأُمَّــة.

كانت المواقف العملية في إطار المشروع القرآني تُركِّز على:

  • التثقيف القرآني:
  • لتوعية الأُمَّــة؛ لأنها بحاجة إلى الوعي، أول ما تحتاج إليه هو الوعي.
  • ولتقديم الحلول القرآنية؛ لأَنَّ الأُمَّــة تواجه مشكلات كبيرة، تمثِّل خطورةً بالغةً عليها، تحتاج إلى رؤية: (ما هو الحل؟).
  • ولتحصين الأُمَّــة من الاختراق الكبير للحملة الأمريكية الإسرائيلية الغربية، التي تستهدف هذه الأُمَّــة في كُـلّ شعوبها، ثقافيًّا، وفكريًّا، تستهدف حتى تغيير المناهج الدراسية، من خلال إملاءات بما يحذف وما تُضَمَّنه، ما تُضَمَّن به تلك المناهج… وهكذا بقية الأنشطة التثقيفية والفكرية، هناك تدخل أمريكي وإسرائيلي؛ للتأثير من خلالها على هُــوِيَّة هذه الأُمَّــة، وعلى فكرها وثقافتها، وإعلاميًّا، وكذلك عملٌ مكثّـف، يسعى من خلاله الأعداء إلى تغيير فكر هذه الأُمَّــة، وإلى التأثير على الرأي العام، وعلى التوجّـهات، والولاءات، والمواقف، فهم يهدفون إلى إضلال الأُمَّــة، وإلى تضييعها، وإلى إفسادها.

فالتثقيف القرآني كان عملًا في مقابل تلك الهجمة: التثقيفية، الفكرية، الإعلامية، الدعائية، التي لها خطورة كبيرة جِـدًّا في التأثير على الأُمَّــة، على مستوى الفكر، والثقافة، والوعي، والولاءات… وغير ذلك، يعني: عملٌ حكيم، يقابل شيئًا مما هو في جانب الأعداء، وما يُقدِّمه الأعداء.

العمل اليهودي، والعمل الأمريكي والإسرائيلي، هو يُركِّز بشكل كبير جِـدًّا على الإضلال: الإضلال الفكري الثقافي، الإضلال على مستوى الرؤية، والتصور، والفكر، والموقف، وكذلك على مستوى الولاء والتوجّـه، والإفساد: الإفساد للنفوس، المحاربة للفضائل والقيم، القيم العظيمة، القيم الإلهية، والسعي للإفساد للمجتمعات، وإيقاعها في الرذائل بكل أشكال الفساد: الفساد الأخلاقي… وغيره، وهم يعملون وفق مشروعٍ تدميريٍّ، هو: المشروع الصهيوني، وليس لمجرد ردة فعل آنية لحظية محدودة.

وهذه حقيقة مهمة للغاية؛ لأَنَّ الكثير من أبناء الأُمَّــة لا تزال نظرتهم إلى ما يفعله الأمريكي والإسرائيلي، ومن يدور في فلكهم، في مراحل متعددة، وكأنه مجرد مواقفَ لحظية، آنية، وردود فعل محدودة، هم يعملون ضمن مشروع اسمه [المشروع الصهيوني]، هو مشروع تدميري لهذه الأُمَّــة، المشروع الصهيوني مشروع خطير على هذه الأُمَّــة.

  • ثم مع التثقيف القرآني، الشعار: الشعار كموقف:
  • يُعبِّر عن حالة السخط، وهذه مسألة مهمة جِـدًّا، يجب أن تترجم الأُمَّــة سخطها تجاه هجمة أعدائها عليها، بما فيها من إجرام وطغيان، وبما تمثله من خطورة كبيرة في أهدافها التي تسعى إلى تحقيقها، أن يترجم هذا السخط إلى موقف، وإلى تعبير، في الحد الأدنى وفي البداية: التعبير عن ذلك، وعن الرفض للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، أن يكون هناك موقف يُعبِّر عن رفض هذه الأُمَّــة.
  • ويُحصِّن الوضع الداخلي للأُمَّـة من مساعي الأعداء لتحويل هذه الأُمَّــة إلى أُمَّـة مواليةً لهم؛ لأَنَّ الأعداء يشتغلون بشكل واسع للاستقطاب والاختراق في داخل هذه الأُمَّــة؛ لتوجيه حالة السخط إلى غير أمريكا و”إسرائيل”، إلى من يُعَادِي أمريكا و”إسرائيل”، ولتوجيه حالة الولاء للأمريكي والإسرائيلي، بما يترتب على ذلك من تمكينهم من السيطرة بكل سهولة.
  • وأيضًا لكسر مساعي تكميم الأفواه، من أهداف الشعار؛ لأَنَّ الأمريكي يدفع بالأنظمة إلى تكميم الأفواه، ومنع أي صوت يناهض الهيمنة الأمريكية، والسيطرة الأمريكية والإسرائيلية.
  • ثم المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية كسلاح مهم؛ لأَنَّ الأعداء يستفيدون بشكل كبير جدًا:
  • أولًا: من نهب ثروات بلداننا.
  • وثانيًا: الاستفادة من بلداننا بشعوبها الكبيرة كأسواق لمنتجاتهم، تُدِرّ دخلًا ماليًّا كبيرًا جِـدًّا لهم.

فيستفيدون في الحالتين: في حالة النهب، وتذهب أموال وإمْكَانات ضخمة جِـدًّا لصالحهم، وفي حالة الأسواق التي تعود بالدخل عليهم، ثم يُوَظِّفون تلك الأموال لمحاربة هذه الأُمَّــة.

وفي نفس الوقت المقاطعة سلاح، وهم يستخدمونه -بالنسبة لهم- في العقوبات الاقتصادية في كُـلّ مرحلة ضد هذا البلد أَو ذاك.

وأيضًا المقاطعة هي حافز مهم، للتوجّـه للبناء الاقتصادي، والإنتاج المحلي، والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

هذه الخطوات الثلاث التي تحَرّك بها شهيد القرآن، هي خطواتٌ حكيمة، ومشروعةٌ، وليس هناك أي مبرر للاستهداف لمن يتحَرّك فيها، وهي تستند إلى القرآن الكريم، وكان من المفروض أن يلقى ذلك ترحيبًا في بلدٍ هُــوِيَّتُه إيمانية، ودستوره يعترف بالشريعة الإسلامية مصدرًا أَسَاسيًّا للتشريع، ويتغنى النظام في بالديمقراطية وحُرِّيَّة الكلمة، وحُرِّيَّة التعبير، ومن ورائه الأمريكي يحمل شعارات الحُرِّيَّة والديمقراطية؛ لكن عندما انزعج الأمريكي وغضب، ورأى أن هذا المشروع الحكيم، الذي هو بخطوات عملية صحيحة، هادفة، مفيدة، ونافعة، ومؤثِّرة، ويخرج بالأمة من حالة الصمت، والجمود، والسكوت، والقعود، والاستسلام؛ إلى حالة الموقف، الموقف الذي يمكن أن يتنامى بقدر ما تتطلبه الظروف والمراحل، رأى أن هذا المشروع يعيقه في الساحة، فاتَّجه الأمريكي -كما هي عادته وأسلوبه- في توريط السلطة، والدفع بها لمحاربة المشروع القرآني تحت الإشراف الأمريكي.

اتَّجهت السلطة في محاربتها للمشروع القرآني بدايةً بالقمع الأمني، من خلال السجون والاعتقالات، وبعنف، وبمعاملة قاسية، وتكرّر ذلك: بدءًا بجامع الإمام الهادي، والجامع الكبير، ثم في مناطق أُخرى وجوامع أُخرى.

تزامنت حملات الاعتقالات والسجن مع إجراءات عقابية بالفصل من الوظائف المدنية، في التعليم وغيره، وتزامن مع ذلك حملات دعائية مشوهة ومحاربة للمشروع القرآني، وحملات تخويف وإرجاف وتهويل.

كان ذلك المسار الخاطئ للسلطة في محاربة المشروع القرآني، بإشرافٍ أمريكي، يتزامن مع كُـلّ ما تفعله أمريكا على مستوى المنطقة بشكلٍ عام، أمريكا مُستمرّة في هجمتها، اتَّجهت لاحتلال العراق بعد احتلالها لأفغانستان، العدوّ الإسرائيلي مرتكبٌ أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، الأمريكي ضاغط على مختلف البلدان، ومُتَّجه للضغط عليها، وفرض أجندةٍ عليها وسياسات، وساعٍ لاختراقها، وهم يتَّجهون مع الأمريكي بحملات مسيئة لهذه الأُمَّــة، ومستفزة لهذه الأُمَّــة، تُعبِّرُ عن منتهى العداء لهذه الأُمَّــة، حملات الإساءة ضد رسول الله “صَلَوَاتُ اللِّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وهي حملة صهيونية بكل ما تعنيه الكلمة، وحملة ضد القرآن الكريم.

مع كُـلّ المسار الذي استمرت فيه أمريكا و”إسرائيل” ومن يدور في فلكهم، السلطة منهمكة، وغارقة، ومنشغلة، في تلك الحملات القمعية لمحاربة المشروع القرآني، وكذلك ما يفعله الأمريكي في البلد، بعد أن فتحت له كُـلّ الأبواب، الأمريكي مُستمرّ ضمن خطط وبرامج وأنشطة لاختراق كُـلّ مؤسّسات الدولة: الجانب العسكري، والجانب الاقتصادي، والجانب التعليمي، والتثقيفي، والقضائي، وفي كُـلّ المجالات، الجانب الأمني… وغيره، وَأَيْـضًا يتَّجه إلى العمل في الساحة الشعبيّة للاستقطاب، وللاختراق للساحة الشعبيّة، هو مُستمرّ في ذلك، وهي لا شغل لها إلا العمل ضد المشروع القرآني.

واستمرت العمليات التي تقوم بها السلطة بشكلٍ قمعي، إلى أن امتلأت سجون الأمن السياسي -آنذاك- بالمكبرين، وهذا الاسم الذي عرفهم به الشعب اليمني، وأطلقه عليهم الشعب اليمني (المكبرين)، لماذا؟؛ لأَنَّ الشعب يعرف أن هؤلاء ليس لهم أي ذنب؛ وإنما اعتقلتهم السلطة؛ لأَنَّهم هتفوا بالتكبير لله، بهتاف البراءة من أعداء الله، الذي بدايته (الله أكبر)، وختامه (النصر للإسلام)، فعرفوا بـ (المكبرين).

الأمريكي انزعج لفشل عمليات القمع، وتلك الممارسات الظالمة والمضايقات؛ لعجزها عن إيقاف المشروع القرآني، فدفع بالسلطة في 2004 للعدوان العسكري؛ بهدف القضاء عسكريًّا على المشروع القرآني، فاندفعت بكل تهور، وبدون تردد، وبكل عدوانية وحقدٍ عجيب، كُنَّا نستغرب من مدى الحقد الذي تحَرّكت به السلطة، وأجهزتها وقادتها آنذاك، اتَّجهت لتفتح بابًا عدوانيًّا هو: الحرب الأولى، بابًا للحروب في هذا البلد، بدايتها الحرب الأولى.

الحرب الأولى استهدفت بها السلطة آنذاك بشكلٍ أَسَاسيٍّ شهيد القرآن، قائدنا ومؤسّس مسيرتنا، ومن معه في منطقة (مَرَّان) الريفية، في (مديرية حيدان – محافظة صعدة)، والمناطق المجاورة، واستهدفت أَيْـضًا عسكريًّا الحواضن الشعبيّة للمشروع القرآني في المناطق الأُخرى من محافظة صعدة، مثل: آل الصيفي، وهمدان (همدان صعدة)، وحملات في مناطق متفرقة، يعني: في مناطق في محافظة صعدة وفي غيرها؛ لملاحقة المكبرين -بهذا الاسم- إلى قراهم من منازلهم.

كانت الحرب الأولى عدوانيةً ظالمة، وبكل وحشيةٍ وجبروت، وفق المدرسة الأمريكية، بالاستخدام من اليوم الأول لكل وسائل القتل، والدمار، والحصار، والتجويع، السلطة حشدت كُـلّ إمْكَاناتها العسكرية: من طائرات (طائرات حربية، ومروحية)، وفي القوات البرية من دبابات، ومجنزرات… ومختلف الآليات العسكرية، والآلاف من الجنود، ولم تكتفِ بذلك، جَيَّشت معهم أَيْـضًا من المرتزِقة الكثير الكثير، واستهدفت (مرَّان)، التي استهدفتها بشكلٍ أَسَاسي بالتدمير الشامل، والقصف الجنوني الذي كان يستمر ليلًا ونهارًا، تستهدف الناس إلى منازلهم بدون أي مبرر، وَأَيْـضًا بالحصار والتجويع: منع دخول الغذاء، ودخول الدواء، إلى أنهى مستوى من الحصار، حصار شديد جِـدًّا، ودمَّرت (مرَّان)، حشدت قوةً عسكريةً كبيرة لذلك.

لم يكن لدى شهيد القرآن –قائدنا ومؤسّس مسيرتنا السَّيِّد/ حسين بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”– جيشًا ولا ميليشيات، ولا أي تشكيل عسكري مُنَظَّم، أَو مُدَرَّب، للتصدي لذلك العدوان؛ وإنما تحَرّك الأهالي، ومن وقف معهم، الذي تحَرّك هو المجتمع؛ ليدافع عن نفسه في مواجهة ذلك العدوان، الذي لا مبرر له إطلاقًا، ومن وقف معهم للتصدي، وجاهدوا في سبيل الله ببسالةٍ منقطعة النظير، بكل تفانٍ بما تعنيه الكلمة؛ ولــذلك استمرت المعركة قرابة ثلاثة أشهر، مع أنه لم يكن لديهم عُدَّة عسكرية، سوى الأسلحة الشخصية العادية، التي هي متوفرة مع أي مواطن يمني، ومع ذلك كان هناك شُحٌّ كبير جِـدًّا في الذخائر والمتطلبات اللازمة، وبدون أي تدريب عسكري ولا نحوه.

استمرت المعركة قرابة ثلاثة أشهر، (مَرَّان) التي هي مساحة تقدر بـ (خمسة كيلو مربع)، حتى أعلنت السلطة آنذاك قتل شهيد القرآن، ومن تصدى لعدوانها من الأهالي، واعتقال الكثير من الأهالي والجرحى؛ لِتُقدِّم ذلك قُربانًا للأمريكي، وكانت مرتاحةً تعتبر ذلك إنجازًا تُقدِّمه إلى الأمريكي في توددها له وسعيها لاسترضائه، وتصورت السلطة آنذاك، ومعها الأمريكي، أنها قد قضت على المشروع القرآني.

الممارسات خلال فترة الحرب كانت إجرامية بكل ما تعنيه الكلمة:

  • الاستهداف لمنازل المواطنين.
  • القتل للأطفال والنساء، والكبار والصغار.
  • الحرمان من الطعام.
  • استخدام وسائل إجرامية في الاستهداف للجرحى.
  • الإبادة بدمٍ بارد لبعض الجرحى وبعض الأهالي.
  • كل أنواع الممارسات الإجرامية، محاولات الحرق بالنار للجرحى… وغير ذلك.

السلطة تفاجأت ما بعد ذلك، هي والأمريكي:

  • أولًا: بثبات السجناء في السجون، من كانت قد اعتقلتهم على خلفية الهتاف بالشعار والصرخة في وجه المستكبرين، ومن اعتقلتهم مع حملاتها العدوانية، كانوا ثابتين، لم يتراجعوا عن هذا النهج، وعن هذا المشروع وهذا الموقف، ثبتوا وهم في السجون، ولم يقبلوا أبدًا بالتراجع عن موقفهم، وعن هذا المشروع العظيم.
  • وثبات بقية المنطلقين في خارج السجون، الذين اِلْتَفُّوا حول الوالد العلَّامة الكبير، فقيه القرآن، السَّيِّد/ بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، الذي كان في تلك المرحلة مستقرًا في (منطقة نشور – همدان صعدة)، باستضافة أخينا المجاهد العزيز/ عبد الله عيضة الرزامي، والأهالي هناك.

ولــذلك اتَّجهت السلطة بعد أشهر إلى حربٍ ثانية، تستهدف بها الوالد العلَّامة الكبير، فقيه القرآن، السَّيِّد/ بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، وفشلت في الحرب الثانية، واستمر مسلسل الفشل والخيبة، مع الإصرار على تكرار العدوان، وفي كُـلّ مرَّة بوحشية وهمجية، جرائم كبيرة جِـدًّا في تلك المراحل: جرائم قتل وسحل، وجرائم استهداف للكبار والصغار، ومساكن المواطنين… وغير ذلك، ودون اعتبار واستفادة من الدروس؛ ولـذلك وصلت سلسلة الحروب التي شنَّتها السلطة تحت إشرافٍ أمريكي، وبتحريضٍ أمريكي، وبغطاءٍ سياسيٍّ أمريكي، إلى ستة حروب شاملة، وأكثر من عشرين حربًا جزئية.

في الحرب السادسة منها، تورَّط النظام السعوديّ آنذاك -وبالتأكيد بدفعٍ أمريكي- بالاشتراك في العدوان مع السلطة آنذاك، وفشل معها، ومع فشلهما معًا، لم يأخذ السعوديّ آنذاك العبرة؛ لينتبه في المستقبل.

ثم أتت المتغيرات الكبيرة في البلد، ببركة ذلك الصمود، وتلك التضحيات، واتَّسعت دائرة الوعي الشعبي؛ فكانت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، وتلاها هروب الأمريكي والمارينز من صنعاء، وقلِق الأمريكي والإسرائيلي؛ لأَنَّ معنى ذلك: نهاية سيطرته على هذا البلد، وفشل وسقوط المشروع الأمريكي في هذا البلد، ليس هذا فحسب، هو يدرك أهميّة هذا المشروع، وتأثيره الكبير حتى في تقديم النموذج المفيد لبقية الأُمَّــة، وإسهامه فيما يتعلق بواقع الأُمَّــة بشكلٍ عام؛ لأنه مشروعًا ليس مؤطَّرًا في مستوى هذا البلد، وكانت المواقف الإسرائيلية واضحة في حجم القلق الكبير، عَبَّر [المجرم نتنياهو] وغيره عن ذلك، كذلك الأمريكية.

ولكن الأمريكي -وكأسلوبه: يسعى دائمًا لتوريط الآخرين- اتَّجه لتوريط السعوديّ، ومن معه في التحالف؛ ليتورطوا تحت إشراف أمريكي مباشر في عدوان شامل على بلدنا. بدأ العدوان السعوديّ الأمريكي، الذي مع تحالف آخرين، واستمر كُـلّ السنوات الماضية، وبكل وحشية وإجرام، مع الفشل أَيْـضًا.

هذا فيما يتعلق بالمظلومية، كموجز عن مسار الأحداث، هناك الكثير من التفاصيل، إن شاء الله تصدر الكتب عن ذلك، تصدر كذلك المنتجات الإعلامية، التي توثق تلك المراحل وما جرى فيها.

نحن كُنَّا في هذه المسيرة القرآنية، كُـلّ المنطلقين في إطار هذا المشروع القرآني، خلال كُـلّ هذه المراحل مظلومين مظلوميةً كبيرةً جِـدًّا، وليس ظالمين، ومعتدًا علينا، ولم نكن معتدين، كان أداؤنا في دفع العدوان، والتصدي للعدوان علينا، مرتبطًا ومنضبطًا وفق تعليمات الله، وفق القيم والأخلاق الإسلامية والقرآنية، وكان الأعداء والمعتدون يمارسون أبشع الجرائم بحقنا، الشواهد، والوثائق، والحقائق، هي كثيرةٌ جِـدًّا، تشهد لذلك، هذا على مستوى المظلومية.

أَمَّا الْقَضِيَّةُ، وَهِيَ: الْمَشْرُوعُ القرآنيُّ، وَالْمَوْقِفُ القرآني من أعداء المسلمين، بل وأعداء البشرية: اليهود الصهاينة ومن يدور في فلكهم، (أمريكا، وإسرائيل):

فالأعداء -كما قلنا- يتحَرّكون وفق مشروع (المشروع الصهيوني)، فكرته محسوبةٌ على الدِّين زورًا وبهتانًا، المشروع الصهيوني هو يُقدَّم على أنه مشروع ديني؛ ولـذلك ينطلق المنطلقون فيه بحماس، واندفاع كبير جِـدًّا، وله أهداف محدّدة، هي تدميرية لأُمَّتنا، المشروع الصهيوني يعني: احتلال لأوطاننا الإسلامية والعربية، بدءًا بفلسطين، يعني: تدمير أُمَّتنا، والسيطرة عليها، والبعثرة لها، العمل على القضاء على وجودها الحضاري والمستقل، ويستخدمون وسائل وأساليب هي أَيْـضًا تدميرية، وسائلهم وأساليبهم لتحقيق مشروعهم كلها عدوانية:

  • سواءً في المجال الثقافي، لطمس هُــوِيَّة هذه الأُمَّــة.
  • أو في الإفساد للقيم، والأخلاق، والفضائل، والسعي لنشر الرذائل والمفاسد، التي تُمَيِّع الناس.
  • أو على مستوى الاستهداف الأمني والعسكري، والقواعد العسكرية، والاحتلال.
  • أو على كُـلّ المستويات، من تجزئة المجزأ من أمتنا، وبعثرة المبعثر، وإغراق أمتنا في الأزمات، والحروب، والفتن، تحت مختلف العناوين، حتى العناوين الساذجة والوهمية.

وهم يعملون على تنفيذ مشروعهم على مراحل، وفق إنجازات تراكمية؛ ولـذلك ليس تحَرّكهم ارتجاليًّا، ولا ردة فعل، ولا بحسابات مصالح محدودة، يمكن التقاسم معهم فيها، مثلما تعمل بعض الأنظمة، تتصور أنها ستدخل ضمن المظلة الأمريكية والإسرائيلية، وتحقّق لها مصالح في ذلك الإطار، وتبقى كأدَاة، وتضمن مستقبلها كأدَاة بيد أمريكا و”إسرائيل”، هذا قد يحصل لفترات محدودة ومؤقتة، حتى الاستغناء من الدور، وعند الاستغناء من الدور يكون التعامل بطريقة مختلفة من جانب الأمريكي والإسرائيلي.

أمام ذلك، ما هو المشروع الذي ينبغي أن نتحَرّك نحن كأمة مستهدفة، نحن كمسلمين، وأي خيار نعتمد تجاه ذلك:

  • هل خيار الاستسلام؟ ليس مُنَجِّيًّا.
  • هل خيار العمل مع الأعداء؟ هو تمكينٌ لهم، واستغلال، وخسارة في الدنيا والآخرة.
  • أم أي مشروع بدون أن يكون مدروسًا كيف ينبغي أن يكون؟

لا شك، وبشكلٍ بديهي، أن الخيار الأنجح والأقوى هو: المشروع الذي ينسجم أولًا مع هُــوِيَّتنا الإسلامية والإيمانية، هذا أول ما ينبغي أن نحسب حسابه، في المشروع الذي ننطلق على أَسَاسه لمواجهة أولئك، هم يتحَرّكون في إطار مشروع على أَسَاس أنه مشروع ديني.

أقوى دافع وحافز هو عندما نتحَرّك بمشروع ينسجم مع هُــوِيَّتنا الإسلامية والإيمانية، المشاريع التي لا تنسجم مع هُــوِيَّة الأُمَّــة، لن تكون الأُمَّــة مستعدةً للتضحية من أجلها بشكلٍ كبير، تتحمل كُـلّ الأعباء مهما كانت، لن تتوفر الحوافز ولا الدوافع اللازمة لذلك، وَأَيْـضًا بضمانة إلهية، عندما نتحَرّك وفق تعليمات الله، نحظى بمعونة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبوعده الصادق، وهي ضرورة تحتاج إليها الأُمَّــة أَيْـضًا في مرحلة الاستنهاض والتوعية والتعبئة.

عندما يكون هناك مشروع يستند إلى هُــوِيَّة هذه الأُمَّــة، إلى دينها، إلى عقيدتها، إلى ما تؤمن به، يمكن أن يمثِّل -فعلًا- عاملًا مهمًّا، مؤثِّرًا في الاستنهاض للأُمَّـة، وفي توعيتها، وفي تعبئتها؛ لأَنَّ الأُمَّــة بحاجة إلى استنهاض.

الأمة عانت من إشكالية الجمود تجاه المخاطر، والتفرُّج تجاه الكوارث، والتفريط في المسؤولية منذ بداية المشروع الصهيوني في منطقتنا، منذ أن بدأ الصهاينة يتدفقون إلى فلسطين بحمايةٍ بريطانية، كانت مشكلة الأُمَّــة هي: الجمود، وانعدام الوعي، بحاجة إلى وعي بمستوى أكبر، شعور بالمسؤولية بمستوى أكبر، فهي إشكالية بارزة، بارزة، واستمرت في كُـلّ المراحل هذه الإشكالية، وهي تكشف:

  • عن ضعف في الوعي.
  • وعن ضعف في حِسِّ المسؤولية.
  • وعن ضعف في الوازع الديني.

كانت بارزة في مقابل الهجمة الأمريكية الإسرائيلية بعد الـ 2001، نفس الحالة: حالة جمود، حالة حيرة، حالة غفلة، حالة غفلة كبيرة عن الإدراك لحجم الخطر، وعن الشعور بالمسؤولية تجاه ذلك، والإشكال أَيْـضًا أنها تتعاظم هذه الحالة، تتعاظم حالة الجمود، والاستسلام، والغفلة، تتعاظم وتكبر، وصولًا إلى مراحل التطبيع العلني لبعض الأنظمة، هي وصلت إلى هذا المستوى من التطبيع العلني؛ لأنها تدرك أن الواقع العام للأُمَّـة يساعد على ذلك.

ولـذلك الأُمَّــة -فعلًا- مفتقرة إلى استنهاضٍ قرآني، يَهُزُّ الضمير والوجدان، يحيي الشعور بالمسؤولية، يرفع مستوى الوعي، يوجد الدافع والوازع الديني، الذي يُحرِّك الأُمَّــة، وهو أرقى ما يمكن استنهاضها به، يعني: ليس هناك شيء يماثل القرآن الكريم، في أن يكون في مضمونه، وروحه، وأثره، مؤثِّرًا في الأُمَّــة، مُحييًا لها من جديد، بمثل ما هو القرآن الكريم، وَأَيْـضًا بمقتضى إيمانها، وانتمائها، وهُــوِيَّتها، هي تؤمن به أنه كتاب الله، أنه خطاب الله، أنه نداء الله، أنه تعليمات الله، ما فيه من الوعود أنها وعودٌ من الله، هو يَشُدُّها إلى الله، هو يعزز ثقتها بالله؛ لأنها فقدت هذه الثقة، فضعُفت بشكلٍ كبير.

وبمميزات أَيْـضًا عظيمة لا تتوفر في أي مشروعٍ آخر يكون بديلًا عن المشروع القرآني. هذا جانب.

الجانب الآخر: الأُمَّــة في حاجة ماسَّة جِـدًّا إلى إعادة ضبط مواقفها، وتوجّـهاتها، وولاءاتها، وعداواتها؛ وفقًا للمبادئ، والتعليمات، والأخلاق الإلهية، التي أتى بها الإسلام في القرآن الكريم، وعلى لسان رسول الله “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ”، هذه مسألة مهمة؛ لأَنَّ الأُمَّــة في حالة انفلات وفوضى: فوضى في المواقف، فوضى في الولاءات، فوضى في العداوات، تنطلق لتتبنى أي موقف، الكثير من أبناء هذه الأُمَّــة ينطلق لتبني أي موقف، دون أي اعتبار، لا لمبادئ إلهية، ولا لتعليمات إلهية… ولا غير ذلك؛ وبالتالي تتحول الخيانة في واقع الأُمَّــة، مع هذا الانفلات وهذه الفوضى، إلى وجهة نظر، تتحول العمالة للأعداء، والقتال معهم ضد أبناء هذه الأُمَّــة، إلى وجهة نظر؛ تتحول الجريمة، وممارسة الجريمة والطغيان، إلى ممارسات عاديّة تقتضيها التكتيكات العسكرية، بمثل ما هي الطريقة الأمريكية والإسرائيلية، كذلك الولاءات تشترى بالمال، تشترى بمكاسب سياسية محدودة زائفة، بمصالح مادية محدودة منتهية… وهكذا، تتحول الحالة العامة إلى حالة منفلتة، وحالة تتنافى تمامًا مع المبادئ والقيم والأخلاق.

والمسألة ليست بسيطة، بحيث يعتمد فيها على وجهات نظر، مجرَّدة عن المبادئ والقيم والأخلاق، حسابات سياسية، حسابات مصلحية زائفة، في قضية فيها ماذا؟ فيها فلسطين، فيها المُقدَّسات، فيها المسجد الأقصى مسرى رسول الله “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ”، فيها الشعب الفلسطيني، جزءٌ من هذه الأُمَّــة، مهدد في مصادرة حُرِّيَّته واستقلاله وكرامته، مظلوم ومضطهد بشكلٍ مُستمرّ، يُباد، ويُقهر، وتُنهب ممتلكاته، فيها فلسطين التي هي جزءٌ من هذه الأُمَّــة في أرضها وفي كُـلّ اعتباراتها، المسألة فيها خطر على مقدَّسات الأُمَّــة بشكلٍ عام، بما فيها أَيْـضًا مكة والمدينة؛ لأنها ضمن المشروع الصهيوني، الأُمَّــة بشكل عام مساحة جغرافية واسعة مهددة بالاحتلال المباشر، والبقية بالسيطرة والتحكم الكامل، فالمسألة فيها ظلم كبير، فيها أَيْـضًا طمس لهُــوِيَّة هذه الأُمَّــة، فيها جرائم، فيها فتن، فيها أمور كبيرة، ليست بمستوى أن تبقى الأمور فيها منفلتة.

فالأمة بحاجة إعادة الضبط في مواقفها؛ لتبقى مواقفها جزءًا من دينها، من أخلاقها، من مبادئها، من قيمها، ترتكز على هُــوِيَّة هذه الأُمَّــة، على مبادئها، على قيمها، على تعليمات الله لها، فالمسألة في غاية الأهميّة، المسألة فيها السيطرة على الأُمَّــة، فيها التدمير للأُمَّـة، مسخ هُــوِيَّة الأُمَّــة، استهداف لهذه الأُمَّــة في ولاءاتها وعداواتها أَيْـضًا.

يصل الحال -ولاحظوا- يصل الحال إلى درجة أن يحدّد لك الأمريكي والإسرائيلي أَيْـضًا من تعادي، يكون الإسرائيلي، الذي هو عدوٌ لك، اليهود الذين قال الله عنهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، يحدّد لك أنت الذي تقدم نفسك كمسلم من تعادي، فتتَّجه لمعاداته، تعاديه بكل وسائل العداء: إعلاميًّا، عسكريًّا، أمنيًّا… بكل وسائل العداء، ويحدّد لك الأمريكي من تعادي، يحدّد لك من توالي أَيْـضًا، ومن تسالم، ومن تحارب.

وهذا من أسوأ الضلال: أن تصل الأُمَّــة في إضلال الأمريكي والإسرائيلي لها، وإضلال اليهود لها، إلى درجة أن توجّـه في ولاءاتها وعداواتها، ومن توالي، ومن تعادي، ومن تحارب، ومن تسالم، وتصل إلى درجة ألَّا تعرف من هو العدوّ الحقيقي لها، هذا من أسوأ الضلال، دون مستوى ما عليه حتى بقية الحيوانات، الحيوانات تعرف أعداءها من الحيوانات، ولا ترتمي في أحضان أعدائها، الحيوانات لا ترتمي في أحضان أعدائها، وهي حيوانات، بغريزتها التي أودعها الله فيها، بما أودع الله لها أَيْـضًا من مستوى مُعَيَّن من الفهم والإدراك، فأن يصل واقع الكثير من أبناء الأُمَّــة إلى الاختلاط والاشتباه في مسألة: من هو العدوّ، ومن هو الصديق، ومن يوالون، ومن يعادون، ومن يحاربون، ومن يسالمون؛ إضلال رهيب إلى هذه الدرجة، حتى دون مستوى الحيوانات، أضل من الحيوانات.

ولـذلك تحتاج الأُمَّــة إلى القرآن الكريم، ضبط للموقف، كما قلنا: المسألة ليست عادية، هناك ظلم رهيب، منكر فظيع، إجرام، إفساد في الأرض، طغيان وشر، كُـلّ التحَرّك الأمريكي والإسرائيلي هو في إطار هذه العناوين، يعني: هو شر، هو إجرام، هو طغيان، هو ظلم، هو منكر، هو فساد؛ ولـذلك عندما تتحَرّك الأُمَّــة منفلتةً في مواقفها لصالحهم؛ فهي تشترك في كُـلّ ذلك، فالموقف منهم ليس مجرد وجهة نظر سياسية، وعلاقات سياسية، ومصالح مادية، ومكاسب هنا وهناك زائفة، بل له ارتباط مبدئي، وأخلاقي، وإنساني، وديني؛ لأَنَّ الدين الإسلامي له موقف، له موقفٌ من الظلم، هو دين العدل، هو ضد الظلم، ضد الإجرام، ضد الطغيان، ضد الفساد، ضد المنكر، النشاط العدواني اليهودي الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي هو يتلخص في: إضلال، وإفساد، وظلم، والدين له موقف من كُـلّ ذلك.

المشروع القرآني يعود بنا إلى القرآن الكريم:

  • للحصول أَيْـضًا على أعلى مستوى من الوعي، والبصيرة، والنور، والحكمة، والرشد، والهداية، وهذه كلها قد فقدها معظم أبناء هذه الأُمَّــة، يعني: فقدوا الوعي، البصيرة، النور، الحكمة، الرشد، الهداية، ونحن بحاجة ماسَّة أن نتحَرّك بوعي عالٍ عن العدوّ، عمَّا ينبغي أن نعمل، عن مسؤوليتنا، عن الواقع الذي نعيشه، عن الأوضاع من حولنا، عن التهديدات والمخاطر… الوعي في كُـلّ شيء.
  • ثم أَيْـضًا لزكاء النفوس، في مواجهة الإفساد اليهودي، والهجمات الرهيبة جِـدًّا، التي تهدف إلى إفساد الناس، نحتاج أن نتحصن بالقرآن الكريم؛ لزكاء نفوسنا، ولصون كرامتنا الإنسانية.
  • أيضًا للشعور بالمسؤولية، والموقف من شر وعدوان وإجرام الأعداء، أن علينا مسؤولية دينية.

ثم أَيْـضًا بالعودة إلى هُــوِيَّتنا الإسلامية والإيمانية والقرآن الكريم، نعرف أننا كمسلمين أُمَّـة علينا مسؤوليةٌ كبيرة، ولنا دورٌ محدّد، يتحتم علينا القيام به، وإلَّا كانت العواقب خطيرة في الدنيا والآخرة: وهذه مسألة مهمة جِـدًّا، وعنوانٌ كبير.

عندما نعود إلى القرآن الكريم، نعرف بناءً على هُــوِيَّتنا وانتمائنا للإسلام أننا أُمَّـة عليها مسؤولية كبيرة، ولها دورٌ محدّد، حدّده الله لها، إذَا فرَّطت في هذه المسؤولية، ولم تقم بهذا الدور؛ كانت العواقب وخيمةً بشكلٍ كبير عليها، في مقام الجزاء والحساب في الدنيا وفي الآخرة.

نحن المسلمون ننتمي إلى الإسلام، والرسالة الإلهية التي نؤمن بها، وبالقرآن الكريم أنه كتاب الله تعالى، ووحيه وتعليماته، وبالرسول محمد “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ” أنه رسول الله، وخاتم أنبياءه، نؤمن برسل الله وكتبه، فلدينا إرث الرسالة الإلهية، إرث الرسل والأنبياء، ونحن آخر الأمم، نحن آخر الأمم، نحن معنيون بحكم هذا الانتماء، هذه المسؤولية، أن نكون أُمَّـة تتحَرّك بالرسالة الإلهية، تدعو إلى الخير، وتتصدى للشر، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وأن نهتدي بكتاب الله تعالى، ونقتدي برسوله “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ”، وهذا الدور هو دورٌ عالمي؛ لأَنَّ الرسالة الإلهية هي للعالمين، رحمة للعالمين، كما قال الله لرسوله “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ”: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107].

ويقترن بهذا الدور معونة من الله، ليست حِملًا حمَّلنا الله إياه، ثم إذَا تحَرّكنا لنقوم به، يتخلى عنَّا، ويتفرج علينا، ويتركنا في وضعٍ صعب، بل يقترن مع ذلك معونة من الله، وتأييد من الله، ورعاية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

هذا الدور لهذه الأُمَّــة في إطار هذا المشروع الإلهي والرسالة الإلهية، أتى الحديث عنه كثيرًا في القرآن الكريم، من ذلك قول الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110]، (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) يعني: لها دورٌ عالمي، تتحَرّك لتكون خير أُمَّـة، هذه الخيرية مرتبطة بمدى ارتباطها بهذه المسؤولية، وحملها لهذه الرسالة، والتزامها بها.

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأكثرهُمُ الْفَاسِقُونَ}[آل عمران:110]، هذا الدور انتقل إلى أمتنا الإسلامية عن أهل الكتاب، يعني: كان هذا الدور ما قبل أمتنا الإسلامية، كان هذا الدور إلى من؟ إلى أهل الكتاب، (أهل الكتاب: أهل التوراة والإنجيل من قبلنا)، كانوا هم من تحملوا المسؤولية في أن يكونوا أُمَّـة نموذجية، تسعى في أوساط المجتمع البشري لنشر الخير، والحق، والعدل، والقيم، والفضائل، وتقيم حضارة متميزة، مستندة إلى ذلك، وتسعى إلى نشر الخير، ونشر الرسالة الإلهية في العالمين، ولكن انتقل هذا الدور عنهم، لماذا؟

بعد أن وصلوا هم في مستوى الانحراف عن الرسالة الإلهية، والتحريف لها، والتعطيل أَيْـضًا لها، إلى فقدان الأهلية بشكلٍ نهائيٍّ لهذا الدور، وتحوَّلوا إلى نقيضه، هم تحوَّلوا إلى نقيض للدور الذي كان عليهم القيام به، تحوَّلوا إلى مصدر للشر، للإضلال، لإفساد الآخرين، للإفساد في الأرض؛ ولـذلك فقدوا الأهلية للقيام بهذا الدور، ليكونوا رائدين في المجتمع البشري، بالقيم العظيمة الفطرية، التي فطر الله الناس عليها، للعدالة، للخير للشعوب والبلدان، للناس، فقدوا هذا الدور تمامًا، وفقدوا الأهلية لذلك بشكلٍ نهائي، وتحوَّلوا إلى النقيض منه تمامًا.

فهم حاقدون؛ لما جرى، لانتقال ذلك الشرف عنهم والدور الكبير إلى هذه الأُمَّــة (الأمة الإسلامية)، هم يدركون أنه دورٌ يقترن به مسؤوليةٌ من جهة، وهو شرفٌ عظيمٌ وفضلٌ عظيمٌ من الله، وفي نفس الوقت يقترن به عونٌ من الله، وتأييدٌ من الله، وبركةٌ من الله؛ لتمكين من ينهض به في أن يكون في صدارة الأمم، متميزًا بهذا الدور، وليس مستعليًا بالظلم، والطغيان، والإجرام، والنهب للشعوب، والظلم لها، والاضطهاد لها، والقهر لها؛ بل لإيصال هذا الخير إليها، بل لنشر الحق والعدل والقيم العظيمة، فهم حاقدون؛ لأنهم يدركون أن ذلك يقترن به مسؤولية، وتمكينٌ إلهي، كما جرى في صدر الإسلام، ليست المسألة مجرد كلام، كلام رائع، لكن لا وجود له في الواقع.

حدث هذا في صدر الإسلام، بعد أن تحَرّك رسول الله “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ” من نقطة الصفر، وبدأ المشوار من نقطة الصفر، وبنى الأُمَّــة الإسلامية، فوصلت إلى صدارة الأمم، وهي تحمل راية الإسلام، راية الفضائل، راية الحق والعدل، متميزةً بحمل هذا النور الإلهي، وهذه الرسالة المقدَّسة والعظيمة، كما جرى في صدر الإسلام، مع أنهم -أهل الكتاب آنذاك ومن معهم، من تحَرّك معهم من وثنيين ومشركين من العرب- حاولوا منع ذلك بكل جهد، استخدموا مختلف المؤامرات والمكائد والحروب، ولكنهم فشلوا.

الأمة آنذاك، بقيادة رسول الله محمد “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ”، وصلت إلى صدارة الأمم، انهارت في مواجهتها كُـلّ تشكيلات الأعداء:

  • من اليهود أولًا.
  • من الوثنيين في الجزيرة العربية ثانيًا.
  • وتهاوت الإمبراطوريات من حولهم ثالثًا.

وانتصرت الرسالة الإسلامية في السَّاحة بذلك المشروع، والأُمَّة بذلك المشروع، وتلك القيم، وذلك الدور، وهذا الدور دور عظيم، يختلف عن سيطرة وعلو المستكبرين، الظالمين، الطامعين، وما ضاعت الأُمَّــة فيما بعد ذلك، إلَّا لمَّا أضاعت مسؤوليتها المقدَّسة، فانحدرت الانحدار الكبير الذي استغله أولئك الأعداء التاريخيون من جديد.

الله بيَّن في القرآن الكريم حقدهم، وحسدهم، وإدراكهم هم أن هذا الدور لهذه الأُمَّــة هو فضلٌ عظيم وشرفٌ كبير، في آيات كثيرة جِـدًّا في القرآن الكريم، كثيرة جِـدًّا، في: سورة البقرة، وآل عمران، وسورة النساء، وسورة المائدة… وغيرها، وفي سورة التوبة أَيْـضًا، في سورة الصف، في سورة الجمعة،… وغيرها، سور كثيرة في القرآن الكريم، من ذلك:

  • قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا}، لماذا؟ {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}[البقرة:109].
  • يقول عنهم: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}[البقرة:90].
  • يقول عنهم: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}[آل عمران:69].
  • يقول عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة:105].

بعد هذا التشريف الإلهي، هذا الدور العظيم، الذي يقترن به تمكينٌ من الله، وشرفٌ وفضل، كيف تعود الأُمَّــة إلى تسليم أولئك الذين انتقل عنهم هذا الدور، طُرِدُوا من ساحة الفضل الإلهي؛ لأنهم هم من وصلوا إلى مستوى فقدان الأهلية بشكلٍ نهائي، كيف تعود الأُمَّــة إلى تسليمهم زمام أمورها، وتتحول إلى تابعةٍ لهم ومطيعة، فيما هو خسرانٌ مبين في الدنيا والآخرة، بل يتحَرّك البعض لمناصرتهم والولاء لهم؟!

أمة الملياري مسلم، لا نقول أنَّ هذه المسألة فقط لما مضى في صدر الإسلام، هي مسؤولية مُستمرّة، وأمة المليارَي مسلم تمتلك المقومات للنهوض بهذه المسؤولية، وهذا الدور:

  • أولُ هذه المقومات: هو الهدى، هو النور، القرآن الكريم الذي يؤهلها لذلك، في رؤيتها، وحكمتها، وبصيرتها، ورشدها، وزكائها، وأخلاقها، وأهدافها، وحضارتها، تحتاج إلى العودة لهذا القرآن الكريم، وإلى الاقتدَاء برسول الله “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ”، وتصحيح وضعيتها على أَسَاس ذلك.
  • لديها مقومات مادية، ومقومات بشرية، ورقعة جغرافية مميزة جِـدًّا، ثروات هائلة، الكثير منها يهدر جزءٌ كبيرٌ منه لصالح أعدائها.

وهي عندما أضاعت مسؤوليتها؛ كان لذلك نتائج كبيرة جِـدًّا، تركت فراغًا كبيرًا في الساحة العالمية، فراغًا كبيرًا من هذا الدور: أن يكون هناك من يسعى لنشر الخير في البشرية، في المحافظة على الكرامة الإنسانية، وإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية في نشر الحق، في نشر العدل، في مواجهة الظلم، والطغيان، والفساد، والإجرام، هذه حاجات أَسَاسية للمجتمع البشري، ليست أمورًا يمكن أن يستغني الناس عنها، هل يمكن أن يستغني الناس عن العدل، وأن يكون الظلم بديلًا مريحًا لهم، لمصلحتهم في حياتهم؟! أَو أن يكون المنكر والفساد والإجرام بديلًا صالحًا لحياتهم؟! كم هي نسبة المعانين من أوساط المجتمع البشري في مختلف أقطار الأرض؟ نسبة عالية جِـدًّا.

ولـذلك الفراغ هذا الذي تركته الأُمَّــة فراغ خطير، قوى الشر الظلامية استغلته، واتَّجهت بطغيانها وإفسادها، وظلمها وظلامها وإجرامها، وبتوجّـه عالمي، أمريكا و”إسرائيل”، الحركة الصهيونية في العالم هي تتحَرّك في إطار توجّـه عالمي، وهي مصدر شر، شر يعاني منه الناس في مختلف الشعوب، كم عانت الشعوب والبلدان من أمريكا في مختلف الساحة العالمية، بلدان حتى في غير العالم الإسلامي، في غير العالم الإسلامي؟

ماذا فعلته أمريكا باليابان؟ ماذا فعلت في ألمانيا؟ ماذا فعلت أَيْـضًا في -كذلك- فيتنام، في بلدان كثيرة جِـدًّا، في شعوب أمريكا اللاتينية؟ ماذا فعلته بدءًا من أمريكا نفسها، ضد الهنود الحمر؟ كم ظلمت! كم أجرمت! كم تنهب على الشعوب من ثروات، وتحرمها منها، وتتركها للمعاناة والبؤس، ثم تُقدِّم الفتات القليل الضئيل؛ لخداعها، وهي نهبت عليها الكثير الكثير جِـدًّا، وحرمتها من خيراتها! كم تُرَوِّج للأباطيل، والخرافات، والأفكار الزائفة، التي تُضِلُّ بها البشرية، وتحرفها عن المسار الصحيح، والاتّجاه الصحيح، وتدخلها في عمى وفقدانٍ للبصيرة والرشد الفكري… وغير ذلك! كوارث رهيبة جِـدًّا، مصدر شر، إجرام، طغيان، إفساد، ظلم، قتل، كم قتلت من أبناء المجتمع البشري في مراحل متنوعة ومتعددة؟

أمريكا قتلت الملايين، يعني: في الإحصائية الأخيرة، وهي إحصائية أمريكية، خلال العشرين عامًا، والتي يفترض أنها أقل مما قد سبق، في مستوى ما فعلته أمريكا؛ لأَنَّ أمريكا ما قبل ذلك قتلت الناس بالقنابل النووية والذرية، لكن حتى فيما بعد خلال العشرين عامًا الأخيرة، الإحصائية تقول، وهي إحصائية أمريكية: أن أمريكا قتلت أكثر من أربعة مليون إنسان، معظمهم من العالم الإسلامي، وكثيرٌ منهم -مئات الآلاف، وقد تكون نسبة بالمليون أيضًا- من الأطفال والنساء.

أمريكا مصدر إجرام كبير، عدوانية، وعدوانيتها واضحة: تتهدد البلدان، تضغط عليها عسكريًّا، تصنع أفتك السلاح المدمر، وتستهدف به الأطفال والنساء، تستهدف به خيم النازحين، تستهدف به المدن، أمريكا تصنع قنابل لتدمير المدن، وهي تعرف أن الساكنين في المدن هم المدنيون؛ استباحة لحياة الناس، فهي مصدر شر كبير تعاني منه المجتمعات البشرية.

هي أَيْـضًا مصدر فساد ونشر للرذيلة: تنشر الرذائل، تنشر الفساد الأخلاقي، تفكك المجتمعات، تُمزِّق النسيج الاجتماعي، تحارب الفضائل والقيم، تسعى لتمييع المجتمع البشري، تُدَمِّر الأسرة في المجتمع البشري.

مصدر نهب للثروات: كُـلّ هذا تقترن به حقائق كثيرة، أرقام كثيرة، شواهد كثيرة جِـدًّا، مصدر نهب للثروات، وحرمان للشعوب منها، مع أسلوب الخداع -كما قلنا- لتقديم الفتات الضئيل؛ للخداع.

مصدر ظلم شامل، ومحاربة للعدالة، فعلًا ومحاربة لإقامة العدالة، أي توجّـه لإقامة العدل، توجّـه صحيح، تحاربه أمريكا ومعها “إسرائيل”.

هذا الفراغ الذي استغلته أمريكا بشرها، لمَّا تخلَّت الأُمَّــة التي كان عليها أن تكون مصدر خير للبشرية، مصدرًا لنشر العدل في البشرية، مصدرًا لنشر الفضائل في المجتمع البشري، مصدرًا -كذلك- لإيصال الإنسانية إلى بَرِّ الأمان في مسيرتها في إطار الرسالة الإلهية… وغير ذلك؛ أتى أولئك، تركوا الساحة لأولئك المجرمين واليهود.

القوى الأُخرى في العالم لا تمتلك المقومات الأخلاقية والمعرفية للوقوف بوجه الشر الأمريكي، والتصدي لذلك، والخطر اليهودي، والإضلال والإفساد اليهودي، والإسرائيلي، والأمريكي، والصهيوني؛ (فاقد الشيء لا يعطيه)، يعني: هناك قوى في الساحة العالمية تناوئ أمريكا، تنافسها، لكن منافسة اقتصادية، سياسية؛ لكن لا تمتلك مقومات بهذا المستوى، لا تمتلك المشروع الإلهي، القيم الإلهية، التعليمات الإلهية العظيمة جِـدًّا، الراقية، لا تمتلك الهدى الذي يُزَكِّي النفوس، والذي له دور كبير في إصلاح المجتمع البشري.

أيضًا هناك كيانات شُكِّلَت، مثل: محكمة العدل الدوليَّة، الجنائية الدوليَّة، مجلس الأمن، الأمم المتحدة، كُـلّ هذه دورها في الأَسَاس هو ضد المستضعفين، إذَا كانت وصلت في مراحل معينة -للضرورة القصوى؛ لأنها انكشفت جدًا- إلى الحاجة أَو الضرورة إلى تبني مواقف مُعَيَّنة من أحد من المستكبرين؛ تُفرض عليها عقوبات ويُشنّ عليها ذلك، مثلما حصل مع الجنائية الدوليَّة، أمريكا فرضت عليها عقوبات، لم تعد أمريكا تحترم القضاء كما يُقدِّمون أنفسهم، وفي نفس الوقت ماذا؟ كثيرٌ من الدول تسخر منها، وقراراتها لن تلقى لها أية قابلية في الواقع عند أكثر الدول.

ولـذلك الأُمَّــة المسلمة هي المعنية أن تكون هي الرائدة والقائمة بالدور: في الدعوة إلى الخير للمجتمع البشري، في التصدي للشر وللأشرار، في الأمر بالمعروف الذي تعرفه الفطرة البشرية، وهو في الدين الإلهي والتعليمات الإلهية، والنهي عن المنكر، وتنكره الفطرة البشرية السليمة، والقيام ضد الظلم، والسعي للعدالة، وأن تُقدِّم بادئ ذي بدء النموذج من واقعها، من واقعها الداخلي.

الأمة هي المعنية بهذا الدور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}[النساء:135]، {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ}[المائدة:8]، في آيتين قرآنيتين، دور مهم، تخلَّت الأُمَّــة عن هذا الدور، وكان تخليها عنه إسهامًا لدعم المفسدين في الأرض، من تلك القوى، قوى الشر الظلامية التي تقودها الصهيونية واليهود؛ فاتَّجهوا هم ليملأوا الأرض بشرهم، وفسادهم، وطغيانهم، وظلمهم، وظلامهم، ثم كانت الأُمَّــة ضحيةً لذلك، أصبحوا هم يتَّجهون إلى أُمَّتنا بشرهم؛ ليملؤوها بالشر، وليدفعوا الكثير من أبنائها معهم؛ لنصرة الشر، والوقوف مع الشر، لنشر المنكر بكل أشكاله، من: ظلم، وفساد، وإجرام، وباطل… وغير ذلك، ولمحاربة المعروف، لنشر الظلم والسيطرة على الثروات، وهذا الذي حصل؛ ولــذلك نرى الآن بكل وضوح أن الساحة العالمية تفتقر إلى إعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية، وللأخلاق، وللعدالة، ولإقامة القسط.

أمَّا الصهيونية وأذرعها (أمريكا، و”إسرائيل”، وبريطانيا، ومن يدور في فلكهم، والنظام الغربي) فهم يُشَكِّلون خطورة على بقية الشعوب، بجشعهم، وطمعهم، وطغيانهم، وإجرامهم، وفسادهم، وخداعهم، كلهم خداع، كُـلّ أساليبهم للخداع، وهم يُشكِّلون مصدر قلق كبير، قلق كبير.

الأمريكي الآن واضحٌ في مستوى جشعه وطمعه، وعدوانيته وظلمه، وليس للعدالة عنده أي قيمة أبدًا، [ترامب] اتَّخذ قرارًا بتغيير اسم [الخليج المكسيكي] إلى [الخليج الأمريكي]؛ ليصادر على المكسيك حقوقها، يتَّجه إلى السيطرة على بلدان هناك، حتى في خارج العالم الإسلامي؛ أمَّا في العالم الإسلامي فمعه برنامج أسوأ وأخطر بكثير، فالمسألة مؤلمة جِـدًّا فيما يحصل الآن، وما فعلته أمريكا ببلدان كثيرة.

ولـذلك نحن نقول لِأُمَّتنا: ما يريده الله لكم، يا أيها العرب، يا أيها المسلمون، ما يريده الله لكم هو أرقى وأعظم مما تطمحون إليه من ارتهانكم لأعدائكم، الذين لا يريدون لكم أي خير إطلاقًا؛ وإنما يريدون استغلالكم، والاستفادة من إمْكَاناتكم، يريد الله لكم أن تكونوا أنتم سادة الأمم، وقادة المجتمع البشري، وأن يمكنكم من ذلك، ولكن ليس لتظلموا وتفسدوا، كما يفعل اليهود وأمريكا و”إسرائيل”؛ بل لأداء دورٍ راقٍ، ولبناء حضارةٍ إسلاميةٍ نموذجية؛ ليبقى في المجتمع البشري من ينشر الخير والعدل، ويحفظ الكرامة الإنسانية.

أمَّا في إطار أمريكا ومع “إسرائيل”، لن تكونوا إلا عبيدًا لهم، خانعين لهم، وظالمين، ومفسدين، وداعمين للمنكر، وساقطين إنسانيًّا وأخلاقيًّا إلى الحضيض، وهم ليسوا مصدر خيرٍ للبشرية، وإلَّا فما الذي ينقصهم؟ سيطروا، لديهم الإمْكَانات الهائلة، أين الظلم الكبير إلَّا منهم! أين الإجرام الفظيع إلَّا فعلهم! ما عانت البشرية من نشرٍ للفساد وتضييعٍ للفضائل والقيم هو بسعيهم.

نحن رأينا ونرى، ويرى غيرنا، حالة التدني والتراجع الإنساني والقيمي في واقع الأُمَّــة، تجاه ما يجري في داخلها وعلى أبنائها، ما بالُك ببقية العالم، وكان ذلك بارزًا تجاه ما قام به العدوّ الإسرائيلي من إجرام فظيعٍ، وإبادة جماعية، ضد الشعب الفلسطيني، مع أن مسؤولية الأُمَّــة واضحة ومعروفة، عليها مسؤولية واضحة: أن تنصر الشعب الفلسطيني، أن توقف الإبادة الجماعية، التي يرتكبها العدوّ الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولكنها لم تقم بها، فلماذا؟

هذا يدل على أن هناك عمل مُستمرّ، لإيصال الأُمَّــة إلى هذا المستوى من التدني والتراجع، على مستوى الضمير الإنساني، على مستوى الإحساس بالمسؤولية، على مستوى النهوض بالدور الذي عليها القيام به، على مستوى إدراكها لحقيقة المخاطر التي تهددها.

هذا يدل بشكلٍ واضح إلى الضرورة القصوى لإعادة استنهاضها قرآنيًّا، الأُمَّــة في حالة تراجع كبير، بحاجة إعادة استنهاض على المستوى العام، استنهاضها قرآنيًّا، وتعبئتها إيمانيًّا؛ لأَنَّ القرآن الكريم مصدر للهداية، ولتزكية النفوس، ويرتقي بالناس إلى المستوى المطلوب، بل إلى المستوى الراقي في الإنسانية، في الوعي، في سمو الروح.

ثم مع المقومات، والمسؤولية، والدور، هناك مسألة مهمة، وهي: علاقة الأُمَّــة مع الله تعالى، الحي القيوم، هي مرتبطةٌ بمدى قيامها بدورها، ونهوضها بمسؤوليتها، وإلَّا فهناك عواقب وعقوبات: عقوبات في الدنيا، وعقوبات في الآخرة، إن استجابت لله، حظيت بالمعونة والنصر، والله وعدها، وقدَّم لها الوعود، التي هي وعود حقيقية لا تتخلف ولا تتبدل، وقدَّم لها الضمانات الكافية؛ وإلَّا خسرت إذَا لم تنهض بمسؤوليتها، وخسر أولئك في نهاية المطاف، يعني: حتى قوى الشر الظلامية هي خاسرة، هي تتَّجه بالمجتمع البشري إلى الخسران، تتَّجه بمن يطيعها ويواليها، ويتجه معها من أبناء أمتنا، إلى الخسران، طريقهم ليس طريقًا للنجاح، ولا للفلاح، هو طريق التلاشي، الانهيار، السقوط، وهو طريقٌ عاقبته الحتمية واضحة، توعَّد الله بها في القرآن الكريم، وشواهدها التاريخية كبيرة جِـدًّا.

مع كُـلّ ذلك، يبقى للحق والنور امتداده، مهما كانت حالة الارتداد عن مبادئ الدين، مهما كانت حالة التنكر والتجاهل، بل والتهرب من هذا الدور العظيم، الدور المشرِّف، التحَرّك بالرسالة الإلهية، بنورها، وخيرها، وعدلها، وفضائلها، وقيمها الراقية، وتعليمات الله فيها، مهما كان هناك من المتنكرين لهذه المسؤولية، لهذا الدور العظيم، مهما كان هناك من ارتداد في الولاء، من اتّجاه مع الأعداء، هذا الدور سيبقى مُستمرًّا، يبقى للحق والنور امتداده، والمسار مُستمرّ.

قد يضيع الكثير حتى من أبناء الأُمَّــة، قد تكون حالة الارتداد والتراجع واسعة، لكن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54]، قد تكون هناك صعوبات، تضحيات كثيرة، أسبابها في كثيرٍ من الأحيان يعود إلى إشكالات، إلى عوائق، إلى خلل، إلى ضعف في التفاعل، في الالتزام؛ ولكنَّ المستقبل، والأمل، والنصر المحتوم، هو لصالح الذين يستجيبون لله تعالى.

المشروع الإلهي، والرسالة الإلهية، بقرآنها، بنورها، بعدلها، بمبادئها وقيمها، أتت لتبقى، ولم تأت لتسقط وتضيع، وتتلاشى وتنتهي، ثم تكون الأرض خاضعةً للطغاة والمجرمين إلى النهاية، إلى قيام القيامة، الله يقول: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، هو الذي يقول: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[الصف:8]، وفي آيةٍ أُخرى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[التوبة:32].

هذا الدين، هذا الحق، هذا النور، سيبقى، سيظهر، المستقبل له، {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} كما وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الوعد الإلهي المحتوم: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء:105]، الوعد الإلهي المحتوم المؤكّـد بزوال الكيان الصهيوني المجرم، الغاصب، الظالم، المفسد في الأرض: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أول مَرَّةٍ}[الإسراء:7]، الوعد الإلهي في قوله تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}[الإسراء:8]؛ فلذلك هي وعود إلهية، تتحقّق على رغم أنف الأعداء الظلاميين، قوى الشَّرّ الظَّلامِيَّة مِنَ المنحرفين عن رسالة الله تعالى، والمحرفين لها، من أهل الكتاب، هم مُتَّجهون إلى الفشل في نهاية المطاف، والكيان الإسرائيلي كذلك مُتَّجِهٌ إلى الزوال بإذن الله تعالى.

ولـذلك حال التائهين من أبناء الأُمَّــة، حال الذين لم يثقوا بوعود الله، ولم يستبصروا بنور الله، ولم يستنيروا بنور القرآن الكريم، حالهم تجاه هذه الحقائق، وتجاه هذه المتغيرات التي سيصنعها الله، سيصنعها على أيدي الثابتين على نهجه، والمستجيبين له، كحال ابن نوح العاصي، المنعزل عن نهج الله الحق، في قصة الطوفان بعد ما ناداه والده: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}[هود:42-43]، يتصورون في أمريكا وفي “إسرائيل” ذلك الجبل، الذي يعصمهم من طوفان الله الآتي حتمًا، ولكنهم سيهلكون، سيغرقون، سيضيعون، عندما اتَّجهوا مع الكافرين، مع الظالمين، مع جبهة الشر والطغيان، والظلم والضلال.

من يتصور أنه بولائه لأمريكا و”إسرائيل”، ونصرته لهما، بما يترتب على ذلك من مواقف ظالمة، وتراجع عن مبادئ وقيم الإسلام، والتعاليم الإلهية، وبرمجة لكل الشؤون وفق إملاءاتهم المضلة، المفسدة، من يتصور أنه قد ضمن مستقبله، فهو خاسر وخائب، وعاقبة أمره هي الخسران في نهاية المطاف، كما هو الوعد الحتمي في القرآن الكريم في (سورة المائدة): {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَو أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}[المائدة:52]، العاقبة هي الندم، وهي الخسران.

نحن في المقابل -بتوفيق الله تعالى، وبهدايته- نؤمن بيقين: أن ضمان المستقبل في الدنيا والآخرة؛ لأَنَّ المسلم يحسب في حساباته مع الدنيا الآخرة، والآخرة أرجح، وأبقى، وآثر، وأن العزَّ والخير هو بالتولي لله تعالى، والتمسك بكتابه وهديه، والوقوف موقف الحق، والتحَرّك في إطار المهام والمسؤوليات الإلهية المقدَّسة والمباركة، في حمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولـذلك نحن نقف ضد منكر أمريكا و”إسرائيل”، والصهيونية، وباطلها، وشرها، وظلامها، وطغيانها، ضد العدوّ الإسرائيلي، ضد المشروع اليهودي الصهيوني، ونحن بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبهذا التوجّـه القرآني الإيماني، أحرار بما تعنيه الكلمة، لم نُعَبِّد أنفسنا للطاغوت، ونحن نريد الحُرِّيَّة لأمتنا، ولكل البشر، ونريد الخير لأمتنا، ولكل الناس، وما نقدمه من تضحيات في هذا المشروع العظيم، وفي هذا الطريق المبارك، هي تضحياتٌ محسوبةٌ في سبيل الله تعالى، قربانٌ إلى الله، لها نتائجها الطيبة؛ بينما الآخرون يخسرون، ولكن بعد خسران الدنيا خسران الآخرة، والعياذ بالله.

أمريكا هي راعية الشر، وهي راعية المنكر والإجرام، وهي داعية الضلال والباطل، هي محاربةٌ للمعروف، هي معاديةٌ للحق، تسعى على الدوام لمصادرة حقوق الآخرين، تسعى لاستعباد الناس من دون الله، وإخضاعهم لسياستها، وطغيانها، وتوجّـهاتها الظالمة؛ ولـذلك فمن الخير والفلاح أن يكون الإنسان ضدًا لتوجّـهاتها الظلامية، ولطغيانها وإجرامها، ما يصدر منها من مواقف عدائية ظالمة ليس غريبًا عليها، ومن يؤيِّد ما يصدر عنها، يتورط معها في الوزر الفظيع.

حساباتنا، والحسابات التي ينبغي أن يحسبها كُـلّ أبناء أمتنا، حسابات تكون على أَسَاس مبادئ الدين، وقيمه، وتعاليم الله تعالى، تأتي فيها الأمور الكبيرة كبيرة؛ ولـذلك فأمريكا و”إسرائيل” هما جبهة الشر والظلم، في أكبر مستوى من الظلم والشر، والإجرام والطغيان، وهما مصدر الفساد، لنشر أسوأ مستوى من الفساد والرذيلة؛ ولـذلك فالمصداقية في الانتماء الديني أن تكون في اتّجاه مناوئ لهما؛ لتكون ضد الظلم الأكبر، والمنكر الأكبر، والشيطان الأكبر، وليس أن تتولاهما، وتدعمهما، وتتورَّط في ذلك بالاشتراك معهما في الظلم والطغيان، ثم تكتفي من الإسلام بطقوس، تحولها إلى طقوس شكلية، وتُفَرِّغها من مضمونها الحقيقي، فقد كانت جبهة الكفر ما قبل الإسلام تحج وتعمر المسجد الحرام، ثم تتجه لحرب رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ” والإسلام. أمريكا و”إسرائيل” شرٌّ على المجتمع البشري، وشرٌّ مُستمرّ يجب الموقف ضده، وليس إخضاع الأُمَّــة له، ومعأدَاة من لا يخضع له.

القضية الفلسطينية باقية، وإخوتنا المجاهدون في فلسطين جبهةٌ ثابتة، أثبتت صمودها، وثباتها، وتماسكها، وجدارتها بهذا الدور الذي تقوم به، وبأن تكون -فعلًا- في مقدمة الأُمَّــة، وطليعة الأُمَّــة، لمواجهة العدوّ الإسرائيلي؛ ولـذلك يجب تقديم الدعم لإخوتنا المجاهدين هم، يجب مساندتهم بكل أشكال المساندة، وليس أن يتَّجه البعض لدعم أمريكا الداعمة لـ “إسرائيل”، والتي سَخَّرت كُـلّ إمْكَاناتها لدعم “إسرائيل”، وإبادة الشعب الفلسطيني، وكان كُـلّ الدمار في قطاع غزة هو بقنابلها وقذائفها، وبإشرافها، ودعمها، ومساندتها؛ ثم يتَّجه البعض إلى تقديم المكافأة لمن؟ ليس للشعب الفلسطيني المظلوم، والمضطهد، والمدمَّر، والمعتدى عليه، وليس لمجاهديه الثابتين الأعزاء، تقديم تريليون دولار لمن؟ لأمريكا، التي هي بكل ذلك الشر والإجرام من قدمت أكبر دعم لذلك الظلم والطغيان ضد الشعب الفلسطيني، بعد كُـلّ ما حدث، وحدث كله بالقنابل الأمريكية.

نحن في مسيرتنا القرآنية، وشعبنا اليمني العزيز بهُــوِيَّته الإيمانية، مُستمرّون وثابتون على موقفنا، ونهجنا، وتوجّـهنا، نعتمد على الله تعالى، ونتوكل عليه، ونثق به، وهذا هو أَسَاس موقفنا المناصر، بحقٍّ وصدقٍ وجدٍ للشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزاء، هذا هو يمن الإيمان والمدد والسند، الذي يستمر في هذا الدور المساند، والداعم، والواقف بجدّ، والتحَرّك الشامل عسكريًّا وفي كُـلّ المجالات، كما تحَرّكنا على مدى خمسة عشر شهرًا -بتوفيق الله تعالى- على المستوى العسكري تحَرّكًا فعالًا وقويًّا، ضد العدوّ الإسرائيلي:

  • في فرض حصارٍ بحريٍّ تامٍ في الملاحة عبر البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي.
  • والإيقاف والإغلاق لميناء أم الرشراش الذي يسميه العدوّ بـ [إيلات].
  • وفي الاستهداف للأعداء الصهاينة بالصواريخ والمسيَّرات إلى عمق فلسطين.

وفي التصدي للعدوان الأمريكي بفاعلية عالية، ومعنوياتٍ كبيرةٍ إيمانية:

  • في القصف والاستهداف لبارجاته وسفنه الحربية.
  • ومنع سفنه التجارية من العبور.
  • والاشتباك مع حاملات طائراته، وطردها من مسرح عملياتها، ومن البحرين (الأحمر، والعربي).
  • والتصدي الفعَّال بالدفاع الجوي لطائرات التجسس والعدوان، التي تم إسقاطُ أربعَ عشرةَ طائرةً منها.

والتحَرّك الشعبي المليوني، الذي قدَّم أعظم صورة قوية وعظيمة عن التوجّـه العظيم والشجاع لشعبنا، واستمر خمسة عشر شهرًا في مختلف الظروف والأحوال، من حرٍّ، وبردٍ، ومطرٍ، وفي الصوم، ومع القصف، ولم يتأثر بالحملات الدعائية المعادية، ولم يتراجع لفتورٍ، أَو كللٍ، أَو ملل.

في التحَرّك القوي أَيْـضًا للجبهة التثقيفية والتوعوية، التي استمرت وتستمر، من أبطالها من العلماء، والخطباء، والثقافيين المجاهدين، بشكلٍ مكثّـف وقوي، وقدَّمت صورةً مغايرة عن حالة المتخاذلين والمدجنين.

في التحَرّك القوي في الجبهة الإعلامية، وفرسان الإعلام الذين بذلوا جهدًا عظيمًا جهاديًّا في الميدان الإعلامي، وتحَرّكوا بشكلٍ عظيمٍ وفعَّال، إلى درجة أن الأمريكي يصيح من قوة دائهم وتأثيره.

مسيرتنا القرآنية من يومها الأول كانت محاربةً بإشرافٍ أمريكيٍّ مُستمرّ، وعبرنا -بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- مراحل صعبة جِـدًّا، وكنا في كلها مظلومين لا ظالمين، ومعتدًا علينا، ولسنا معتدين، وبعون الله تعالى تحقّقت الانتصارات الكبرى والنقلات العظيمة، وأصبحنا الآن في مستوى متقدم من القيام بدورنا، في التصدي للشر والإجرام الأمريكي والإسرائيلي.

نحن في هذه المرحلة نراقب ونتابع مجريات تنفيذ الاتّفاق في غزة، وتطورات الوضع في جنين والضفة، ونحن ثابتون على موقفنا المعلن الواضح، في جهوزيتنا المُستمرّة، واستعدادنا الدائم لنصرة إخوتنا في فلسطين؛ ولـذلك إذَا تورَّط العدوّ الإسرائيلي في النكث بالاتّفاق، والعودة إلى التصعيد والإبادة الجماعية، سنعود إلى التصعيد.

ثم كذلك نحن ثابتون على المعادلة، التي سبق وأن أعلنها شهيد الإسلام والإنسانية، السَّيِّد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، فيما يتعلق أَيْـضًا بالمسجد الأقصى، وسنبقى على تنسيقٍ مُستمرّ مع إخوتنا المجاهدين في فلسطين، وإخوتنا في محور الجهاد والقدس، تجاه أية تطورات للوضع، وكذلك في جهوزيتنا الدائمة والمُستمرّة للتصدي لأي عدوانٍ أمريكيٍّ على بلدنا.

نصيحتنا للموالين لأمريكا والمسترضين لها بالحذر من التورّط: أيُّها الأغبياء، كونوا أذكياء ولو لمرةٍ واحدة، وفي موقفٍ واحد وقرارٍ واحد، دعوا أمريكا و”إسرائيل”، وحرضوهما كما تشتهون، وكما أنتم تفعلون أصلًا، ولكن اتركوها، اتركوا أمريكا لتفعلَ ما تشاءُ في مواجهتنا، فلتصنف ولتحارب، ولتفعل ما تريد أن تفعل، نحن سنواجهُها بعون الله تعالى، ونتصدى لأي عدوانٍ منها مهما كان مستواه، لكن لا تتورَّطوا معها، هذه نصيحتُنا لكم، تفرَّجوا وتربَّصوا، كما هي عادتكم في التربص، تربَّصتم على مدى خمسة عشر شهرًا، وخابت آمالكم، وكانت حالة الحسرة واضحةً عليكم.

{وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[هود:121-123].

نَسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

السَّلَامُ عَلَى شَهِيْدِ القرآن، وَنَسْألُ اللهَ أَنْ يُجْزِيَّهُ عَنَّا خَيرَ الجَزَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com