الصمادُ.. عزةٌ وإباء
فاطمة الراشـدي
من رحاب الشهادة ومن عمق التضحية والإباء ومن وسط ذلك الظلم الذي كانت تعيشه اليمن، انطلق الشهيد “صالح علي الصماد” ملتحقًا بموكب أصدقائه السابقين، راكبًا لسفينة النجاة بقيادة “الشهيد القائد” الذي تتلمذ على يده ونهل علم آل بيت رسول الله منه، ليكون بذلك أعظم قائد وأعظم رئيس عرفته الأُمَّــة.
ولد صالح الصماد في عام 1979 في مديرية سحار بمحافظة صعدة، ونشأ في بيئة بسيطة، حَيثُ تعلم قيم الشجاعة والكرامة من والديه، ولم تكن أسرته بذلك الغنى أَو الترف بل كان من أسرة كريمة متواضعة تعمل في مجال الزراعة والتجارة، وكان محبًا للعلم منذ صغره، فدرس في جامعة صنعاء وتخرج منها ليصبح مدرسًا في مدرسة عبد الله بن مسعود.
وبمرور الوقت، ومع بدء تدهور الأوضاع في اليمن، وجد صالح الصماد نفسه في قلب الأحداث، فلم يكن الصماد مُجَـرّد قائد عسكري، بل كان رمزًا للتحدي والصمود في وجه العدوان.
جاهد وانطلق من أولى الحروب فكان المجاهد الأول، حَيثُ شارك في الحرب الثانية فكان المخطّط فيها والمنفذ لعملية اقتحام صعدة آنذاك.
وكان أَيْـضًا أحد البارزين في الحرب الثالثة، فكان ممن يدعو الناس ويحاضرهم ليشدهم لمشروع المسيرة القرآنية، ويضع لهم الخطط الميدانية اللازمة.
وفي الحرب الرابعة كان قائداً لجبهة واسعة ضد السلطة الظالمة، وكان أحد مخطّطي ومنفذي عملية تحرير منطقة مران من النظام الظالم.
وبالإضافة إلى جميع أعماله السابقة، كان الصماد هو حلقة الوصل في الحرب الخامسة والسادسة بين السيد القائد وبقية الجبهات، ولا تزال تلك الرسائل محفوظة حتى اليوم.
وخلال فترة الحرب السعوديّة على اليمن، عاش الصماد حياة صعبة مع أسرته، فكان منزله في صعدة يتعرض للقصف السعوديّ بشكل متكرّر مما أَدَّى إلى تدميره وتدمير مزارعه، وقد استشهد اثنان من أشقائه خلال الحرب.
كان الصماد معروفًا بأخلاقه العالية وتعامله الحسن مع عامة الناس، كان يتميز بالتواضع في تعامله؛ فلم يكن الصماد رئيساً كما بقية الرؤساء يكتفي بالجلوس على كرسيه فقط وإلقاء الأوامر على من حوله، بل كان يزور الجبهات الأمامية بنفسه، ويعزز من معنويات المجاهدين ليؤكد لهم أن القيادة معهم بكل خطوة.
ورغم انشغال الصماد بالسياسة والحرب، إلَّا أنه لم ينس الجانب الإنساني فيه فكان كَثيرًا ما يزور المستشفيات والمدارس، والمناطق المتضررة من الحرب ويستمع إلى مشاكل الناس ويحاول حلها، كان يحمل روحية عظيمة جعلته قريباً من الشعب والناس، كان يشعر بمعناتهم ويحاول الاستماع إلى شكاويهم واحتياجاتهم، كان يهتم جِـدًّا بأسر الشهداء والجرحى، كان يأكل بين مرافقيه ومع عامة المجاهدين دون الترفع والتكبر عليهم كونه رئيساً ويحمل منصبًا كبيراً، يجعله مميزًا عنهم، بل كان يعد نفسه واحدًا منهم ولم ير نفسه فوق أبدًا.
كان صالح الصماد شخصية نشطة ومؤثرة في المجتمع، ولعب دورًا بارزاً في تنظيم وتوجيه العمليات العسكرية والسياسية، وكان معروفاً بقدرته على التخطيط والتنسيق، فكان له دور في تعزيز العلاقات مع الحلفاء الإقليميين والدوليين.
الصماد كان الشخصية المحورية في الدولة، وقد تولى منصب رئيس المكتب السياسي في العام 2014م. ولعب دورًا مهمًا خلال هذا المنصب.
وفي العام 2016م تعين الصماد رئيس للمجلس السياسي الأعلى، وعلى ضوء، هذا المنصب عمل الصماد على تنظيم الإدارة المدنية وتنسيق الجهود العسكرية والسياسية لمواجهة العدوان على اليمن.
كان الصماد يسعى دائمًا لتحسين الأوضاع المعيشية لليمن رغم الظروف الصعبة، كان صالح صالحًا اسمًا وعملًا، فكان من أعظم الناس تأثرًا بهدى الله وتعاليم الإسلام، فكان يسعى دائمًا لتوجيه الناس نحو الهداية والالتزام بالدين وتعاليمه، كان حريصاً على تنظيم القيم الدينية في خطاباته وتحَرّكاته، وهذا يعكس مدى تأثره بهدى الله والمسيرة القرآنية، كان يعتبر الدين جزءاً لا يتجزأ منه، وكان يسعى لتعزيز هذه العقيدة في المجتمع اليمني من خلال عمله السياسي والاجتماعي.
كان معروفًا بتواضعه وقربه من الناس، وهذا ما جعله يلقي خطب الجمعة في المساجد رغم منصبه كرئيس، كان يحرص على التواصل المباشر مع الناس ونقل الرسائل الدينية من منابر الجوامع وهذا يعكس تأثره بتعاليم الإسلام العظيمة.
كان صالح الصماد من أكثر المقربين والمحبين للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، وقد اكتسب الكثير من الصفات الكريمة منه مثل الصبر والأمانة والإخلاص في العمل والتحلي بالأخلاق، كان الصماد متأثراً بشكل كبير بفكر وتعاليم الشهيد القائد، مما جعله يلتزم بنهج وعقيدة السيد حسين الحوثي ويعمل على تحقيق كُـلّ أهدافه.
جاهد وبذل وضحى وقدم وعمل فكان القائد العسكري والقائد الميداني والقائد الديني والقائد السياسي والقائد الإنساني، حتى طالته أيادي الغدر في التاسع عشر من إبريل 2018م، حَيثُ تم استهدافه بغارة جوية نفذتها قوات العدوان السعوديّ الإماراتي، في مدينة الحديدة في شارع الخمسين بالمدينة، عقب مغادرته من جامعة الحديدة مع ستة من مرافقيه.
لقد كانت لحظة خبر استشهاده مريرة جِـدًّا، ففقد اليمن لقائد كـالصماد تعد خسارة كبيرة، حَيثُ كان يعتبره اليمنيون رمزًا للمقاومة والصمود في وجه العدوان، ورجل المسؤولية الأول.
لقد كان أثر رحيله مليئاً بالحزن العميق، ولكن في المقابل زاد اليمن وشعبها قوة وثباتاً وعزيمة لمواصلة المواجهة وخط الدفاع عن اليمن.
“وإن رحـل الصمـاد سيأتــي ألف صماد وصماد”.