محطَّاتٌ خالدةٌ من حياة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (ح2)

المسيرة| محسن الشامي:

تأمَّل السيدُ حسين كَثيرًا في واقع الأُمَّــة وبدأ يبحَثُ ويدقِّقُ مستفيدًا من تجارِبِ الماضي من أين أُتِيَتِ الأُمَّــة؟ ومن أين ضُربت؟ وما الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه؟ ومن خـلال غوصِه في أعماق القرآن الكريم عرف الــداءَ الذي يفتكُ بجسم الأُمَّــة والذي طرحها أرضًا تئنُّ تحتَ أقدام اليـهود والنصــارى، إنها الثقافــات المغلوطة والعقائد الباطلة فقد كان يقول: [إذا تأمل الإنسان في واقع الناس يجــد أننا ضحيةُ عقائدَ باطلةٍ وثقــافات مغــلوطة جاءتنــا من خارج الثقلَينِ كتاب الله وَعترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)]، ومن كلام له في لقائه مع مجموعة من طلاب العلم: [يجبُ علينا أن نعتمدَ على القرآن الكريم اعتمادًا كَبيرًا وأن نتوبَ إلى الله] ومما قال: (نحن إذَا ما انطلقنا من الأَسَاس وعنوان ثقافتنا أن نتثقَّفَ بالقرآن الكريم سنجدُ القرآنَ الكريمَ هو هكذا، عندما نتعلَّمُه ونتبعُه يزكّينا يسمو بنا، يمنحنا الله به الحكمة، يمنحُنا القوة، يمنحنا كُـلّ القيم، كُـلّ القيم التي لما ضاعت، ضاعت الأُمَّــة بضياعها، كما هو حاصل الآن في وضع المسلمين، وفي وضع العرب بالذات. وشرف عظيم جِـدًّا لنا، ونتمنى أن نكون بمستوى أن نثقف الآخرين بالقرآن الكريم، وأن نتثقف بثقافة القرآن الكريم ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” يؤتيه من يشاء فلنحاول أن نكون ممن يشاء الله أن يؤتوا هذا الفضل العظيم).

 

ارتباطُه القوي وثقتُه بالله:

لقد كان السيد حسين عظيمَ الثقة بالله تربطُه بالله علاقةٌ قوية يذكِّرك بالمتقين الذين وصفهم الإمامُ علي عليه السلام بقوله: (عَظُمَ الخالِقُ في أنفسهم فصَغُرَ ما دونه في أعينهم) وكان يعرف أن من أكبر أزمات الأُمَّــة أن لا تثق بالله كما ينبغي مبينًا أسباب أزمة الثقة هذه، ومما يدل على ثقته العالية بالله سبحانه وتعالى أنه في الحرب الأولى وهو محاصر وصلت إليه رسالة من الكتلة البرلمانية للمؤتمر طلبوا منه فيها أن يبعث برسالة استغاثة إلى الطاغية علي عبدالله صالح يطالبه فيها بوقف الحرب؛ باعتبَاره أحدَ مواطنيه وهم مستعدون أن يفعِّلوا هذه الاستغاثة في البرلمان، وعندما وصلت هذه الرسالةُ إلى السيد حسين رمى بها وقال: (سنستغيثُ بالله القوي العزيز).

 

تأصيلُه للهُوية:

وللمشروع القرآني مميزاتٌ عظيمة، أبرزها أنه ينسجمُ مع الهُــوِيَّة الإيمَـانية للشعب، والأمة بشكلٍ عام، ينطلقُ على أَسَاس القرآن الكريم، في وقت جاء البعضُ بمشاريعَ من خارج الأُمَّــة وهُــوِيَّتها، من بلدان لها هُــوِيَّة أُخرى واتّجاهات أُخرى، وحاولوا أن يفرضوها على الأُمَّــة رغمًا عنها وصنعت مشاكلَ في واقع الأُمَّــة.

ويوضح الناشط الثقافي أبو حسين الغادر أن سِرَّ استمرارية المشروع القرآني الذي أسَّسه الشهيد القائد -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- هو أنه مستوحى من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، وكذلك اعتماده على المنهجية القرآنية التي تحَرّك بها أنبياء الله ورسلُه والأعلام من بعدهم.

 

التدخُّلاتُ الأمريكية في اليمن:

كان هذا هو عنوان محاضرة قدمها السيد قبل أكثر من عشر سنوات وهو يحذر أبناء الشعب اليمني من هذا الخطر وما سيترتب على ذلك من دمار وخزي وانتهاك للمحرمات وللأعراض ونهب للثروات على أيدي الأمريكيين إذَا لم يتنبه الشعب اليمني ويتحمل مسؤوليته في الاستعداد لمواجهة هذه المؤامرة بكل الوسائل الممكنة، ولتكن الصرخة بداية المشروع، وكذلك تثقيف المجتمع وتهيئته ثقافيًّا للمواجهة القادمة، وكذلك المقاطعة الاقتصادية.

 

الصرخةُ كسلاح وموقف:

يوم الخميس 17 يناير 2002م هو اليوم الذي انطلقت فيه من حناجر السيد حسين صرخة الحق والعزة والكرامة صرخة [الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام] ليعلن بذلك ولادة فجر جديد لا مكان فيه للذل ولا للهوان ولا للخوف والاستكانة والخنوع، يوم فتح فيه السيد حسين بابَ العزة والحرية والمواقف المشرِّفة التي ستعيدُ للأُمَّـة مجدَها وسيادتها وتخلصها من تحت أقدام أعدائها، وترفعُها من المستنقع الذي قد انغمست فيه.

 

مقدماتُ الحرب الأولى:

لقد كان من أسوأ ما ظُلِمَت به هذه المسيرة القرآنية منذ انطلاقتها وبزوغ فجرها هو ما وُوجهت به من حرب إعلامية لا تقل شراسة عن الحرب العسكرية؛ فأُنشئت وسائل إعلامية جديدة إضافة إلى ما هو موجود؛ مِن أجلِ تشويه هذه المسيرة القرآنية من خلال الكذب والدجل والافتراء وقلب الحقائق وتقديم المعتدي الغاشم ضحية والضحية معتد ظالم. ثم العمل الجاد في التهميش والتقليل لما حقّقته المسيرة القرآنية من مواقفَ مشرِّفةٍ ومن انتصارات في كُـلّ المستويات.

 

دوافعُ الانطلاقة للمشروع:

وفي حوارٍ مع شبكة الـ بي بي سي أثناء الحرب الظالمة في اتصالٍ هاتفي كان منـه هذه الفقرة قال: (إن اللهَ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولئك يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} نحن نعتقدُ أن لدينا معرفةً بالبينات والهـدى فمن واجبنا أمامَ الله ـ ونحن يجب أَلَّا نخاف إلا الله ـ أن نبين للناس فنحن بيَّنا للنـاس أن هذه المرحلة التي نحن فيها ونقولُ للجميــــع إن المسلمين اليوم في مرحلة خطيرة -حسب ما أعتقد- مرحلةَ مؤاخذة إلهية ونحن ننطلق من هذه المسؤولية الإلهية في القرآن بتبليغ الناس، هذا هو شيء أوجبه الله على من لديهم معرفة {وَإِذْ أخذ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} فهذا عملنا من البدايــة نذكِّر الناسَ بالقرآن الكريم ومن منطلق قول الله سبحانه لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أنت مُذَكِّرٌ} فنحن نذكّـــر الناس بالقرآن؛ فمَن قَبِــلَ فلا بأس ومن لا يقبل لا نرغمه على ذلك ولا نفرض عليه أن يتوجّـه بتوجيهنا ولا نكفـِّره ولا نفسقه، والتذكيرُ ليس مُجَـرّد أن نذكّر أن هناك عدوًّا بل يجب أن يكون هناك رؤيةٌ تقدَّم للناس رؤية عملية يتحَرّكون فيها، على هذا الأَسَاس كان أمامنا قضيتان:-

المسار الأولى: رفع شعار: [الله أكبر / الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام].

المسار الثانية: مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية كواجب ديني.

كان هذا العمل هو ما تتطلبه المرحلة.

المسار الثالثة: طباعة وتوزيع الملازم.

المسار الرابعة: ترويض المجتمع على المساهمة والإنفاق في سبيل الله.

لقد كان هذا التحَرُّكُ هو ما تتطلبه المرحلةُ وهو ما الأُمَّــة متعطشةٌ إليه فهي تواقة إلى عمل تذوقُ من خلاله طعم العزة والحرية وخُصُوصًا بعدما فقدت الأملَ في الأحزاب بكل أنواعها دينيةً وقوميةً وعلمانيةً، وسئمت حالة الذل والهوان؛ ولذلك لقي قُبولًا وارتياحًا ولو في القلوب وإن لم يترجم إلى عمل بسرعة؛ نتيجةً لحالة اليأس والإحباط التي كانت مسيطرةً على واقع الأُمَّــة).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com