الفشل الأمريكي في مواجهة اليمن: اختلافُ الإدارات لا يغيّر الواقع
المسيرة | خاص:
أكّـدت وسائلُ إعلام ومراكز أبحاث أمريكية أن قرار إدارة ترامب بتصنيفِ حركة “أنصار الله” فيما يسمى بقوائم الإرهاب، ليس إلا امتدادًا لمسار الإخفاقات الذي انتهجته إدارة بايدن في ردع واحتواء جبهة الإسناد اليمنية لغزة من خلال الضغوط العسكرية والاقتصادية والسياسية، وخُصُوصًا فيما يتعلق بمعركة البحر الأحمر التي لا زالت أصداء وتداعيات الهزيمة الأمريكية فيها تتعالى كاشفةً عن المزيد من الحقائق الفاضحة حول انهيار “الردع” الأمريكي وفشل أدواته وأساليبه.
على عكس آمال إدارة ترامب بإظهار نوعٍ من “الصرامة” الشكلية من خلال قرار التصنيف الجديد، لصرف الأنظار عن واقع الفشل التأريخي والفاضح في مواجهة اليمن، فــإنَّ أصداء القرار لم تأتِ كما تشتهي الإدارة الجديدة بالكامل؛ إذ لا زالت معطيات فشل الإدارة السابقة وعدوانية موقفها قائمة في قرار التصنيف، حَيثُ أكّـد موقعُ “مينت برس” الأمريكي في تقرير جديد أن القرار يعتبر “خطوة تضع الولايات المتحدة فعليًّا على مسار حرب مباشرة مع اليمن، وهي خطوة يفسرها كثيرون بأنها تتماشى مع مصالح “إسرائيل” أكثرَ من مصالح الولايات المتحدة” وهو ما يعني انكشافَ الهدف الحقيقي من وراء التصنيف والمتمثِّل في مواصلة مسار الدفاع عن كيان العدوّ الصهيوني والإسناد له في مواجهة المنطقة.
هذا الاستمرارُ في مسار الإسناد لكيان العدوّ الصهيوني يترتبُ عليه أَيْـضًا استمرار في حصد نتائج الفشل والإخفاق، فإدارة ترامب لم تغير قواعد اللعبة من خلال قرار التصنيف ولم تكسر حاجز “تردّد” إدارة بايدن، كما تحاول أن تروج، بل واصلت العمل على نفس الطريق الذي سلكته الإدارة السابقة التي كانت قد اتخذت قرارَ تصنيف خاص بها ضد “أنصار الله” ثم ذهبت إلى مواجهة مباشرة مع اليمن تعتبر أعلى سقفا من سقف قرار إدارة ترامب.
وفي هذا السياق يتساءل تقرير نشره موقع معهد كوينسي الأمريكي للأبحاث مؤخّرًا عما إذَا كانت “إدارة ترامب تقوم بمضاعفة إخفاقات بايدن ضد الحوثيين” مُشيرًا إلى أنه بينما يحاول ترامب أن يبدو أكثر صرامة من خلال هذا التصنيف فــإنَّ “التصعيد ضد اليمن سيكون خطًا فادحًا”.
وَأَضَـافَ المعهد أن اليمنيين “لم يتراجع بعد أكثر من عام من العمل العسكري الأمريكي، ومن غير المرجح أن يستجيبوا بشكل مختلف بعد تولي ترامب منصبه”.
وتسلط هذه التناولات الضوءَ على حقيقة فشل قرار “التصنيف” حتى في ترميم فشل الإدارة الأمريكية السابقة فيما يتعلق بالسردية والصورة الإعلامية، حَيثُ لا يزال دافع الإسناد للعدو الصهيوني واضحًا ومكشوفا بشكل تام، ولا يزال أفق “ردع” اليمن وتغيير موقفه مسدودًا كما كان، بل إن رواية صنعاء المستندة على الواقع لا تزال هي الأكثر ثباتًا ومصداقيةً حتى أمام الداخل الأمريكي نفسه.
ومما يعزز ثبوت واقع الفشل مع اختلاف الإدارات، الأصداء المُستمرّة لهزيمة البحرية الأمريكية أمام اليمن في معركة البحر الأحمر، حَيثُ لا زالت هذه الأصداء تؤكّـد بشكل مُستمرّ على أن تلك الهزيمة لم تحدث؛ بسَببِ “التردّد” السياسي للإدارة السابقة كما يحاول ترامب أن يظهر من خلال قرار التصنيف، بل حدثت؛ بسَببِ تفوق اليمن على أدوات ووسائل الردع والضغوط الأمريكية.
ومن هذه الأصداء ما كشفه نائب قائد القيادة المركزية الأمريكية براد كوبر، نهاية الأسبوع الماضي، حول تعرض المدمّـرة الأمريكية (يو إس إس ستوكديل) لهجوم وصفه بـ “المعقَّد والمتطور والمنسق” في نوفمبر الماضي، مُشيرًا إلى أن المدمّـرة أطلقت صواريخ (إس إم-6) التي تبلغ تكلفة الواحد منها أكثر من 4 ملايين دولار، للتصدي للهجوم، لكنها فشلت في اكتشاف طائرة مسيرة يمنية واضطرت لاستخدام “المدفع”؛ مِن أجلِ مواجهتها، وهو ما يعني أنها وصلت إلى مسافة أمتار قليلة من المدمّـرة، إن لم تكن قد أصابتها بالفعل.
وزعم كوبر أن شظايا اصطدام الصواريخ الاعتراضية بالصواريخ اليمنية تسببت بإطلاق صواريخ اعتراضية أُخرى.
وتشير هذه الحادثة بوضوح إلى أن المأزِقَ الذي واجهته الولايات المتحدة في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية لغزة لم يكن يتمثل في نقص الضغوط السياسية والاقتصادية أَو حتى التقنيات والأدوات العسكرية لكي يتم تعويض ذلك بخطوات مثل قرار “التنصيف” بل كان يتمثل في عجز كُـلّ أدوات ووسائل الضغط والتقنيات الأمريكية عن تحقيق أي تأثير على قدرات وقرار صنعاء، وهو أمر لا يزال قائمًا.
هذا أَيْـضًا ما تؤكّـدُه العديدُ من التناولات حول التأثير السياسي والإنساني لقرار التصنيف الأمريكي الجديد، ففي الوقت الذي تحذر فيه العديد من التقارير من أن هذا القرار سيعرقل تنفيذ تفاهمات السلام بين صنعاء والنظام السعوديّ، فــإنَّ مثل هذه النتيجة لا تعتبر إنجازًا للولايات المتحدة بل تعتبر خطأً جديدًا من شأنه أن يرتدَّ سلبيًّا على مصالحها؛ لأَنَّ استمرار العدوان والحصار على اليمن، فضلًا عن التصعيد، تحت مِظلة قرار التنصيف، يعني دفع الشعب اليمني نحو انتزاع حقوقه بالقوة، وهو ما يعني وضع مصالح أمريكا وشركائها تحت تهديد يعرف الجميع أن التخلص منه مستحيل.
بعبارة أُخرى: إن فرصةَ تحقيق نتائج “رادعة” ومؤثِّر من وراء قرار التصنيف الجديد مرهونة فقط بخضوع صنعاء للضغوط، وهذا أمر غير وارد في أيٍّ من الحسابات، وبالتالي فــإنَّ المسألةَ لن تتوقف فقط على فشل الضغط المراد تحقيقه من وراء القرار، بل ستمتد إلى نتائجَ عكسية، توازي النتائج العكسية التي حصدتها إدارة بايدن من خلال كُـلّ خطواتها العدوانية على اليمن، بما في ذلك التحَرُّك العسكري الذي خرجت منه البحرية الأمريكية بهزيمة غير مسبوقة في تأريخها، وباعترافات واضحة وصريحة بأنه “لا يمكنُ تطبيقُ أساليب الردع الكلاسيكية” ضد اليمن، وفقًا لتعبير قائد الأسطول الخامس جورج ويكوف قبل أشهر.