رجُلٌ بحجم أُمَّـة.. أعدَّ مشروعاً يُحيي أُمَّـة كريمة من بعده
كوثر العزي
لكُل حقبة تاريخ في هذه الدُنيا، صراع قائم ما بين الحق والباطل، ما بين الخير والشر، يدوم ذلك الصراع حتى قيام الساعة، فللباطل قيادات دنيوية الهدف، شيطانية المنهج، تدميرية الفكر، مفسدة للحياة، متلاعبة بالقيم، للباطل رايات منكوسة وأعلام تشويهية ووجوه قبيحة وأفكار جهنمية ومبادئ مختلطة بالدناءة، للباطل قيادات تجعلك تعيش في دائرة توجيهاتها، لست حراً وإنما عبد تؤمر، كلب ينفذ دون نباح يعلو، وللحق قيادات علوية الخُطى، عظيمة المنشأ، قوية الإرادَة، فذة القول، وللقادات رايات شامخة ومنهج شامل ورؤية صحيحة وفكر مناهض للعيش بحرية، لا بِذل وانصياع، وللرايات حتميات أما انتصار ونصر من الله، أَو معراج شهادة ونيل وسام العطاء، للحق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لا يخافون في الله لومة لائم، للحق شخصيات محنكة تعي الخطورة وتحدّد مصدر الخطر الذي يحدق بالأمة بأعين شر، للحق أَيْـضًا رجال لا يهابون أوقع الموت عليهم أَو هم من وقعوا على الموت، جُل همهم، أفي سلامة من ديني؟!
للحق شخصيات يضرب بها الأمثال، تقتفى آثارهم وتدرس مواقفهم وتخلد بطولاتهم ويدخلهم التاريخ من أوسع أبوابه.
ولِحق زماننا هذا كان سيداً للأحرار ومنارة للمستبصرين وينبوع معرفة للسائلين وجواب كُـلّ سائل محتار، رجل بحجم أُمَّـة، بينما كانت الأُمَّــة حينها تصارع الضياع والضلال، في خضوع واستسلام، في خفض جناح الذل لمن ضُربت عليهم الذلة والمسكنة لأهل الكتاب، حمل بقلبه ذلك الذي بحجم الكف همّ أُمَّـة بأكملها، همّ شبابها وجيلها ونسائها وشيوخها كيف لهم أن يرتضوا هذا العيش وهم أعزاء كرماء، أهل للحق، أين سيصل بهم الحال أكثر من ذلك، نظر بعين الحال لفلسطين منذ متى وهي مستعمرة من قبل اليهود، بقيت الشعوب العربية تتشابه، تُكبل بالاستعمارات الغربية دون استنكار ودفاع عن النفس، حكام عبيد والآلهة أمريكا و”إسرائيل”، شعوب مغلوبة على أمرها تجلد بسوط الاتباع، جيوش ليست إلا للاستعراضات والتفاخر، أجيال ناشئة على الخنوع والذل، ونساء ينتهك أعراضهن ينخرطن للفجور والفسوق، فقد كان حال الساحة العربية مزرياً جِـدًّا، أمريكا متحَرّكة بكل جدية لتفكيك الأُمَّــة العربية وجعلها صريعة، فتأبى له نفسه، دينه، انتماؤه، وحقيقة وجوده أن يترك أمريكا تعيث الفساد أكثر وأكثر، آن الأوان أن ينهض الحق نهضة قوية، نهضة حسينية.
فتحَرّك -عليه السلام- بسفينة النجاة مُشرع أشرعتَه بالقرآن الكريم، متحدياً موجات الكفر والضلال وزبوابعها بالتمسك والتصديق الجازم بوعد الله بـ “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”، ثبت -عليه السلام- هو وقلة قليلة من السابقين، وعندما تحَرّك الشهيد القائد لم يكن يحمل معدات عسكرية ثقيلة ولا جيوش كبيرة ولا أساطيل حربية ضخمة، كان يحمل بقلبه سلاح الإيمان، سلاح الوعي، سلاح البصيرة من منطلق فعلم أنه لا اله إلا الله، أعد مجاهدين قلة لا يتجاوزوا الألف مجاهد، ومن الخمس الجمل تلك “الله وأكبر-الموت لأمريكا -الموت لإسرائيل -اللعنة على اليهود -النصر للإسلام” صنع أساطيل حربية نفسية تقيم حرباً نفسية بعمق العدوّ فتجعله يخر عاجزاً.
روح بحجم أُمَّـة انقذت أُمَّـة بأكملها من الغرق والتيه، روحٌ كانت محطة تغير وبناء لمن بعدها، روحٌ ضحت، جاهدت، قاومت لتبقى الأرواح من بعدها عزيزة حرة أبية ترفض الخضوع والاستسلام.
من بعيد ومن أقصى العالم أشر مؤشر الخطر الأمريكي بأن بصعدة رجل يسعى في قومه يعلمهم ويزكيهم ويرشدهم، يرتل عليهم بأن يا ليت قومي يعلمون، فأعدوا العدة وشحذوا الهمة وأشروا بإصبع الأمر للدولة السابقة بأن هبوا على أرض مران واطمسوا ابن بدر الدين ومسيرته تلك المدمّـرة للإمبراطوريات الغربية ومبددة الخرائط التقسيمية، لكن مهلاً رغبوه قليلًا لعله ميال للدنيا كما أنتم، زينوا الدنيا بعينيه، وزخرفوا المناصب بقلبه وجملوا أمريكا بناظريه بأنها راعية السلام، لكن ما كان جوابه إلا صارماً كجده رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- كيف لا والاصطفاء رباني والمسؤولية على عاتقيه بأن الأُمَّــة لا بُـدَّ أن تعيش حرة كريمة ولو كان ثمن ذلك حرباً تسيل فيها دمائه وتسلبوا روحه، فشنوا عدواناً ظالماً فاجراً متناسين ديمقراطيتهم، فكان أهم منجزات تلك الحرب قتل القائد الرباني والرقص على جثمانه الطاهر والاحتفال الصاخب مع أمريكا بسراب انتصارهم، فهبت حقيقة كانوا يجهلونها بأن المسيرة إلهية باقية ولو كره المشركون، بهت الذين كفروا بحقيقة أن الحسين بنى أُمَّـة كما يريد هو، عصية، قوية، تقف اليوم على أقدامها شامخة، متحدية، وخير دليل لذلك معركة “طوفان الأقصى” ودور اليمن الفعال فيها، والسيطرة على مضيق باب المندب، فما بعد الحسين إلا أُمَّـة عزيزة بعزة ذلك المشروع العظيم، مشروع المسيرة القرآنية.
على أمريكا أن تعي بأننا جميعنا نحمل روحية حسين ابن البدر، نحمل بأعماقنا ذلك المشروع العظيم الذي طالما سعوا جاهدين في إطفائه، مشروع “الجهاد والاستشهاد”، كانت دماء الشهيد القائد وقوداً ثورية تتزود بها مسيرتنا القرآنية، كانت دماء طاهرة، لم تتطهر أرض مران قط وإنما طُهرت اليمن وجُرفت إمبراطورية العملاء وأزاحت الهيمنة الغربية من سماء الجمهورية اليمنية.