الحوادثُ الدينية والسياسية والتكرارُ التاريخي..!!

 

غيث العبيدي

متغيرات خط الأغلبية:

بموت النبي الأكرم (ص) بدأت حقبة تاريخية جديدة، مرتبطة بالدين الإسلامي، لكنها ليست على ذات النهج الذي بدأ به الإسلام نفسه، حَيثُ بدأت فترة المنزلة السياسية، والمكانة الاجتماعية، والمصالح الشخصية، والحظوات المادية، وبدأ المسلمون يشيدون السدود بينهم وبين أمواج المبادئ والقيم والمثل العليا، القادمة من بحر الروح الإسلامية، مع تشديد النظر على الأخلاقيات والمثل العليا للديانات الأُخرى، التي أتى بها اليهودي “كعب الأحبار”، وما تلاه من شخصيات غير إسلامية، كالمسيحي “سرجون بن منصور” مستشار معاوية والملقب «بدفاق الذهب» لعذوبة لسانه، والذي استمر في عمل المشورة حتى عهد خلافة عبدالملك بن مروان، فأصبح المسلمون يحملون على مستقبل الدين الإسلامي، بدلًا من التطلع إليه، ومنحوا تلك الحملات أهميّة قصوى، لفك الارتباط بينهم وبين شخصية مؤسّس الدولة الإسلامية، بداعي أنه أسس دولة دينية منغلقة على ذاتها، ونقطة البداية؛ أنهم أخذوا لا يتصورون شيئًا وراءهم مرتبط بالنبي محمد (ص) إلَّا الأسباب التي جعلتهم يتميزون بالقيمة المادية، حتى لو كانت عواقبها الانقلاب على الدين الإسلامي.

اليوم نملك قولين تاريخيين يوصفان وصفاً دقيقاً تلك المرحلة، نقلها “جاثليق بابلي” لكنيسة المشرق، حَيثُ يقول: «إنهم ليسوا أعداء النصرانية، ويقصد بهم قادة ما بعد النبي (ص) بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قسيسنا وقديسنا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا».

ويقول المستشرق اليسوعي هنري لامنس: «إن أكثر بلاد الشام في ختام العصر الأموي، لا سيّما في القرى والأرياف، كانت مسيحية سواء أكانت سريانية أم عربية».

 

ثبات الخط الرسالي:

بعدما توفي النبي (ص) ترك دولة إسلامية، ومجتمعاً إسلامياً، وصفوة من الذين كانوا يؤمنون برسالته إيمَـاناً مطلقاً “علي بن أبي طالب (ع) ورفاقه وأهل بيته” وكانوا يمارسون حياتهم وفقًا لتلك الأسس، استكمالًا لنهج النبي وتنفيذًا لتوصياته، ولكن بعد أن حصل انحراف بهيكلية الدولة الإسلامية، تحديدًا في الشق القيادي منها، وما تبعها من انقلابات “كيفية وكمية” منسجمة مع رؤية الانقلابيين من خط الأغلبية الأول، وزوال الشرعية القيادية منهم، تيقنوا أي “الصفوة الرسالية” بأن الدولة الإسلامية ستقوم على أَسَاسات غير إسلامية، وأن المجتمع الإسلامي قادم على التفتت والتفكك والانهيار، وستخضع الثقافة والمبادئ والقيم والمثل الإسلامية العليا، لمنافسة الثقافات الأُخرى، مع التأكيد على أن قادة ما بعد النبي (ص) حرصوا حرصًا شديدًا على استكمال ما بدأوا به فأبادوا المعارضة الإسلامية المرتبطة بالرسالة المحمدية، وشرائعها السماوية، عن بكرة أبيهم، حتى تنازلت الأُمَّــة الإسلامية عن مبادئها تدريجيًّا.

 

 التكرار التاريخي:

طبق مفهوم الأحداث التاريخية المرتبطة بالأمة الإسلامية حَـاليًّا بطرق مختلفة، وتحت عناوين ومسميات مختلفة، إلَّا أنها متشابهة في ظاهرها ومظاهرها مع الحالة التاريخية أعلاه، بنفس السمات، ولعبت نفس الأدوار، فانبعثت ظواهرها، وطلت برأسها علينا من جديد، فإن كانوا ينظرون سابقًا على ثقافات الأمم الأُخرى، واعتبارها النموذج الحقيقي للثقافة، مع الاحتفاظ بالبيعة الإسلامية، والإبقاء عليها، واختيار البعض للحل، وجلب المنافع الاجتماعية، ودفع بعض المضار التي من شأنها أن تمس الدين الإسلامي، بأي شكل من الأشكال، يصر خط الأغلبية الحالية على أن يتفوق على خط الأغلبية السابق؛ باعتبَارهم امتداداً طبيعيًّا لهم، على التخلي عن الثقافة والمبادئ الإسلامية، والانصهار كليًّا مع ثقافات الأمم الأُخرى غير الإسلامية، ويصر الخط الرسالي الحالي، لكونهم الامتداد الطبيعي للخط الرسالي السابق، على “المقاومة” لتبقى ثنائية «علي والمبادئ الإسلامية، ومعاوية والمشورة الغربية» هي السائدة إلى يومنا هذا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com