عدن.. بين المجاعة والعزلة

 

إسماعيل سرحان

قرابة العقد من الزمن، شهدت مدينةُ عدن حكايةً مأساويةً تُعبِّرُ عن كفاحِ إنسانها في مواجهة المجاعة والموت البطيء. رغم غنى هذه المدينة وثرواتها التي تفوق خيرات تلك المحافظات الحرة بعشرات الأضعاف، إلا أن أبناءَها وجدوا أنفسهم في حلقة مظلمة من الفقر المدقع وفقدان الأمن. فالأسباب لا تعود إلى نقص الموارد، بل إلى الفساد المهيمن على مقدرات المدينة تحت عباءة الاحتلال وأدواته.

تتكرّر مشاهد الغضب الشعبي، والاستنكار الذي يعبّر عنه أهالي عدن، في احتجاجات لم تتوقف طيلة السنوات الماضية. يبدو أن الأحداث تتكرّر كحلقة مفرغة، فلا شيء يتغير سوى وعود الدعم الخارجي، مثل الوديعة السعوديّة لبنك عدن التي تم الإعلان عنها منذ أقل من شهر. ولكن بلا جدوى، فالمصير ذاتُه، والمعاناة ذاتُها.

تظل التساؤلات تدور في أذهان أبناء الجنوب: أين تذهب مقدراتهم؟ هل يُودع كُـلّ ما يصل إلى المدينة في بنوك خارجية بينما يعيشون هم على حافة الجوع؟ ولماذا يُحرم أبناء الجنوب من حقوقهم الأَسَاسية في الحياة الكريمة، بينما ترفل المرتزِقة وأبناؤهم في خيرات وأموال تنعم بها مدن أُخرى مثل مصر وتركيا والرياض؟

إن ما يجري في عدن هو تجسيد لصراع أكبر يتجاوز حدود المدينة، حَيثُ تصطف القوى الدولية والمحلية لمصالحها الذاتية، تاركةً وراءها خرائب اقتصادية وإنسانية. وفي الوقت الذي تنعم فيه قلة بالثروات، تُرغم جموع الشعب على الاستمرار في معاناتها اليومية، علّها تعثر على بارقة أمل تلوح في الأفق.

الصوت العالي للعدنيين، المتردّد في الاحتجاجات والمظاهرات، هو صرخة ضد الظلم والفقر. إنهم يرفعون أصواتهم ليجعلوا العالم يسمع معاناتهم، عسى أن يطفئوا جذوة الظلم التي توقد في قلوبهم. يطالبون بحقوقهم في الحياة، في الكرامة، وفي الوصول إلى مواردهم الطبيعية التي تسرق بليل.

إن ما عاشته ولا تزال تعيشه عدن من أحداث وأزمات يستدعي تظافر الجهود للدفاع عن حقوقها. فالوقت حان للوقوف معًا، لتحرير هذه المدينة من أي احتلال أَو فساد، وإعادة بناء مستقبلٍ يليق بأبناء الجنوب. آن الأوان ليكون صوتهم مسموعًا، وليستعيدوا عدن ومجدها وثرواتها، فيعبروا فوق قسوة الزمان، نحو آفاق جديدة من الأمل والإثمار بإذن الله.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com