صفقةُ القرن بعد 5 سنوات.. فشلٌ وخِذلان وانتصار

 

طالب عمير

تمر خمس سنوات على إعلان الولايات المتحدة ما سُمي بـ “صفقة القرن”، الخطة التي ادعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنها تهدف لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. لكن تلك الخطة التي روجت لها واشنطن لم تكن سوى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية ومنح الاحتلال الإسرائيلي شرعية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية. واليوم، بعد نصف عقد من الزمن، تبدو نتائج هذه الصفقة واضحة: فشل أمريكي ذريع، خذلان عربي مشين، وانتصار واضح لخيار المقاومة.

منذ الإعلان عن صفقة القرن، كانت ملامح الفشل واضحة حتى قبل أن تُعرض على الطاولة. فقد تجاهلت الإدارة الأمريكية أبسط حقوق الشعب الفلسطيني، واختزلت القضية في مجموعة من الإغراءات الاقتصادية التي لم ولن تكون بديلًا عن الأرض والكرامة والسيادة. تعاملت واشنطن مع الفلسطينيين وكأنهم مُجَـرّد طرف ضعيف يمكن ترويضه عبر المال والضغوط، لكنها تجاهلت حقيقة أن هذا الشعب هو ذاته الذي قاوم الاحتلال لعقود طويلة، وقدم الشهداء والتضحيات في سبيل قضيته العادلة.

فشل الصفقة لم يكن فقط نتيجة عناد فلسطيني، بل لأَنَّه لم يكن هناك أيُّ أَسَاس عادل أَو منطقي يُبنى عليه هذا المشروع. فقد سعت الإدارة الأمريكية لفرض رؤيتها بالقوة، معتمدة على تحالفها مع بعض الأنظمة العربية التي تخلت عن مسؤوليتها التاريخية تجاه فلسطين. ظنت واشنطن أن ضعف الموقف العربي سيدفع الفلسطينيين للقبول، لكنها لم تدرك أن الشعوب ليست كالحكومات، وأن إرادَة الشعوب لا تُشترى ولا تُباع.

في هذا السياق، يظهر الخذلان العربي كواحد من أكثر الجوانب قتامة. بعض الأنظمة لم تكتفِ بالصمت، بل شاركت فعليًّا في الترويج للصفقة والتطبيع مع العدوّ الصهيوني، في مشهد يعكس حجم الانحدار السياسي والأخلاقي الذي وصلت إليه هذه الأنظمة. لم تكن هذه الخطوات سوى طعنة في ظهر القضية الفلسطينية ومحاولة لتجميل وجه الاحتلال القبيح.

لكن في المقابل، كان هناك مشهد آخر مفعم بالعزة والصمود. خيار المقاومة أثبت مجدّدًا أنه الخيار الوحيد القادر على حماية الحقوق ودحر الاحتلال. لقد أظهرت المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية أن السلاح والكرامة أقوى من أي صفقة مشبوهة، وأن الدم الفلسطيني الطاهر أغلى من كُـلّ المساومات.

وجاء طوفان الأقصى في 7 أُكتوبر 2023 ليكون الضربة القاضية التي أسقطت كُـلّ مخطّطات أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني وحلفائهما من الأنظمة العربية العميلة مثل السعوديّة والإمارات. لقد قلبت هذه العملية البطولية الموازين، وأكّـدت أن المقاومة هي السد المنيع أمام كُـلّ محاولات تصفية القضية الفلسطينية. لم تكن مُجَـرّد عملية عسكرية، بل كانت زلزالًا سياسيًّا وعسكريًّا فضح هشاشة الاحتلال وكشف زيف التحالفات التي بنيت على الخيانة والتطبيع.

في ظل هذه المستجدات، يبرز دور السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، حفظه الله، كرمز للمقاومة والصمود العربي والإسلامي. بمواقفه الثابتة وخطاباته القوية، كان صوت الحق في وجه الطغيان، مسلطًا الضوء على خيانة الأنظمة العميلة، ومؤكّـدًا أن فلسطين ليست مُجَـرّد قضية، بل واجب ديني وأخلاقي على كُـلّ أحرار الأُمَّــة. لقد ألهمت كلماته شعوب المنطقة وعززت الروح القتالية في صفوف المقاومين، مؤكّـدًا أن معركة التحرير ليست معركة الفلسطينيين وحدهم، بل معركة كُـلّ الأحرار في العالم.

لقد كانت صفقة القرن بمثابة اختبار حقيقي للشعوب العربية والإسلامية. ففي الوقت الذي سقطت فيه بعض الأنظمة في مستنقع التطبيع والخيانة، وقفت شعوب الأُمَّــة موقف العزة والكرامة، مجددة العهد لفلسطين ومقاومتها. من اليمن إلى لبنان، ومن العراق إلى الجزائر، رفرفت رايات الدعم والتضامن مع القضية المركزية للأُمَّـة، رغم كُـلّ التحديات والضغوط.

واليوم، بعد مرور خمس سنوات، نستطيع القول إن صفقة القرن قد سقطت سياسيًّا وأخلاقيًّا، ليس فقط؛ بسَببِ رفض الفلسطينيين لها، ولكن لأَنَّ الدماء التي رُويت بها أرض فلسطين كانت أقوى من كُـلّ المؤامرات. لقد انتهت الصفقة قبل أن تبدأ فعليًّا، وسقطت معها رهانات أُولئك الذين ظنوا أن بإمْكَانهم شراء الأوطان بثمن بخس.

إن المقاومة لم تنتصر فقط على الاحتلال، بل انتصرت على مشروع الخضوع والتطبيع والاستسلام. أثبتت أن الشعوب الحية لا تموت، وأن الكرامة لا تُباع في مزادات السياسة. وما دام هناك رجال ونساء يؤمنون بفلسطين، فَــإنَّها ستظل القضية الحية في وجدان الأُمَّــة.

المقاومة انتصرت، وستظل تنتصر؛ لأَنَّها تعبر عن إرادَة شعب لا يعرف الانكسار. وفلسطين ستبقى، رغم كُـلّ المؤامرات، أرضًا عربية حرة، عصية على الانكسار. وما دام هناك نبض في قلب الأُمَّــة، فستظل القدس عاصمةً للصمود والمقاومة، رمزًا للحرية، وعنوانًا للعزة والكرامة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com