مدير فرع هيئة المواصفات والمقاييس بأمانة العاصمة إبراهيم الدولة في حوار مع “المسيرة”: نحتاج لتغييرات تنظيمية وتحديثات قانونية وتطورات تقنية لتحسين الأداء وتعزيز حماية المستهلك

 

المسيرة: حاوره إبراهيم العنسي

تمثّل الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة بوابةَ دفاع متقدِّمةً لصحة وسلامة المستهلك، خَاصَّةً في ظل ظروف العدوان والحصار في عامه العاشر، والذي يفرض حظرًا على دخول تجهيزات ومعدات من اللازم اقتناؤها لتطوير عمل المواصفات والمقاييس اليمنية بما يناسِبُ تعقيدات التصنيع للسلع والبضائع، ومع ذلك فهناك كثير من العمل يتطلب معه تطويرًا مُستمرًّا، لتجاوز كثير من الصعوبات والعقبات التي تواجه هذا الجزء الحيوي في جانب الاستهلاك المحلي.

وبهذا الصدد أجرت صحيفة “المسيرة” حوارًا مستفيضًا مع مدير عام فرع الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس بأمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، إبراهيم الدولة، والذي أكّـد أن الهيئة قطعت شوطًا كَبيرًا في ترسيخ البنية التحتية للجودة في اليمن، حَيثُ لعبت دورًا محوريًّا في حماية المستهلك، وتعزيز سلامة المنتجات، وتحسين تنافسية الصناعات الوطنية.

وأوضح أن هناك تحديات مُستمرّة تتطلب مزيدًا من التطوير، مثل تعزيز التحول الرقمي لتسهيل إجراءات الفحص والتفتيش، وتوسيع نطاق الاعتماد للمختبرات الوطنية، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتحسين الالتزام بالمواصفات القياسية.

وتطرق الدولة إلى جملة من التفاصيل ذات الصلة، تستعرضها صحيفة “المسيرة” في نص الحوار التالي:

إلى نص الحوار:

 

– بدايةً ومع التحوُّل الرقمي وحاجة مختبرات الفحص والتقييس لمواكبة التطورات التقنية والفنية، هل تواكبون في الهيئة تطورات العالم في جوانب الفحص الإلكتروني؟

نحن في الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، قطعنا شوطًا كَبيرًا في ترسيخِ البنية التحتية للجودة في اليمن، حَيثُ لعبت الهيئةُ دورًا محوريًّا في حماية المستهلك، وتعزيز سلامة المنتجات، وتحسين تنافسية الصناعات الوطنية.

وقد شهدت الهيئةُ تطوراتٍ مهمَّةً في مجالات إصدار المواصفات القياسية، وتوسيع نِطاقِ الرقابة على السلع المستوردة والمحلية، وتعزيز إمْكَانيات الفحص والاختبار من خلال تطوير المختبرات. وعملت على نشرِ الوعي بأهميّةِ تطبيق المواصفات القياسية الوطنية في القطاعات الصناعيةِ والتجارية.

وبالرغم من الإنجازات المحقّقة، إلا أن هناك تحديات مُستمرّة تتطلب مزيدًا من التطوير، مثل تعزيز التحول الرقمي لتسهيل إجراءات الفحص والتفتيش، وتوسيع نطاق الاعتماد للمختبرات الوطنية، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتحسين الالتزام بالمواصفات القياسية.

كما نسعى في المرحلة القادمة إلى مواكبة التطورات الإقليمية والدولية في مجالات التقييس والجودة، وتعزيز الشفافية والكفاءة في أداء الهيئة؛ بما يسهم في حماية الاقتصاد الوطني وضمان سلامة المنتجات المتداولة في الأسواق.

 

– ما نوعية ومستوى تطور أجهزة الفحص لدى الهيئة؟ وما مدى مواكبتها لأجهزة الفحص العالمية؟

ما يتعلق بنوعية أجهزة الفحص فهذا أمر فني يطول شرحه إلا أنه بإمْكَاننا التوضيح بأن أجهزة الفحص الموجودة ما زالت حديثة وتقوم بفحص العديد من المنتجات الغذائية والصناعية وتحقّق الغرض الرقابي من وجودها، ولا نغفل عن التنبيه بأن هناك فحوصات لا يتم القيام بها؛ لعدم توفر بعض الأجهزة والمحاليل، إنما يمكن القول إن مستوى أجهزة الفحص يحقّق الغرض منها في ظل الوضع الحالي.

 

– هل ما زال هناك انقطاعٌ في تواصل الهيئة اليمنية بهيئات التقييس العالمية؟

في الحقيقة أن الهيئة منذ بداية العدوان والحصار السعوديّ الأمريكي على بلادنا وحتى اليوم، تعاني من انقطاع العلاقات مع الكثير من المنظمات الفنية والمؤسّسات العلمية والبحثية وكذلك شركات تصنيع الأجهزة العلمية الحديثة والأنظمة الفنية، وقد أثّر ذلك على مواكبة التطورات في كُـلّ الجوانب بما فيها التقنيات الإلكترونية والرقمية، ولكن ذلك لم يمنع الهيئة من الحصولِ على بعض المراجع الفنية وبعض التجهيزات والمواد المخبرية بطرق مختلفة وإن كانت بصعوبة.

وأيضًا الهيئة تسعى سعيًا حثيثًا ومُستمرًّا نحو تحقيق التطور في هذه الجوانب كلما سنحت الفرص، وبالأخص عند انتهاء الحصار المفروض على بلدنا.

 

– المواصفات والمقاييس تعتمد معايير تقييس دولية؟ وما الحاجة لإشراك القطاع الخاص إذَا كان المعيار دوليًّا؟ وهل لديكم مواصفات خَاصَّة غير المعتمدة عالميًا؟

من المهم إضفاءُ المتطلبات الوطنية على المواصفات الدولية والإقليمية التي يتم استخدامُها كمشاريعَ لمواصفات وطنية كلما دعت الحاجةُ لذلك وبالتحديد عند ظهور خصوصية تتعلق بالمجتمع أَو الدين أَو الوضع الاقتصادي أَو التقني لدى القطاع الخاص، مع عدم المساس بالجوانب الفنية التي تتعلق بالصحة والسلامة.

والهيئةُ لا تعتمدُ على المواصفات الدولية فقط، أَيْـضًا تعتمد على مواصفات عربية مختلفة تحقّق المتطلبات وفق خصوصية المجتمع العربي والإسلامي.

 

– ما مستوى مشاركة القطاع الخاص في إعداد وتطوير المواصفات القياسية للسلع والبضائع؟

الممارسات الجيدة لإعداد المواصفات القياسية هي قواعدُ معتمدة دوليًّا في إعداد المواصفات تشترط إشراكَ القطاع الخاص في هذه العملية، حَيثُ يتم مخاطبة الاتّحاد العام للغرف التجارية والصناعية والجهات الحكومية المعنية والقطاعات البحثية كالجامعات بتحديد ممثِّل عنهم للمشاركة في لجان إعداد المواصفات لمشاريع مواصفات يمنية يتم تحديدها وفق خطة تعدها دائرة المواصفات.

كما أن إشراك القطاع الخاص في إعداد وتطوير المواصفات القياسية له أهميّة كبيرة لتوفير الخبرات العملية والتخصصية لممثلي هذا القطاع، وهذا يضمن توافق المعايير المحلية مع المعايير الدولية، ويضمن دمج أحدث التقنيات والابتكارات في المواصفات المعتمدة، والتوافق مع متطلبات المستهلكين وزيادة الثقة بالنظام.

 

– إلى أي حَــدّ هناك فاعلية في التنسيق مع القطاع الخاص والجمارك والجهات المعنية بالسلع والبضائع الزراعية والمواد خام،… إلخ؟

التنسيق مُستمرّ دائمًا مع الجهات المذكورة وهو في تقدم، حَيثُ الهدف أن نعمل على إيجاد الحلول لأية مشاكل أَو عوائق تواجه سرعة إدخَال المنتجات والسلع والمواد الخام.

 

– ألا تظن أن هذه المهمة يجب أن تكون محصورة في جانب الدولة فقط كونها المعنية بحماية المستهلك لا القطاع الخاص؟

سؤالك في محله، فإشراك القطاع الخاص في إنشاء المختبرات له مخاطر محتملة مثل تضارب المصالح والتساهل في الفحص، وضعف الرقابة على نتائج الفحوصات إذَا لم يكن هناك إشراف حكومي، إلا أن الكثير من حكومات العالم واجهت صعوبة في إنشاء مختبرات تابعة لها في كُـلّ المجالات، فهي تكلف الكثير مما لا تستطيع ميزانية الدولة تغطيته، ولن تتمكّن كذلك من تغطية تكاليف التشغيل باهظة الثمن، لذلك سمحت الدول للقطاع الخاص بإنشاء مختبرات لتخفيف الضغط عنها وتسريع الفحوصات وتحفيز الاستثمار في التقنيات الحديثة مع وضع آليات تقلل من المخاطر المحتملة لإشراك القطاع الخاص في إنشاء المختبرات، من أهمها فرض معايير صارمة محلية ودولية يتم التقيد بها، الحصول على اعتماد حكومي وإجراء المتابعة الدورية، وفرض عقوبات صارمة على المختبرات التي تتلاعب بالنتائج، وجود رقابة إلكترونية وتدقيق عشوائي من قبل الجهة الحكومية المعنية كهيئات المواصفات أَو مجالس الاعتماد الوطنية، كما أنه يمكن للدولة الاحتفاظ بدور إشرافي قوي على المختبرات الخَاصَّة بحيث تصبح مكملة للمختبرات الحكومية، وليس بديلاً عنها.

وأود التنويه هنا إلى أن الهيئة كانت ما قبل 14 سنة تعتمد فحوصات مختبرات لجهات فاحصة خَاصَّة معتمدة دوليًّا لبعض المنتجات المستوردة؛ نظرًا لعدم توفر بعض إمْكَانات الفحص في الهيئة وفق نظام معتمد دوليًّا للفحص في بلد المنشأ.

 

– ألا تعمل الهيئة بإجراءات مبسطة وكفاءة تحافظ على الوقت والجهد المتوفر للهيئة؟

خلال السنوات الأولى من إنشاء الهيئة تم الاهتمام بتأهيل الهيئة لتطبيق نظام إدارة الجودة وفق المواصفات الدولية، ونتج عن ذلك إصدار أدلة لإجراءات الدوائر والعمليات الرئيسية للهيئة تتضمن إجراءات مبسطة ومتسلسلة ومترابطة، حقّقت كفاءة عالية وقللت من الوقت والجهد.

ومع استمرار تطوير المهام وتوسع العمليات والإجراءات وإنشاء العديد من الإدارات لم يتم القيام بإجراء المعالجة والتحديث في الهيكلية واللوائح وفق نظام إدارة الجودة؛ مما أوجد بعض الخلل في سير العمليات وسرعة أداء المهام، مما يتطلب سرعة إعادة الهيكلة لتلافي الأخطاء.

 

– ما الذي قصدته بالتحديث في الهيكلة؟

قصدت هنا أن هناك ضرورةً لإجراءِ تغييرات تنظيمية وإدارية شاملة في طريقة عمل الهيئة؛ بهَدفِ تحسين الأداء، ورفع الكفاءة وزيادة الفعالية في تحقيق الأهداف، وهي عملية تشمل إعادة تنظيم الدوائر والإدارات والأقسام بالدمج أَو التقسيم أَو إنشاء إدارات جديدة مواكبة للتطورات، وتحسين الإجراءات والعمليات الداخلية وتقليل البيروقراطية، وتطوير الموارد البشرية بإعادة التوزيع بناء على المهارات والكفاءات وتقديم برامج التدريب والتأهيل لتحسين الأداء.

 

– أليس من الأفضل تفتيش وفحص السلع كاملة وفي المقابل توسيع إمْكَانات وبنية الهيئة بما فيها أجهزة الفحص والمختبرات؟

نعم، من الأفضل عمل ذلك لكنه يتطلب توفير موازنة سنوية ضخمة بملايين الدولارات لمواجهة توسيع الإمْكَانات وتوفير البنية اللازمة، إلَّا أن موازنة الهيئة لا يمكنها تغطية كُـلّ تلك الإمْكَانات.

وفي حال توفر تلك الإمْكَانيات فذلك سينعكس على سُرعة ودقة الفحص والاختبار ومدى القدرة على تغطية الرقابة على العديد من المنتجات والقدرة على تطبيق المواصفات القياسية المعتمدة وتقليل تكاليف تكرار الفحوصات لعمليات التحقّق، وتقليل الحاجة إلى العمل الورقي في ظل المختبرات الرقمية وتعزيز الرقابة على الأسواق وتتبع المنتجات المخالفة وسحبها من الأسواق بفعالية.

 

– ألا تعتمد الهيئة تقنيات الفحص السريع عبر تقنيات التحليل الطيفي والذكاء الاصطناعي وتقنيات النانو في فحص السلع؟

التقنيات المذكورة لا تمتلكها الهيئة في الوقت الحالي، لكنها ضمن رؤية يسعى الكادر في الهيئة الوصول إليها.

وأود التوضيح أن الهيئة تمتلك بعض أجهزة التحليل الطيفي ولكن لا تمتلك الأنواع الأُخرى للفحوصات الأكثر دقة، وهي أجهزة تساعد على تحديد العناصر والمركبات بدقة في مختلف المواد غذائية كانت، أَو صناعية.

كما تساعد على الكشف عن الغش والتزوير في المنتجات مثل المعادن الثمينة والمستحضرات التجميلية، ومن هذه الأجهزة التي تفتقدها الهيئة (التحليل الطيفي بالانبعاث الذري، والتحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي النووي… إلخ)؛ ونظرًا للحصار على بلدنا لا تتمكّن الهيئة من الحصول على مثل هذه الأنواع من الأجهزة الحديثة أَو الأجهزة الأُخرى الخَاصَّة بتطوير البنية الأَسَاسية لمختبرات الهيئة، وكذلك هو الحال بالنسبة لتقنيات النانو.

 

– ماذا عن توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عمل هيئة المواصفات؟

بالنسبة لموضوع الذكاء الاصطناعي فهي تقنية حديثة جِـدًّا في بلدنا وما زالت الاستعدادات المرتبطة بهذا المجال في بدايته من قبل الجهات المعنية المسؤولة على تقنية المعلومات، والذي يتطلب توفر إنترنت عالي السرعة، وكذا مهندسين وخبراء متخصصين؛ ليتم الاستعانة بهم، وكذا مراكز تخزين بيانات ضخمة لتشغيل أنظمة الذكاء، لكن أؤكّـد أن الهيئة لن تألوَ جهدًا في القيام باستخدام هذه التقنية وغيرها عندما تتسنى لها الإمْكَانيات لذلك.

 

– هناك أتمتة في قطاعات كثيرة اليوم.. لماذا تأخرت لديكم في الهيئة؟ رغم أنكم تعملون الآن ضمن بوابة موحدة مع الجمارك والضرائب، وغيرها؟

الهيئة بدأت في عمليات الأتمتة في السنوات القليلة الأخيرة في بعض المجالات المرتبطة بالجانب الفني وبالأخص الرقابة على الواردات ومجال تقييم المطابقة وتقارير الفحص، وما زالت مُستمرّة في عمليات الأتمتة بخطىً حثيثة.

وإن كان ذلك جاء متأخراً فقد كانت الهيئة تعاني قبل العدوان على بلدنا من نقص الكادر المؤهل في هذا المجال، وقد حاولت مراراً الاستعانة بشركات خَاصَّة في هذا المجال، إلا أن الخصوصية الفنية للهيئة وصعوبة وجود برامج مشابهة وسرية بياناتها لم يشجع الهيئة على المضي مع القطاع الخاص للاستعانة به في مجال الأتمتة.

 

– هل تتم عملية تبادل البيانات مع الهيئات الدولية والدول المصنِّعة والحصول على شهادات جودة السلع؟ وهل هناك تبادل حول هذا؟

الهيئة كانت عضواً في العديد من المنظمات الدولية الفنية، والتي كانت تحصل منها على المواصفات والأدلة الفنية الدولية التي تعينها في التعامل مع مهام الرقابة والتفتيش والفحص والتقييم للمنتجات الغذائية والصناعية، وكانت الهيئة تشارك في دراسة بعض مشاريع المواصفات الدولية والإقليمية في إطار إمْكَانياتها، إلَّا أنه منذ العدوان السعوديّ الأمريكي على بلدنا تم تعليقُ عضوية الهيئة في هذه المنظمات، ولم تستطع الهيئة الحصول على أية مواصفات أَو أدلة أَو أيٍّ من تحديثاتها إلا عبر طرق الدفع الإلكتروني المفتوحة للعامة وتنزيل أية وثائق تحتاجها إلكترونيًّا، دون التمتع بمزايا العضوية كالدعم الفني والتدريب المتخصص.

أما بالنسبة لموضوع تبادل شهادات جودة السلع مع الدول المصنعة، أود أن أنوّه هنا إلى أن تبادل الشهادات بين الدول يتم عندما يكون هناك اعتراف متبادل بين الجهات المعنية من خلال توقيع اتّفاقيات اعتراف متبادل بين الدول تضمن قبول شهادات الفحص والمطابقة الصادرة من مختبرات أَو هيئات معترف بها في الدول الأُخرى، والهدف من هذه الاتّفاقيات هي تسهيل التجارة الدولية وتقليل الحاجة لإعادة الفحص عند الاستيراد والتصدير، وبالنسبة للهيئة فهي لم توقع أي اعتراف متبادل ولا يمكنها ذلك حَـاليًّا في ظل الحصار الشامل على بلدنا.

وعند قيام الهيئة بإجراء عملية التفتيش على بعض المنتجات التي لا تتوفر إمْكَانية بالمختبرات لفحصها فَــإنَّه قد يتم الاسترشاد بالشهادات الصادرة لهذه المنتجات عن جهات معترف بها دوليًّا ولها سُمعة ممتازة لبناء الثقة الكافية بسلامة هذه المنتجات.

 

– هناك حديث عن قوانين تؤثر على عملكم في الهيئة، حالكم حال جهات كثيرة ترى في بعض القوانين معيق لعملها؟

مجال عمل الهيئة من النوع الذي يتطلب منها التطوير المُستمرّ في تقنيات الفحص وأساليب وطرق التفتيش وإجراءات العمل لتتمكّن من مواكبة التطور في تقنيات التصنيع الغذائي والصناعي للمنتجات المستوردة، وبالتالي فَــإنَّ تقادم التشريعات المرتبطة بمهام عمل الهيئة في ظل هذه التطورات لا يساعد الهيئة في القيام بعملها على أكمل وجه، وتؤدي إلى تطويل العديد من الإجراءات والتي تؤثر بدورها سلباً على تسهيل التجارة وحماية المستهلكين.

وأخص بالذكر على رأس القوانين قانون المواصفات رقم 44 لسنة 1999م والذي يحتاج إلى مراجعة وتحديث؛ نظراً لعدم مواكبته للتطورات.

ومن أمثلة تأثير التشريعات وجود ثغرات في بعض القوانين المعنية لتحديد الجهة المسؤولة بسحب أية منتجات من الأسواق تؤثر على صحة وسلامة المستهلك، كذلك عدم وضوح ما هي الجهة المعنية للرقابة والتحقّق من استمرار جودة وسلامة المنتجات بعد بيعها في الأسواق والرقابة على طرق التخزين والنقل بدءاً من تاجر الجملة وحتى تاجر التجزئة.

 

– هل تعتمدون أنظمة فحص مثل الباركود للسلع بحيث تظهر مواصفات السلع لتسهيل مطابقة الفحوص التي تجرى على السلع؟

النظام الذي تشير إليه يعتمد على الأتمتة، وقد يتم اعتماد العمل به إذَا رأى المختصون ذلك أَو العمل بما هو أفضل منه.

 

– حسنًا.. لماذا تتأخر بعض السلع عند عملية الفحص؟

في ظل الإمْكَانات المتاحة فلا بدّ أن يظهر بعض التأخير في فحص بعض السلع التي تنتظر دورها لحين الانتهاء من فحص سلع أُخرى سبق إحالتها إلى المختبر، وأنا أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي.

وقد تظهر أسبابٌ أُخرى مثل شحة بعض المحاليل وعدم توفرها في السوق المحلية، وَأَيْـضًا عند تحديث المواصفات القياسية؛ فقد يتطلب الأمر القيام بتعديل أنواع وطرق الفحص بما يتناسب مع هذه التحديثات مما قد يأخذ بعض الوقت.

 

– كونكم جهةً معنية بتقديم الدعم الفني للمشاريع الصغيرة للأسر المنتجة.. ما الذي تحتاجه هذه المشاريع من دعم فني استشاري لتصبح رافدًا اقتصاديًّا للبلد؟

نحن قريبون من أصحاب هذه المشاريع بحكم النزول الميداني المُستمرّ إليهم، ودائمًا ما نتلمس مشاكلهم واحتياجاتهم بشكل واقعي ومباشر، وهذه الشريحة من المجتمع تحتاج لكي تتمكّنَ من المنافسة في السوق، وأن يتم توفير المواد الخام لها بجودة وأسعار مناسبة من خلال تحديد موردين معتمدين لتوفير المواد الخام والتجهيزات بأسعار زهيدة وبجودة عالية ومن مصادر محدّدة موثوقة بها ومعفية من الجمارك والضرائب، مما يُسهم في تخفيف الأعباء المالية على المشروعات الصغيرة ويعزز من قدرتها على المنافسة.

وعلاوةً على ذلك تحتاج إلى تنظيم برامجَ تدريبية نوعية تركز على إدارة الجودة، الإنتاج، والتسويق؛ بهَدفِ رفع كفاءة أصحاب المشاريع والعاملين فيها، ويمكن أن يتم ذلك بالتعاون مع الهيئة ومراكز التدريب المتخصصة لضمان حصولهم على المهارات اللازمة لإدارة مشاريعهم بكفاءة. إلى جانب تقديم المشورة الفنية والخدمات المجانية للفحص والتحليل لهذه المشاريع التي تقدمه الهيئة والجهات المعنية لضمان جودة منتجاتها، ومساعدتها في اختيار المعدات المناسبة لتحسين كفاءة الإنتاج مع الالتزام بالمواصفات القياسية، فضلًا عن تشجيع المشروعات الصغيرة على تطوير منتجات جديدة تتماشى مع احتياجات السوق وتلبي توقعات المستهلكين، ومساعدتها على تقديم أفكاراً مبتكرة تُسهم في تعزيز التنوع الاقتصادي.

والأهم إنشاء مِنصات إلكترونية؛ بغرضِ تسهيل تسويق منتجات المشروعات الصغيرة والأسر المنتجة على المستويين المحلي والدولي.

ومن المهم إيضاح أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تعد حجر الزاوية في الاقتصاديات الحديثة، حَيثُ تلعب دورًا محوريًّا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتمثل هذه المشاريع نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول، كما أنها توفر فرص عمل لملايين الأفراد، وتساعد على تنويع مصادر الدخل، وتشجيع الابتكار.

وتتجلى أهميّة المشاريع الصغيرة في قدرتها على التكيف مع التغيرات الاقتصادية ودعم الاقتصادات المحلية وتحفيز الاستثمارات، فهي لا تقتصر على دورها في تحريك عجلة الإنتاج، بل تسهم في تعزيز الشمول المالي والاجتماعي؛ مما يقلل من معدلات الفقر ويزيد من الاستقرار الاقتصادي.

 

– هل يمكن أن تُختصرَ عمليات التقييس بالفحص قبل الوصول إلى المنافذ اليمنية بحيث تضمن الدول المصدِّرة معايير التصنيع التي تطلبها اليمن ثم قيامكم بدور تكميلي؟

استطاعت العديد من الدول القيام بتطبيق أنظمة ساعدت على تقليص إجراءات التقييس والرقابة قبل وصول البضائع إلى منافذها الجمركية، وبالمثل يمكن أن يتم تطبيق هذه الأنظمة قبل وصول البضائع إلى المنافذ اليمنية وضمان مطابقتها لمعايير التصنيع المطلوبة، إذَا تم تطبيق هذه الأنظمة وفق الخطوات التالية كمنظومة متكاملة، وعلى النحو التالي:

– التعاقد مع جهات فحص دولية في بلد التصدير لإجراء الفحص قبل الشحن، وهو ما يسمى بنظام التفتيش قبل الشحن، حَيثُ يتم إصدار شهادة مطابقة ترفق مع الشحنة لتسهيل عملية الإفراج في الجمارك.

– توقيع اتّفاقيات اعتراف متبادل مع مختبرات وهيئات فحص دولية معتمدة، ونشر قائمة بمزودي الشهادات المطابقة المعتمدة لضمان جودة المنتجات قبل الشحن.

– تطبيق نظام التسجيل يقوم على إلزام الشركات بالتسجيل المسبق في قاعدة بيانات وطنية والامتثال لمتطلبات التصنيع، وكذا تنفيذ عمليات تدقيق دورية للموردين لضمان استمرار الامتثال.

– إصدار شهادات مطابقة إلكترونية تعتمد على إنشاء منصة إلكترونية تربط المستوردين والمصدرين والمختبرات المعتمدة لتقديم طلبات الفحص إلكترونيًّا، وتسهيل مراجعة الشهادات الصادرة قبل وصول الشحنات إلى اليمن؛ مما يقلل الحاجة إلى فحص ميداني موسع عند المنفذ.

– تقسيم البضائع إلى فئات خطورة، بحيث يتم إعفاء منخفضة المخاطر من الفحص المتكرّر مع الاكتفاء بمراجعة المستندات، وتركيز الجهود على البضائع عالية المخاطر.

 

– باختصار ما الذي تحتاجُه المواصفاتُ لإنجاز عمليات الفحص بأسرع ما يمكن؟

من المهم توفِّرُ أجهزة الفحص المتطورة التي تستطيع فحص كافة السلع والمنتجات، كذلك تعدد المختبرات التابعة للهيئة في العديد من المحافظات لتسريع عملية الفحص.

 

– مع قرب شهر رمضان.. ألا ترى أن عمل المواصفات بهذا التوقيت يحتاجُ للكثير من الجهد لضمان جودة ما يتم دخوله من سلع حماية للمستهلك؟

بالتأكيد، فالهيئة مع اقتراب شهر رمضان تستشعر الزيادة في الاستيراد للعديد من المنتجات الغذائية والسلع الاستهلاكية وامتلاء الأسواق بها، حيثُ إن زيادةَ الطلب لهذه المنتجات قد يستغل لتسويق منتجات غير مطابقة للمواصفات؛ لذا فَــإنَّ الهيئة تبذل جهوداً مضاعفة عادة في هذا التوقيت من السنة من خلال تكثيف عمليات التفتيش على السلع الرمضانية والاهتمام بعمليات الفحص وسلامة التخزين لها، كما يتم التنسيق مع وزارة الاقتصاد والصناعة الاستثمار لإطلاق الحملات الرقابية في الأسواق على المنتجات وعلى الموازين لضمان سلامة الغذاء ومنعًا للغِش في الوزن.

 

– كلمة أخيرة لكم؟

“في الختام، أود أن أؤكّـد أن الهيئة تواصل جهودَها لتعزيز التعاون مع الجهات المعنية لضمان تطبيق المواصفات واللوائح الفنية بكفاءة، كما تسعى بشكل مُستمرّ إلى تطوير إمْكَاناتها، سواء من خلال تحديث مختبراتها أَو تعزيز قدراتها الفنية والبشرية، وذلك لضمان استكمال جميع جوانب الفحص وفق أعلى المعايير.

كما نتطلع إلى شراكات فاعلة مع مختلف القطاعات في الدولة أَو في القطاع الخاص لدعم سلامة وجودة المنتجات الوطنية والمستوردة؛ بهَدفِ حماية المستهلك، ودعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com