تهجير أبناء غزة حلمٌ لن يتحقّق

محمود المغربي

لقد كنا وكان الجميع وعلى مدار خمسة عشر شهراً شهوداً على أعظم وأخبث وأقذر عدوان على شعب أعزل ومحاصر، من قبل من قالوا إنها القوة العظمى الأولى في العالم أمريكا، التي جعلت من الكيان الصهيوني واجهة لها، وكيف واجه أبناء غزة العزل ذلك العدوان الوحشي والتدمير الخبيث لغزة وكيف صمدوا وقدموا أعظم التضحيات، وكيف صبروا على ما يرتكب بحقهم من جرائم ومجازر بشعة، وعلى صمت الضمير العالمي وعلى الخذلان والتآمر، بل المشاركة العربية في إبادتهم وحصارهم وتجويعهم حتى أكلوا أوراق الشجر، والسخرية والطعن والتشكيك بمن ناصرهم وقدم أعظم التضحيات في سبيل ذلك وحتى لا يتخلى عنهم.

وكيف تقبلوا خبر وقف إطلاق النار بالاحتفال مع أنهم قدموا ما يزيد عن ستين ألف شهيد أغلبهم نساء وأطفال وما يقارب مِئة ألف جريح وتم تدمير غزة بنسبة 90 % إلا أنهم تعاملوا مع ما حدث بأنه انتصار؛ كونهم يؤمنون أن الوطن أغلى وأعظم من كُـلّ التضحيات، وأن الموت في سبيله شهادة يسعى إليها كُـلّ مؤمن بالله وحر وصاحب قضية، وشاهدنا مناظر عودة أبناء غزة إلى مناطقهم وتلك الطوابير الراجلة المنتظرة بشوق ولهفة في معابر الدخول الأذن بالعودة، مع علمهم أن العدوّ لم يترك حجراً على حجر وعلمهم أن ليس هناك سوى الركام وبقايا الصواريخ والقنابل الأمريكية وأشلاء الأطفال والنساء المدفونة تحت ركام المنازل المهدمة والتي أصبحت قبوراً لهم، وكيف أنهم فضلوا البقاء والعيش فوق ركام غزة على العيش في أي مكان آخر حتى لو كان في أمريكا وأُورُوبا.

وكانت تلك المشاهد والعبر والدروس التاريخية كفيلة بجعل الكيان الصهيوني وترامب وكلّ من تآمر على غزة وفلسطين وكلّ من لا يفهم يفهم ومن لا يعقل يعقل ومن لا يؤمن يؤمن بأن هؤلاء شعب لا يقهر ولا يهزم ويستحيل الانتصار عليه أَو سلبه حقه وما يمتلك أَو إجباره على التوقف عن مقاومة الاحتلال والنضال لاستعادة أرضه وحقه المغتصب، وأن ليس بوسع أحد أَو كُـلّ العالم فعل ذلك، وإن كان هناك من سوف يرحل فهم أُولئك الدخلاء على الأرض الفلسطينية، أُولئك الذين لا ينتمون إلى فلسطين والمنطقة العربية، من لا يمتلكون دافعاً للبقاء وليس لديهم قضية أَو إحساس بالانتماء إلى الأرض التي يقفون عليها ويغتصبونها وهي ترفضهم وتلعنهم كُـلّ يوم وساعة، وقد جاءوا بهم من كُـلّ حدب تحت إغراء المنزل المجاني والدخل المادي الكبير وخرافات الأرض الموعودة التي لم تكن لهم وطن في يوم من الأيّام ولن تكون في قادم الأيّام والأزمان.

إلا أن هناك من لم يفهم ولم يتعلم من كُـلّ ذلك ولا زال يعتقد أن بإمْكَانه تركيع أبناء فلسطين وتصفية قضيتهم وتهجيرهم خارج أرضهم والاستيلاء عليها لتكون وطناً لمن جاء من أُورُوبا وروسيا وإفريقيا، ومن أُولئك المتغطرس ترامب الذي ربما لم يقرأ التاريخ ولم يكن يتابع ما حدث في 7 أُكتوبر، وما حدث بعد ذلك لخمسة عشر شهراً ولعله كان مشغولاً في العمل للعودة إلى البيت الأبيض الذي غادره بطريقة مذلة، وقد عاد إليه لكنه فوت أعظم درس في التاريخ وفي حياته كلها، وهو يعتقد أن بإمْكَانه تحقيق ما عجز عنه من سبق، من متطرفين ومتعصبين للكيان الصهيوني ممن كانوا سادة للبيت الأسود، ولا يدرك أن تجربة أجداده الأُورُوبيين في استيطان القارة الأمريكية وإبادة أبنائها الأصليين الهنود الحمر غير قابلة للتطبيق على الأراضي الفلسطينية، وأن تلك التجربة لن تتكر، وأن الأوان لم يفت على ترامب لتعلم الدرس الخاص به فأبناء فلسطين مُستمرّون في تقديم الدروس، لكن ذلك لن يكون درساً مجانياً وسوف يتحتم على ترامب دفع الثمن إذَا لم يتراجع عن حلمه الذي لن يتحقّق في تهجير أبناء غزة.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com