أزمة النخب العربية المنبهرة بسراب الحضارة الغربية
شاهر أحمد عمير
في عالم تتكشف فيه الحقائق يوماً بعد يوم عن الوجه الحقيقي للسياسات الغربية، لا يزال هناك من بين النخب العربية من يتمسك بوهم التفوق الغربي، ويغفل عن حقيقة الهيمنة والاستغلال التي يمارسها الغرب على شعوبنا ومقدراتنا. وَإذَا كان دونالد ترامب قد جسّد في فترته الرئاسية أبشع صور العنصرية والغطرسة السياسية، فإن ما هو أسوأ منه هو تلك النخب العربية المنبهرة بأمريكا والغرب، والمنخدعة بخطابات الحرية والديمقراطية المزيفة.
يمكن تتبع انبهار النخب العربية والإسلامية بالغرب إلى عدة عوامل مترابطة. أولاً، لعب الإرث الاستعماري دوراً مركزياً في ترسيخ عقدة التفوق الغربي لدى بعض الفئات، حَيثُ لم يكتفِ الاستعمار بنهب الثروات والسيطرة على الأراضي، بل سعى أَيْـضاً لفرض منظومته الفكرية والثقافية على الشعوب العربية. هذا التأثير امتد إلى النخب التي تلقت تعليمها في مؤسّسات غربية أَو تلك التي تشبعت بفكر غربي يرى في الديمقراطية الليبرالية النموذج الأوحد للحكم الرشيد.
ساهمت وسائل الإعلام الغربية والعربية التابعة لها في تضخيم صورة الغرب كرمز للتقدم والحرية، متجاهلة في الوقت ذاته الجرائم التي ارتكبها الاستعمار القديم والجديد، ودوره في دعم الأنظمة القمعية والاحتلالات في العالم العربي. هذا الخطاب الإعلامي خلق نوعاً من التبعية الفكرية، حَيثُ أصبحت بعض النخب تنظر إلى السياسات الغربية؛ باعتبَارها نماذج يُحتذى بها، حتى وإن تعارضت مع مصالح شعوبهم.
لقد كشف دونالد ترامب، دون مواربة، عن الوجه القبيح للسياسة الأمريكية. ففي عهده، أعلن دعمه المطلق للاحتلال الصهيوني، وشرعن اغتصاب الأراضي الفلسطينية، واعترف بالقدس عاصمة للكيان المحتلّ، وضرب بعرض الحائط كُـلّ القرارات الدولية. كما لم يتردّد في إهانة الأنظمة العربية الحليفة له علناً، وفرض عليها إتاوات مالية مقابل حماية زائفة، دون أن يحظى بأي رد فعل حقيقي يُعيد الاعتبار للكرامة العربية. والمفارقة هنا أن بعض النخب العربية لم ترَ في تصرفاته سوى براغماتية سياسية، معتبرةً أن ما يقوم به هو تطبيق واقعي لمصالح بلاده، وهو ما يكشف عن انفصام فكري عميق بين فهمهم لمصالح الأُمَّــة وإعجابهم بسياسات الهيمنة الغربية.
إن المعضلة الحقيقية لا تكمن في سياسات ترامب وأمثاله من قادة الغرب، فهم يمثلون مصالح دولهم وأجنداتهم الاستعمارية، ولكن الكارثة تكمن في أُولئك الذين يرون في هذه السياسات نموذجاً للحكمة والدهاء السياسي. هؤلاء النخب لا يدركون أن الغرب لا يحترم إلا من يقف نداً له، ولا يقدّر إلا من يفرض حضوره وقيمه بقوة الموقف والإرادَة.
لقد آن الأوان أن تتحرّر العقول العربية من هذا الوهم، وأن تعيد تقييم مواقفها بناءً على حقائق الواقع وليس على انبهار زائف بصور مزيفة من “التقدم” و”الديمقراطية” الغربية. فكرامة الأُمَّــة وعزتها لا تأتي من استجداء رضا الغرب، بل من الإيمان بقيمها الحضارية وتاريخها العريق، ومن الدفاع عن قضاياها العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
إن الشعوب الحرة تعرف جيِّدًا من هو العدوّ الحقيقي، وتدرك أن الغرب لم يكن يوماً حليفاً صادقاً لقضايانا، بل كان دائماً الطرف المستفيد من انقساماتنا وضعفنا. لذا، لا بد أن يكون الخطاب العربي اليوم أكثر وعياً، بعيدًا عن التبعية الفكرية والسياسية، وأكثر التزاماً بمصالح الأُمَّــة الإسلامية وهويتها.
فلا أسوأ من ترامب إلا تلك النخب التي تصر على تجاهل الحقيقة، رغم وضوحها الساطع كالشمس في كبد السماء.