الهدنة.. بين الثوابت الوطنية ومكر الخارج
بقلم/ صالح السندي
مع انجلاءِ موعد الهُدنة يأتي التساؤُلُ عن السيناريوهات القادمة: التمديد أم التراجع وَالانسحاب الكلي تحت مسمى الهدنة وَقرارات مجلس الأمن, إن كان كذلك فلِمَ قامت عاصفة الحزم على الـيَـمَـن وَما الذي حققته؟ هل كان الهدف تدمير البُنية التحتية أم الإخضاع أم كسر شوكة الداخل تلبية لأطماع الخارج, أم دارج ضمن سياسات الحلف الأمريكي الخليجي في المنطقة بإضعاف شُعوب المنطقة وَتدمير ترساناتها الحربية تلبية لأمن إسْـرَائيْل؟.
جميعُها أسئلةٌ محورية وَجوهرية تصُبُّ في ذات الهدف من استهداف الـيَـمَـن أرضاً وَإنْسَـاناً, وَمع الترقُّب وَما سيؤول إلَيْـه قرار التمديد أم معاودة العُـدْوَان ستتجلى حقائق عديدة وَتتكشف نوافذ جديدة عن الاستراتيجية المستقبلية للحرب على الـيَـمَـن, يبدو أبرزها وصول السفينة الإيْـرَانية (إيْـرَان شاهد) التي تحظى بتغطية إعْـلَامية غير مسبوقة في المنطقة لا يضاهيها إلا أسطول الحرية إبان حرب غزة, تهديد مساعد رئيس الأركان العامة الإيْـرَانية جنرال مسعود جزائري عن عدم التعرض للسفينة ما لم فإنها ستكونُ سبباً في إشعال الخليج وَالمنطقة, جاء متزامناً مع التصعيد الإيْـرَاني الذي بدا وَاضِحاً في رسائل المرشد الأعلى خامنئي بأن السعودية ترتكب حماقةً في الـيَـمَـن وَأن جرائمها لن تمر دون عقاب، مع تصريح علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي الإيْـرَاني بأن سلمان خائن للأمة الإسْلَامية! مع تمسك الـيَـمَـن بالهدنة وَالاحتفاظ بحق الرد يجعل مصير الهدنة قاب قوسين أَوْ أدنى من الانهيار وَعدم جدوى خيار التمديد وَالانسحاب الكلي أَوْ الاستمرار في الغرق وَالتورط السعودي في الـيَـمَـن, كما كان مزمعاً للحرب أَن تستمر تحت ما يسمى بعاصفة الحزم لمدة ستة أشهر, وَرصد لها ما يقارب المليار دولار، علاوة على الأموال الطائلة التي أُنفقت لشراء ولاءات وَمواقف الدول وَتأييد العُـدْوَان, مع ما تخللته من صفقات أَسْلحَة غربية وَأمريكية, مع ما تم تسليحُه خلال السنوات الثلاث الماضية وَالتي بلغت ثلاثمائة مليار دولار في المنطقة, يجعل من شبهِ الجزيرة العربية منطقة ليست عائمةً على بحر من النفط فحسب بل وَعلى بحر من السلاح وَالبارود.
ذهابُ أمراء الخليج إلى أمريكا تلبيةً لدعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في محاولة بائسة لإعادة الضمانات وَتجديد العهود وَالمواثيق بحفظ الأمن الخليجي من مغبة أية مغامرة إيْـرَانية أَوْ رد صارم من الـيَـمَـن, وَفي المقابل تعهد الإدَارَة الأمريكية بنشر قبة دفاعية صاروخية وَإمداد الخليج بالمزيد من القوات وَالعتاد بالرغم من أن دول الخليج أصبحت بحد ذاتها منذ حرب عاصفة الصحراء وَغزو العراق قاعدة أمريكية كبرى في المنطقة, وَليس من سبب مقنع لإيجاد مبررات للدعم الأمريكي المتناهي في ظل عزوف إيْـرَان وَتراجع وتيرة إنتاجها النووي إلى مراحل تخصيب متأخرة قد تستمر خمسة عشر عاماً, الدعوة الأمريكية جاءت لإرضاء الخليج إزاء الموقف الأمريكي المرن من الملف النووي وَقرب التوقيع على مسودة الاتفاق النهائي نهاية يونيو القادم, وَالابتزاز وَاستغلال الخليج لدر المزيد من الأموال للبنوك الأمريكية وَفتح شهية شركات وَمصانع التسليح التي تسابقت لعقد الصفقات الإنشائية لمنظومة الدفاع الصاروخي وَالإنذار المبكر.
الموقف الـيَـمَـني النابع من الثوابت الوطنية من السيادة وَالاستقلال وَالدفاع المشروع هو الأهم في خضم تلك التجاذبات الدولية التي لن تحيد عن الكرامة الوطنية وَالاحتفاظ بحق الرد آجلاً أم عاجلاً, فالمغامرة السعودية لن تمر في الـيَـمَـن دون عقاب وَرد رادع وَصارم, هكذا يوحي المشهد الـيَـمَـني العام من سير مظاهرات الغضب وَالثورة العارمة التي تجتاح النفسية الـيَـمَـنية المعتدى عليها من الجارة المملكة السعودية, وَما نتج عنها من أضرار بالغة وَجسيمة في الأرواح وَالممتلكات, تجعل الوضع الساخن برمته ليس مرهوناً بهدنة مؤقتة أَوْ انتهاءِ عُـدْوَان وَقابلاً للخضوع بالتمديد أَوْ مصالحة وطنية أَوْ حوار وَتفاوض سياسي ما, بما ينعكس سلباً على العلاقة بين البلدين الجارين, وَقبل أن نتحدث هنا عن السياسة التي أصبحت ضرباً من الخيال- وَمآلاتها يجب التنويهُ إلى إعادة التوازن في العلاقة عن طريق استعادةِ الكرامة وَالاحتفاظ بحق الرد, ما لم فسنشاهد هنا علاقةً مركبة عدائية طويلة الأمد أوجدتها الحروبُ وَالثأرات، كما في فلسطين وَالكيان الصهيوني المحتل نموذجاً, علاقة عدائية دائمة لا تفضي إلى سلام دائم وَلا تحقق حرباً نهائية, وَنصراً محققاً لأي طرف, تبدو السياسة الأمريكية تتعامَلُ وَحسب نصوص صامويل هنتجتون في كتابه (صدام الحضارات), حينما تحدث بروية عن إدَارَة الصراعات في العالم وَإيجاد حالة دائمة من حروب حضارات، بما تشمله من مختلف الأديان وَالثقافات وَالمجتمعات, عن حروب خطوط التقسيم الحضاري, حروب التقسيم متقطعة وَصراعات التقسيم الحضاري ليس لها نهاية, بما تعنيه من حروب إبادة جماعية وَمجازر وَنزوح جماعي لمئات الآلاف وَتدمير المدن وَالبنى التحتية.
تسلسل الإيقاع العدائي وَمنهجية الحرب على الـيَـمَـن بدأت توضح ذلكم الكم الهائل من النظريات وَالفرضيات المطبقة وَالتي تعسر تطبيق شرق أوسط جديد بناءً عليها وَأثبتت فشلها عبر أدوات وَأساليب عدة, كان أهمها إحداث فجوة تَأريخية وَثقافية مزمنة بين شعوب المنطقة, وَإيجاد بؤر صراعات دائمة, لا يتوقف جحيمها, تارة باستخدام الدين وَالطائفية وَتارة بتأجيج المناطقية، وَأخرى بضرب القوميات بعضها ببعض, لذا بدت عليه منطقة العالم العربي وَالإسْلَامي دون سواها مستهدفة من المحيط إلى الخليج, وَبدت الأكثر تمزقاً وَشتاتاً وَإقلاقاً للأمن وَالسلم العالمي, باستثناء دول الخليج التي هي في حد ذاتها أدواتٌ لتمرير مخططات المحفل الماسوني الأمريكي بكل فلسفياته وَخططه وَمؤامراته الليبرالية خدمة لنفوذه على العالم أجمع.
قال تعالى:
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
صدق الله العظيم