رسائل الوداع الكبير للشهيدَينِ الأمينَين.. المقاومةُ لا تنكسر

أحمد داوود

حُمِلَ النعشان على الأكتاف، وذُرِفت دموعٌ كثيرة.. إنه وقت الوداع، لقائدَينِ استثنائيَّين لم تنجب الأُمهات مثلَيهما في عصر الجنون “الصهيوني”.

وداعًا شهيدَ الإنسانية القائد السيد حسن نصر الله، وإلى جنات الخلد أيها الصفي الهاشمي، لقد آن لهذين الجسدين أن يرتاحا، بعد مسيرة عطاء وكفاح وجهاد في سبيل الله، في مواجهة أعداء الإنسانية الكيان الإجرامي الصهيوني، والعدوّ الأمريكي المساند له.

مشهد التشييع كان مهيبًا؛ فالحشود التي حضرت من مختلفِ أنحاء العالم إلى بيروت، لم تأتِ للتسلية، أَو للسياحة كما هو دأب بيروت، وإنما حضر الجميع في هذا اليوم لتشييع جثمان قائدين لا مثيل لهما في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فالحزن هو سيد الموقف، والأسى على فراق الأحبة يملأ القلوب، وشمس بيروت اليوم منطفئة، تشاطر أهلها الحزن والأسى، ورجال ونساء يبكين على فقدان شهيد الأُمَّــة السيد حسن نصر الله، ومن حق أي حر في هذا الكون أن يبكي، كيف لا، وهنا يوارى جسدُ القائد العظيم، والمجاهد الكبير، وإمام الأحرار والمقاومين، وهنا يغيب الجسد الروحاني إلى الأبد، لتبقى ذكراه عالقة في الأذهان والوجدان، وفي ضمير كُـلّ إنسان.

سيدون التاريخ أن القائد العظيم السيد حسن نصر الله، لقي الله في أعز وأشرف موقف، بعد أن أطلق على المجاهدين الأبطال الذين يقتلون في سبيل الله في مواجهة العدوّ الإسرائيلي تسمية “شهداء على طريق القدس”، وكأنه كان ينحتُ هذه الصفة على نفسه، ولقد تمنَّى الشهادة في مناسبات عدة، ونالها، وهو اليوم “شهيد على طريق القدس” بل وسيد الشهداء.

احتاج العدوّ الإسرائيلي إلى القنابل الثقيلة وقاذفات بي 82، ليلقيها على رأس السيد حسن -سلام الله عليه- ملقيًا قنابل تزن ألفَي رطل، وقد لقي الشهيد الأسمى ربه في أكبر عملية اغتيال على مر التاريخ، مقبلًا غير مدبر، وفيًّا لمبادئه، وعهده، ولقد اصطفاه الله لينال هذا الوسام الرفيع، ليكون في العليين مع الشهداء والصديقين والأنبياء وحسن أُولئك رفيقًا.

الدموع تنهمر اليوم من أعين آلاف الأحرار في العالم، وهي دموع على طريق القدس، ومن حق كُـلّ إنسان أن يبكي اليوم على فقدان هذا القائد العظيم، والذي أسّس لنا مشروع المقاومة، وعلّمنا معنى الشهادة، وكيف لنا أن نلاقيَ أعداء الله بقوة وثبات وشموخ، وبكل تأكيد فَــإنَّ السيد حسن نصر الله، مدرسة نستلهم منها كُـلّ المعاني الراقية، في العزة، والشموخ، والصبر، والثبات، والنقاء، والصدق، والاعتزاز بالوطن، وعدم الذل والهوان أمام أعداء الله.

الدروس التي يمكن أن نستلهمها من مراسم تشييع شهيدَي الإنسانية السيد القائد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين كثيرة ومتعددة؛ فهذا التشييع المهيب للشهيدين الأقدسين لم يحضره الزعماء والملوك وأصحاب الفخامة والسمو العرب، فهؤلاء الذين امتهنوا الذل والهوان لا يليق بهم الحضور في عزاء الأكرمَين، والقائدين الشجاعين؛ فهم أصحاب اختصاص للانبطاح والولاء للأمريكيين والصهاينة، ولهذا تميز موكبُ تشييع شهيد الإنسانية السيد حسن نصر الله ورفيق دربه بالخلو من هؤلاء الملوك والرؤساء.

وإذا كان العدوّ الإسرائيلي قد استبشر وفرح كَثيرًا لنبأ استشهاد القائدين العظيمين قبل أشهر، فَــإنَّه اليوم في قمة غيظه وغضبه، للحضور المهيب وموكب التشييع الكبير للشهيدين، وكم تمنى المجرم نتنياهو وترامب أن يوارى جسد شهيدَي الإنسانية في الثرى دون تشييع أَو مراسيم، لكن ما حدث أن الشهيدين نالا الفوز مرتين: المرة الأولى بالاصطفاء لهما من الله عز وجل، والمرة الثانية بهذا الحضور المهيب ومحبة الناس لهما، ومن أحبه الله، وأحبه الناس فقد فاز فوزًا عظيمًا.

ومن الدروس الكبيرة في مراسم التشييع أن حزب الله الذين ظن الأعداء ومرتزِقة العرب أنه قد تحطم وانكسر، قد أظهر قوته من جديد، وخرج من ركام الحرب، ليعلن أنه لا يزال موجودًا في قلب المعركة، وأن لبنان لا شيء بدون المقاومة، وبدون حزب الله، وبدون جمهور الحزب.

كذلك، أوصل التشييع الكبير رسالة لمحور المقاومة، بأن حزب الله لا يزال بخير، وأنه لا يزال فاعلًا في المشهد، وأن الضربات مهما كانت موجعة ومؤلمة لا تزيد الأحرار في هذا العالم إلا قوة وعنفوانًا وبأسًا، والسير على طريق الحق، وما أجمله من طريق لا سِـيَّـما وهو في مواجهة الطغاة المستكبرين أمريكا و”إسرائيل”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com