“انتصار الدم على السيف” في أجواء وداع شهيد الإسلام والإنسانية

محاولات العدوّ الصهيوني لترهيب المشيِّعين وإعاقة المراسم رسمت صورة جديدة لهزيمته المدوية

 

المسيرة| خاص:

ودَّعت الأُمَّــة وأحرار العالم، الأحد، شهيد الإسلام والإنسانية سماحة السيد حسن نصر الله، وخليفته الأمين العام لحزب الله السيد هاشم صفي الدين، في يوم تأريخي اختلطت فيه مظاهر العزاء بعهود مواصلة المشوار، جهاداً، وتضحية، وبذلاً، في معركة أغلق فيها الشهيد العظيم زمن الهزائم، وفتح زمن الانتصارات، بما في ذلك انتصار الدم على السيف، والذي تجسد بوضوح من خلال مشهد الغارات العدوانية على لبنان ومحاولات الترهيب الإسرائيلية التي تزامنت مع فعالية التشييع بغرض إعاقتها، خوفاً من صورة ذلك الانتصار.

 

الدمُ المنتصِر:

المشاركة الواسعة في التشييع، من جانب الجماهير اللبنانية والوفود الإقليمية والدولية الرسمية وغير الرسمية، رسمت صورة جديدة من صور معادلة “انتصار الدم على السيف” وهي المعادلة التي مثلت عنواناً رئيسيًّا لخط المقاومة الذي أسسه سماحة السيد حسن نصر الله ورفاقه في قيادة حزب الله، على مدى عقود من العمل الجهادي، والذي أصبح عنواناً لمنهج المقاومة في المنطقة بأكملها، ويعتبر “عقدة” استراتيجية كبرى لا تستطيع جبهة العدوّ تجاوزها أبدًا، ذلك أن هذه المعادلة تنسف فاعلية كُـلّ الوسائل والأدوات المادية والمفاهيم التي يستند إليها الأعداء والتي تتمحور بشكل أَسَاسي حول القتل والوحشية والتدمير كطريق للردع والانتصار والهيمنة، وهو ما يتبخَّرُ تمامًا في مواجهة خط تُشكل فيه التضحية عاملاً أَسَاسيًّا من عوامل النصر، فتصبح كُـلّ وسائل العدوّ ومفاهيمه عبارة عن أسباب لهزيمته.

هذا ما عكسه الاحتشادُ اللبناني والمشاركة الإقليمية والعالمية الواسعة في التشييع الذي تحول من مناسبة “عزاء” كان يتوقع العدوّ أن يشعر إزاءها بالشماتة والنشوة إلى ما وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ”عرض قوة” أكّـد من جهة تماسك حزب الله والتفاف الجماهير اللبنانية حوله وحول مشروع السيد الشهيد، وبالتالي سقوط كُـلّ الآمال التي علقها العدوّ على الاستفادة من جريمة اغتيال قيادة المقاومة في حصار الحزب وتفكيكه وتهميش حضور بيئته في الساحة اللبنانية.

ومن جهة أُخرى، عكس الاحتشاد أَيْـضًا استمرار حضور حزب الله وتأثير سماحة السيد حسن نصر الله، على الساحة الإقليمية والعالمية، ليس فقط كرمز قومي وإنساني لمرحلة انتهت، وإنما كقائد مشروع عملي مُستمرّ يتضمن تنسيقاً فعالاً بين جبهات عسكرية وأمنية وتعبوية وثقافية عابرة للحدود، هدفها الأسمى الموحد هو هزيمة الكيان الصهيوني وتدمير كُـلّ أَسَاسات نظام الهيمنة والاستكبار الذي يقوم عليه.

 

السيف المهزوم:

هستيريا العدوّ الصهيوني قبل وأثناء التشييع عكست هي أَيْـضًا تحقّق معادلة “انتصار الدم”، حَيثُ شن جيش الاحتلال عدة غارات على جنوب لبنان وأرسل مقاتلاته للتحليق فوق منطقة التشييع، وحاولت وسائل الإعلام العبرية ترهيب الحشود المشاركة في التشييع من خلال نشر أخبار عن مراقبة المراسم، وعدم السماح بتحولها إلى استعراض للقوة، وهو ما أثبت بوضوح خشية العدوّ من دلالات الصورة الاستثنائية للتشييع، والتي على عكس كُـلّ حسابات العدوّ، لم تجسّد “الخسارة” المتمثلة بفقدان سماحة السيد بقدر ما جسَّدت انسجامَ تضحيته العظيمة مع استمرارية التهديد الاستراتيجي لجبهة المقاومة والذي كان يفترض أن ينتهي باغتياله وفقاً لحسابات العدوّ.

ولم تقتصر خشية العدوّ المعبرة بوضوح عن هزيمته على حدود الإطار العام لصورة التشييع، بل كانت حاضرة حتى في تفاصيل الصورة، حَيثُ عبر الإعلام العبري عن مخاوف واضحة من مشاركة الوفود الإقليمية والعالمية في التشييع، بما في ذلك الوفود الإيرانية واليمنية؛ باعتبَار أن تلك المشاركة تترجم استمرار التنسيق بين جبهات استراتيجية كانت حسابات العدوّ تعول على انهيار التنسيق والتلاحم بينها بعد اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله الذي كان “محور” تكوين وتطور هذا التنسيق المشترك.

وبالتالي فَــإنَّ محاولات العدوّ لإعاقة مراسم التشييع ومخاوفه الواضحة من المشاركة الواسعة فيه، تترجم سقوط كُـلّ “المكاسب” التي كان يأمل حصدها من خلال اغتيال سماحة السيد الشهيد ورفاقه في قيادة حزب الله، بل تترجم تحول تلك “المكاسب” إلى نتائج عكسية، فالتحدي الذي عبر عنه الاحتشاد الجماهيري والمشاركة الخارجية الواسعة في مراسم التشييع، برغم التهديدات ومحاولات الترهيب، يعني أن شهادة السيد حسن نصر الله قد تحولت إلى محرك إضافي لتعزيز قوة جبهة المقاومة في لبنان والمنطقة على كُـلّ المستويات، وهو ما يعتبر ضربة قاتلة للهدف الأَسَاسي من وراء جريمة اغتيال السيد.

 

زمن الانتصارات لم ينتهِ:

وفيما تسيطر دلائل وشواهد انتصار المقاومة وهزيمة العدوّ، على أجواء وداع القائد الذي يعترف الجميع بأنه لا يُعوض، فَــإنَّ جميع حسابات مستقبل الصراع لا زالت تشير إلى أن زمن الانتصارات الذي فتحه سماحة السيد حسن نصر الله، لن ينتهي برحيله، وأن الفراغ الذي تركه في موقع القيادة سواء على مستوى حزب الله أَو على مستوى محور القدس، سيمتلئ بامتداد ونتائج عمله المبارك والذي بات الجميع يحملونه على عاتقهم كأمانة مقدَّسة.

ومثلما كانت التضحيات الكبيرة محطات أَسَاسية في تطوير خط ومسار العمل الجهادي والمقاومة على امتداد عقود مضت في مختلف جبهات المقاومة، فَــإنَّ شهادة السيد حسن نصر الله، لا تحمل في طياتها فقط دلالات استمرار وتماسك مسار المقاومة، بل تحمل أَيْـضًا دلالات لتحولات كبيرة ستصنعها الرغبة المشتركة لدى الجميع في الوفاء لدماء وعهد السيد الشهيد، وَأَيْـضًا الدروس المستفادة من المعركة الكبرى التي قُدمت فيها هذه التضحية الاستثنائية على كُـلّ المستويات، بما في ذلك المستوى الأمني والعسكري والسياسي، فهذه التضحية بقدر ما مثَّلت “صدمة” لا يمكن إنكارها فقد وضعت الجميع أمام ضرورات كبرى وحساسة لتطوير أداء جبهة المقاومة وسد ثغرات مهمة والحاجة إلى تأمين مكاسب المراحل الماضية بمعادلات جديدة تدفع العدوّ باستمرار نحو هزيمته النهائية الموعودة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com