وداعًا يا قائدَ الأحرار

 

إسماعيل سرحان

في مشهدٍ تتنهد فيه أرواحُنا باكيةً، وداعك، يتلاشى كُـلُّ شيء حولنا، ويقف الوجع صامتًا، والقلبُ يئنُّ على الفراق الأعظم. إنه اليوم الحزين الذي لن يكون مُجَـرّد يوم آخر، بل تاريخ يُسجل بحروف من دموع وأمل.

يومٌ يئن فيه الحجر والشجر، وتنزف فيه السماء بلا حدود، يوم يتبدى فيه الوجع الفظيع على وجوه الأطفال وكبار السن، حَيثُ لا صوت يتجاوز صداقة الألم المترسب في النفوس.

إنه اليومُ الحزين، الذي يتعانق فيه الحزن بالأمل، وتتدافع فيه الدموع لترويَ أرضًا عطشى لذكراك. يومٌ تعبر فيه الريح عن آلام الأُمَّــة والقدس والجبل الأسود، في حين ينساب نهر الليطاني باكيًا عليك، حتى هذه اللحظة. كيف يمكننا أن نتخيل مجرىً مائيًّا دون أعوام من النضال، دون شغفك الذي أشعل شريان المقاومة؟

إنها ساعةُ اليقين، سادةَ المجاهدين! أنتم الذين توارون قائدَكم في لحده، تبكونه فقدًا، وتجددون العهد “على خُطَى ثابتين”. كيف سيعود الدفء إلى قلوبكم وقد غابت شمس العز والمقاومة؟ لكن رغم حجم الفقد، عليكم وعلينا وعلى الأُمَّــة بكلها، تحمل الطيور أجنحتها، تبكي على نعشك، كأنها تعزف ألحانَ وداع القلوب المحترقة، لتوصيل رسالتها: لن تنطفئ شعلة المقاومة، ولن يتلاشى اسمُك من الذاكرة، كأنها تعرف أنها تودع رجلًا كان صونها من عتبات الانكسار.

شهيد الإسلام والإنسانية أنت الذي رَمَّمتَ أحزاننا، كنتَ الطمأنينةَ في قلوبنا. كيف لنا أن نعيد تشكيل أفكارنا وأحلامنا ونحن نفتقدك؟ كيف نستمر في المسير وقد غاب عنا من كان يعزف لنا لحن الجهاد المقاومة؟

كيف يمكن لنا أن نتخيَّلَ الحياةَ للأُمَّـة دونَ قيادتِك النبيلة؟ وأنت، يا من كُنتَ سيفًا مسلطًا على الباطل، لم يكن الخذلان يعرفك.

يا عزيز الروح: عزاؤنا الوحيد، أنك لن تموت! ما صنعته في سفر التاريخ خَالِد، كنبع ينساب عبر العصور، وفي كُـلّ بيتٍ تُهمس فيه أخبارك، ستظل جدران الذكرى تحتضن صوت الحق الذي دوّى حين خفتت الأصوات.

بكيناك، يا سيد العشق، فقدًا عليك، بوصفٍ لا يُحصى من الآلام، لكن في كُـلّ دمعة تسقط من العيون، تمتزج القوة بالضعف، لتسرد قصص الأمل والبقاء.

لك، يا سيد المقاومة، وعليك يأتي الحزن ليكون فراقك دافعًا نحو استئناف المشوار. لن ننسى وعدك، نحن ثابتون على الخُطَى، مُجددين العهد: “سنبقى هنا، على خطاك ثابتين”. أنت الأمل الذي نحياه في قلوبنا، إن كُـلّ دمعة تسقط من العيون كفيلة بأن تكون شهبًا تنير درب المستضعفين، ونارًا تحرق الطغاة والمستكبرين.

نعم، رحل الجسد، لكن الأثر باقٍ.

أنت، يا نصر الله لم تكن مُجَـرّد قائد بل أُمَّـة تجسدت في رجل، وعقيدة راسخة، وفكرة متجذرة في الأرض. نضالك سطرّته في صفحات التاريخ، ليبقى خالدًا كما هي الإرادَة الفولاذية التي أردتها لأمتك وأمة جدك رسول الله صلى الله عليه وآله، وصوتًا دوّى في ساحات المقاومة حتى أصبح نصرًا يتجسد في أرض الواقع.

رحلت يا من كانت لك اليد القوية التي مسحت دموع الظلم عنا، ولكنك تظل في كُـلّ نقطة حجر عثرة أمام اليهود، وتضحية كبرى في سبيل الله وَالعدالة، وتظل في كُـلّ قلب ينبض بالإيمان.

سلام عليك، يا شهيد أُمَّـة الإسلام، لما أشعلت جذوة الأمل فينا، ونعدك أنها لن تُطفأ.

ستستمر المقاومة على خطاك، وسنبقى نرفع رايتك في كُـلّ ميدانٍ نرسم فيها معالم المجد بوضوح اليقين. فأنت الأمل الباقي، وكلما وقع الفجر على الأرض، تذكرناك وتعود ذكراك كما لو كنت موجود بيننا.

شهيد القدس نعدك أننا لن ننساك، سنظل نعتزّ بك، سنظل نتذكر كُـلّ لحظة خطتها يدك الكريمة. سلامٌ على من حمل راية العزة حتى آخر رمق، وعلى من ظل اسمه منارةً للكرامة والمقاومة، ما دامت الأرض تنبض بالحياة. لن يكون الفراق معك إلا سبيلًا للمضي قدمًا، فذكركم هو عزم دائم على مواصلة الطريق.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com