حين خرج شعب النور لمواراة الشمس.. يوم وداع شهيد المسلمين والإنسانية وصفيه

حي على الوداع.. طوفان مليوني مهيب يلخص كُـلّ المراحل ويختصر الزمن

رسائل طوفان التشييع: دماء القادة الشهداء وقود لاستمرار الجهاد والمقاومة حتى النصر الكامل

 

المسيرة | خاص ‏

حين توارى الأجساد تحت الثرى، لا يعني أن يدفن التاريخ، إذ كيف يدفن من كان حجمه أكبر من الجغرافيا، ووزنه أثقل من الأرض؟ كيف يستوعب التراب رجلًا زلزل بقدميه خرائط العالم، وهز بصوته عروش الطغاة؟ كونهُ سيبقى رمزًا خالدًا وضوءً ساطعًا في ذاكرة الأجيال المتعاقبة.

تحديدًا في المدينة الرياضية ومحيطها، ومُرورًا بشوارعها ووُصُـولًا إلى المرقد الشريف، وفي مشهدٍ مهيبٍ يعكس قوة التلاحم الشعبي والإرث الأممي، شهدت العاصمة اللبنانية بيروت، طوفانًا بشريًّا مليونيًّا هادرًا ومسيرة تشييع مهيبة وداعًا لأمينَي عامّ حزب الله، الشهيد القائد التاريخي، السيد حسن نصر الله، والشهيد السيد هاشم صفي الدين.

في تفاصيل المشهد؛ ومنذ ساعات الصباح الأولى، بدأت شوارع بيروت تشهد زحفًا هائلًا من الوفود التي توافدت من جميع أنحاء لبنان، محملةً بأحاسيس الوفاء والعرفان، لتسجل يومًا آخر من أَيَّـام التضحية والإباء، في الحضور والمشاركة بمراسيم الوداع الأخير.

وامتلأت مدينة “كَميل شمعون الرياضية” بعشرات الآلاف من محبي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذين جاءوا للمشاركة في تشييع رمزين من رموز المقاومة، الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، اللذين استشهدا بغارات صهيونية غادرة خلال العدوان على لبنان.

هذا التشييع لم يكن مُجَـرّد وداع جسدي، بل كان تكريمًا لعزيمةٍ لا تلين، ولإرثٍ لا يمحى، بل يتناقل لينبض في قلوب الأجيال، مشعًا في دروب الجهاد والمقاومة والعزّة والكرامة، أمّا الحشود، فكانت تقول بصغارها ونسائها وشبّانها وكبارها: “إنّا على العهد.. يا نصر الله”.

وكطوفانٍ هادر؛ ملأت الحشود المليونية الغفيرة، الشوارع والطرقات، لتودّع هذه القامات السياسية والدينية التي سطّرت تاريخًا من الجهاد والنضال والتضحية، حَيثُ تجمّع الناس على مختلف مشاربهم، جنسياتهم، طوائفهم وتوجّـهاتهم السياسية ليعبّروا عن تضامنهم ووفائهم، مردّدين شعارات تخلّد الذاكرة وتحيي الإرث الذي تركه الراحلان في مسيرة الجهاد والمقاومة.

وفي قلب هذه اللحظات الحزينة، التي طغى عليها الألم والمشاعر الجياشة، حمل المشاركون راياتِ حزب الله والأعلام اللبنانية، مرفوعة بفخر وإعزاز، مع صور الشهيدين اللذَين طبعا تاريخ المقاومة في كُـلّ الأرجاء، وقد قدَّر المنظمون هذه الأعداد تفوق عن “مليون و400 ألف شخص”.

ورغم الحزن العميق على فقدانهم، الذي يظهر على وجوه الجماهير المشاركة، إلا أنّ دموعهم ممتزجة بمشاعر الفخر والإباء؛ لأَنَّهم على يقين بأنّ إرث الشهيدين الكبيرين سيظلّ حيًّا في قلوب الأجيال القادمة.

وفي المشهد؛ ما إن عرضت قنوات التلفزة العالمية ومنها الإسرائيلية؛ مشاهد جوية تظهر حجم المشاركة الجماهيرية الأممية الواسعة في تشييع الشهيدين الأمينين في المدينة الرياضية والساحات المجاورة لها، والرسائل المعنونة لقوة الحق ومنطق القوة في كلمات المشيعين، حتى جن جنون قادة كيان الاحتلال، ليرسلوا طائراتهم فوق الجموع تخويفًا وترهيبا.

الطوفان المليوني لم يرهبه التحليق المنخفض جِـدًّا للطيران الحربي الصهيوني فوق مراسم تشييع الشهيدين السيدين؛ بل كان ذلك حافزًا إضافيًّا لهم كي يلتفوا أكثر فأكثر حول النعشين المباركين، فهتفوا بأعلى أصواتهم “الموت لإسرائيل” و”الموت لأمريكا”، و”لبيك يا نصر الله”، و”إنا على العهد يا نصر الله”، فكان دوي شعاراتهم أعلى من هدير الطيران الحربي الصهيوني.

وفيما عاود طيران العدوّ محاولاته اليائسة، وحلَّقَ بسربٍ على ارتفاع منخفض مرة أُخرى فوق الحشود، فكان ردهم هو هو: “لبيك يا نصر الله” و”إنا على العهد يا نصر الله”، وواصلت هذه السيول البشرية المتدفقة من المدينة الرياضية إلى محيط مسار التشييع ومرقد سيد شهداء الأُمَّــة السيد حسن نصر الله، مُرورًا بشارع الشهيد قاسم سليماني في محيط المرقد الشريف، حتى وصول النعشين إلى باحة الضريح، في الضاحية الجنوبية، حَيثُ ووري الثرى، فيما سيدفن السيد هاشم صفي الدين في مسقط رأسه في “دير قانون النهر”.

هنا؛ وفي هذا اليوم المشهود من أَيَّـام العزة والصمود والوفاء على العهد، خرجت هذه الملايين في مسيرة التشييع والوداع، تأكيدًا على أن المقاومة ليست مُجَـرّد خيار، بل هي نهج متجذر في وجدان شعوب الأُمَّــة، ورسالة واضحة بأن دماء القادة الشهداء هي وقودٌ لاستمرار الجهاد والمقاومة حتى تحقيق النصر والتحرير، ورسالةً تعمق مأزِق العدوّ الوجودي أمام هذا الزحف الحاشد.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com