كيف لجبل أن يواريَه الثرى؟!

 

بشرى خالد الصارم

انتهى موكب التشييع المليوني، وكل من رحل بجسده من مكان حضوره، وبقيت أرواح الحاضرين متعلقة بذاك النعش الأمين حتى مثواه الأخير، وبخطى ثقيلة تجر واحدة الأُخرى غادر ضيوف الأمين من شركاء الرثاء وحماة الدرب، من كان لهم أمين أرواحهم كما كان أمين حزبهم، وبين تنهيدة ودمعة لبثت أعينهم تعتلي الأرجاء تبحث عن طلة أمينها نهاية ذلك الجمع.

سنون من العطاء ترجمه حشد مليوني تجود دماءُ الحاضرين تضحية وفداء كما جادت دموعهم حزنًا وَولاء، يجود حضورهم بأنهم من خيرة الصحبة المحبون الأمناء لأمينهم، الوفيون لمن وفى بروحه لأجلهم، عاهدوه ووفوا بالعهد حتى اللقاء الأخير.

وفي اللقاء الأخير ومن بين الجموع، سيدهم هنا، وهم معه على العهد، وعلى الوعد ولن يبدلوا تبديلا، وسؤال حالهم يقول: ما بالنا يا أميننا لم نقدر على استيعاب الموقف؟! ما بالنا يا سيدنا لم نتعود على وقع الخبر؟! علمتنا الصبر عند المحن ولم تعلمنا كيف نصبر على محنة فراقك، علمتنا التصبر والتجلد عند المصائب ولم تعلمنا كيف نتعود على غيابك، لم تكن أيامنا الماضية تلك بعد تلقي خبر استشهادك إلا غيبوبة كنا نأمل أن نستيقظ منها على سماع صوتك ورؤية شيبة لحيتك وجمال ابتسامتك وأنت ترتل لنا خطاب اللقاء بعد الفراق، ولكن ها قد رأينا تشييعك بأنفسنا، ولم نقع على خبر التصديق واليقين بل وقع علينا، فَرّأف بنا يَا سيدنا، ما كنت تصنع بنا طيلة فترة وجودك؟! أكنت تغرس فينا حبك!؟ أم أن حبك خلق معنا فطريًّا وما جئت إلا لكي ينموَ هذا الحب فينا!؟

مضيت إلى مثواك الأخير، عند مليك مقتدر مرفوع الرأس، قرير العين، أبيض الوجه، بعد إن ربيتنا على الحق، وأطعمتنا العزة والكرامة، وغذيتنا بالفداء والولاء، وكسوتنا برايات الحرية، أحييتنا بالشموخ والنصر، وغطّيتنا بلحاف الثقة والتوكل على الله، وشربنا من سلسبيل خطاباتك محبة آل البيت، والتبرؤ من أعدائهم.

نعم أنك غبت عن أعيننا ولكن حضورك في القلب وليس هناك حضورًا يعادله، وفي مثواك الأخير نعاهد شيبتك الحسنية أننا على عهدك

لقد علمتنا أن الشهداء لا يموتون، بل يولدون من جديد في دماء الأحرار وها نحن اليوم بما علمتنا مستجدون بقولك لنا يومًا “باسمهِ تعالى يقينًا سننتصر”، وَأنت الانتصار في حياتك، وفي استشهادك صرت قسمًا جديدًا لنا بأن طريق الأحرار لا ينتهي إلا بالنصر أَو بالشهادة وكليهما في عقيدة آبائك المطهرين انتصار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com