مرآةُ الخيانة.. لمن يعتبر!
غيداء شمسان
يا لها من حكمة بالغة، تختزل دروس التاريخ، وتجسد مرارة الواقع! “من أعان ظالمًا، أغري به”. كلمات قليلة، تحمل في طياتها عبرة للأمم، وموعظة للحكام، ومرآة تعكس حقيقة العلاقات الدولية، التي غالبًا ما تكون مبنية على المصالح لا على المبادئ، وعلى الخداع لا على الصدق.
واليوم، نرى أوكرانيا، تلك الدولة التي ضحت بأبنائها وأرضها، وقدمت ولاءها وولاء شعبها هدية على مذبح المصالح الأمريكية، تجرع كأس الندم، وتكتوي بنار الخيانة، سنوات طويلة من الحرب الدامية، قتلى وجرحى ومهجرين، دمار شامل للبنية التحتية، واقتصاد مُنهار، وقبل كُـلّ هذا، سيادة مُسلّمة لأهواء واشنطن، كُـلّ ذلك، ظنًا من قادتها أنهم يحظون بدعم حقيقي، وبحماية مضمونة، وبوعود صادقة من الحليف الأمريكي.
ولكن، ما هي النتيجة؟ ترامب، ذلك الوجه القبيح للرأسمالية المتوحشة، يخرج علينا اليوم، ليطالب أوكرانيا بدفع مبلغ خيالي، قُدِّر بـ 300 مليار دولار، تعويضًا عن الدعم الأمريكي! يا للوقاحة! وكأن أوكرانيا لم تدفع ثمن هذا الدعم أضعافًا مضاعفة من دماء أبنائها وأشلاء مُدُنها، وكأن أمريكا لم تستغل هذه الحرب لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، على حساب دماء الأوكرانيين.
بل إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالطمع الأعمى لترامب، دفعه إلى التلويح بالسيطرة على المعادن الدفينة في أرض أوكرانيا، وكأنها غنيمة حرب، وكأن الشعب الأوكراني ليس له الحق في ثروات بلاده.
يا لها من صفعة مدوية، يجب أن تُوقظ الضمائر النائمة، وتُعيد النظر في التحالفات المشبوهة، فمن يعين ظالمًا يُغرى به، هذه هي القاعدة، وهذا هو القانون، وهذا هو الدرس الذي يجب أن يتعلمه زعماء الأنظمة العربية، الذين لا يزالون يعيشون في وهم الحماية الأمريكية، ويُراهنون على وعود كاذبة، ويتجاهلون دروس التاريخ.
فإلى متى ستظل هذه الأنظمة تُقدم ولاءها وولاء شعوبها قرابين على مذبح المصالح الأمريكية؟ وإلى متى ستظل تُغمض أعينها عن الحقائق، وتُصدق الأوهام؟ وإلى متى ستظل تُراهن على حصان خاسر، يُجيد فن الخداع والابتزاز؟
ألم يروا ما حدث لأوكرانيا؟ ألم يتعظوا بما جرى لها؟ ألم يدركوا أن أمريكا لا تُقيم وزنًا إلا لمصالحها، وأنها مستعدة للتضحية بأي حليف، مهما كان وفيًّا ومخلصًا، إذَا تعارض ذلك مع مصالحها؟
إن أوكرانيا اليوم، هي مرآة تعكس صورة مستقبل مظلم ينتظر كُـلّ من يعين ظالمًا، ويضع ثقته في قوة غاشمة لا تعرف الرحمة ولا الوفاء، فليعتبر أصحاب العقول، وليتعلم أصحاب البصائر، وليُدركوا أن العزة والكرامة لا تتحقّق إلا بالاعتماد على الذات، وبالتكاتف والتعاون، وبالتمسك بالقيم والمبادئ، وبالوقوف في وجه الظلم والطغيان، مهما كان الثمن.
فيا زعماء الأنظمة العربية، استيقظوا من سباتكم، وتخلوا عن أوهامكم، وعودوا إلى رشدكم، قبل أن تجدوا أنفسكم في نفس المأزق الذي وجدت فيه أوكرانيا نفسها. فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، والظلم لا يدوم.