من العراق إلى أوكرانيا: كيف تستغلُّ أمريكا الحروبَ للهيمنة على الموارد؟

محمد عبدالمؤمن الشامي

في تصريح جديد، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية، معلنًا أن واشنطن تقترب من التوصل إلى صفقة مع أوكرانيا تمنحها حق الوصول إلى المعادن النادرة في البلاد، مؤكّـداً أن هذه الخطوة ستساعد الولايات المتحدة على استرداد أموالها التي أنفقتها في دعم كييف. هذا التصريح لم يكن مُجَـرّد إعلان اقتصادي، بل هو اعتراف صريح بأن أمريكا لا تقدم شيئاً دون مقابل، وأن دعمها ليس إلا استثمارا لتحقيق مكاسب أكبر، حتى لو كان ذلك على حساب الدول التي تزعم مساعدتها.

أمريكا من دون أقنعة هي دولة لا تتحَرّك إلا بدافع المصلحة، ولا تمد يدها إلا لتقبضَ أكثرَ مما تعطي. اليوم، أوكرانيا ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الدول التي خضعت لهذا النموذج الاستغلالي. فمنذ بداية الصراع مع روسيا، أغرقت واشنطن كييف بالسلاح والمساعدات المالية، لكنها الآن تكشف عن نواياها الحقيقية: هذه الأموال لم تكن دعمًا مجانيًا، بل كانت صفقة تنتظر وقت السداد، والسداد هنا سيكون بثروات أوكرانيا الطبيعية التي تحتاجها الصناعات الأمريكية.

هذه ليست المرة الأولى التي تُساق فيها دولة إلى المصيدة الأمريكية. أمريكا تدفع الدول إلى حروب طويلة، تغرقها بالسلاح والديون، ثم يأتي وقت الدفع. أوكرانيا اليوم تواجه الواقع المرير: دعم أمريكا لم يكن مجانيًا، والمقابل سيكون من ثروات بلادهم. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حاول أن يظهر تحفظات على الشروط، ظنًا منه أن المساعدات العسكرية والمالية كانت نتيجة التزام أخلاقي، لكن الحقيقة كانت واضحة منذ البداية. أمريكا لا تعرف سوى لغة المصالح، والضغوط السياسية والاقتصادية هي سلاحها الفتاك لتحقيق أهدافها.

ما يحدث اليوم في أوكرانيا ليس جديدًا، بل هو تكرار لسيناريوهات سابقة. من العراق إلى أفغانستان، ومن أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأوسط، تدخلت أمريكا تحت ذرائع مختلفة، ثم انتهت الأمور بالسيطرة على موارد الدول المستهدفة. في العراق، كانت الذريعة أسلحة الدمار الشامل، ثم استولت على النفط وتركت البلاد في حالة من الفوضى. في أفغانستان، استنزفت أمريكا ثروات البلد في حرب مزعومة ضد “الإرهاب”، لترحل وتتركه غارقًا في الخراب والفقر.

النهج واحد، والنتيجة دائماً كارثية على الشعوب. أمريكا لا تحتاج إلى غزو مباشر، طالما أن هيمنتها الاقتصادية والسياسية كافية لتحقيق أهدافها. اليوم، المعادن النادرة في أوكرانيا هي جزء من هذه اللعبة، وغدًا ستكون هناك موارد أُخرى في دول أُخرى.

أمريكا ليست حليفًا، بل هي قوة استعمارية لا تعرف سوى نهب ثروات الشعوب وحرمانها منها. كما قال السيد عبدالملك الحوثي: “ماذا فعلته أمريكا باليابان؟ ماذا فعلت في ألمانيا؟ ماذا فعلت أَيْـضاً في فيتنام، في بلدان كثيرة جِـدًّا، في شعوب أمريكا اللاتينية؟ ماذا فعلته بدءًا من أمريكا نفسها، ضد الهنود الحمر؟ كم ظلمت! كم أجرمت! كم تنهب على الشعوب من ثروات، وتحرمها منها، وتتركها للمعاناة والبؤس، ثم تُقدِّم الفتات القليل الضئيل؛ لخداعها، وهي نهبت عليها الكثير الكثير جِـدًّا، وحرمتها من خيراتها! كم تُرَوِّج للأباطيل، والخرافات، والأفكار الزائفة، التي تُضِلُّ بها البشرية، وتحرفها عن المسار الصحيح، والاتّجاه الصحيح، وتدخلها في عمى وفقدانٍ للبصيرة والرشد الفكري…”.

إلى أُولئك الذين يظنون أن أمريكا شريك موثوق، حان الوقت لتدركوا أنكم مُجَـرّد أدوات في يدها، تُستخدم عندما تحتاج إليكم، ثم تُلقى جانبًا بعد أن تنتهي صلاحيتكم. تعلموا من تجارب العراق، أفغانستان، سوريا، ليبيا وأوكرانيا، فهذه ليست إلا أمثلة على ما يجري. أمريكا ليست حليفًا، بل هي قوة استعمارية لا تعرف سوى نهب ثروات الشعوب وحرمانها منها.

اليوم تحاصر أمريكا أوكرانيا اقتصاديًّا، وغدًا قد يكون الدور على غيرها. الخيارات واضحة: إما أن تستيقظوا، أَو تكونوا الضحية القادمة في قائمة طويلة لم تتوقف منذ قرون.

إذا استمررتم في السير خلف أمريكا، فاعلموا أن الشعوب لن تبقى صامتة ولن تغفر لكم خيانتكم. أنتم مُجَـرّد أدوات تُستغل ثم تُرمى حين تنتهي صلاحيتكم، بينما تواصل أمريكا نهب ثرواتكم وتدمير مستقبل شعوبكم. الشعوب لن ترحم من يبيع وطنه لمصالح الأعداء، ولن تغفر لمن يسهل استعبادهم لصالح قوة تواصل نهب ثرواتهم وتدمير مستقبلهم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com