سماحة السيد حسن وتشييعُه الأُسطوري
بشرى المؤيد
شاهد العالم أجمع تشييعَ سماحة السيد القائد الأمين العام لحزب الله/ حسن نصر الله وَصديق دربه وَروحه القائد الأمين/ هاشم صفي الدين فقد كان تشييعًا مهابًا حضره الناس من كُـلّ بقاع الدنيا وعيونهم تفيض دمعا على فراقه الأليم لقلوبهم فما عهدوه إلا قائدًا، إنسانيًّا، رحيمًا؛ يحمل همومهم وقضاياهم بصوت يهز الدنيا وَترتجف منها قلوب الأعداء وتطمئن منها قلوب المستضعفين وَالمظلومين في كُـلّ أنحاء الأرض.
هذا هو التشييع الذي يليق بهؤلاء القادة الكرام الذين أفنوا حياتهم في خدمة شعوبهم لا يريدون منهم “جزاء وَلا شكورا”، هؤلاء هم القادة العظام الذين لا يريدون إلا لشعوبهم الخير والحقوق العادلة التي أحقها الله لعباده ليعيشوا في أرضه ويقيموا فيها القسط ولا يظلم فيها أحد، هؤلاء هم القادة الذين يخافون من الله ويخافون أن يظلم عندهم أحد، يخافون أن تنزع منهم نعم الله عليهم التي أغدقهم بها وجعلهم من أوليائه الصالحين؛ فلذلك نجدهم يقولون كلمة الحق في وجوه الظالمين وَالمستكبرين ولا يخافون إلا منه فهم يتبعون نهج أجدادهم الكرام ورسولهم العظيم “الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا[ الأحزاب: 39].
مثل هؤلاء القادة يبكي عليهم من في الأرض وَالسموات لحب الناس لهم فقد أحبهم الله سبحانه وَنشر حبهم في الأرض “إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أهل السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أهل السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأرض”.
هؤلاء هم القادة الاستثنائيون الذين يحبهم الصغير والكبير، الغني وَالفقير، المسلم وَغير المسلم، العامة وَالمثقفون؛ ولذلك استحقوا هذه الألقاب العظيمة التي منحتها شعوبهم لهم بكل جدارة وَاستحقاق وقالوا لهم بصوت عال “إنا على العهد مُستمرّون”. ستستمر شعوبهم على النضال، وَالكفاح، والمثابرة، وَيحملون دمهم، ورايتهم، وأهدافهم، وَنهجهم؛ وَإلى الأمام ماضون وليتحقّق لهم ما سعوا إليه.
كان يوم التشييع هو بداية عهد جديد وفجر تشرق فيه الشمس ساطعة تتوحد فيه قلوب الناس على الخير، وَتتوحد أَسَاساتهم القوية على رؤية صحيحة، وتتجه بُوصلتهم الأصلية إلى الاتّجاه القويم والسليم الذي يجمعهم وَيوحدهم على الخير.
فقد علم كُـلّ الناس أن حريتهم وكرامتهم وَاستقلالهم هي في مقاومتهم والحفاظ على أراضيهم من أي غزو أَو استعمار وأن أصحاب الأرض لا يهجَّرون ولا يطردون من أرضهم. فكيف يهجر الإنسان من بلاده التي ولد وعاش وتربى فيها؟ كيف يمكن لأي ظالم أَو مستكبر يفكر في أي أرض فيقرّر بتهجير مواطنيها؟!
كان هذا التشييع رسالة بأن المقاومة ما زالت في وهج قوتها وعنفوانها وأن تلك الشائعات التي كانوا يبثونها لجماهير المقاومة ما كانت إلا هباء منثورًا وأنها لم تؤثر فيهم فالمرتزِقة في جميع أصقاع الدنيا يكون لهم نفس الأُسلُـوب، وَنفس المطبخ، ونفس النفسية السيئة الكارهة التي لا تحب إلا مصالحها الشخصية وَتقدمها على المصالح العامة؛ ولكن “بالوعي الجمعي الكامل” تفشل هذه الأساليب وَتنكشف أكاذيبهم ولعبهم ومكرهم ويرتد عليهم.
تماهت الجغرافيا بين الناس وَأصبحوا شعوبًا متقاربة في الأفكار وَالأهداف وَالمنهج القويم فتلاقت قلوبهم وَأرواحهم على الحق فكان لهم سماحة القائد الأمين العام الملهم المربي وَالمعلّم وَالقائد وكل شيء بالنسبة لهم فحضر المخلصون وَالأوفياء وَالأحرار من كُـلّ شعوب العالم وفاء لهم على جهودهم وتعبهم الذي أثمر عقول ناضجة تعي ما يحاك لها من مؤامرات فأصبحت متيقظة لصدها ورد “الصاع صاعين”.
كان هذا التشييع تاريخياً وَفريداً في تاريخ لبنان وَفي العالم العربي وَالإسلامي وَالعالمي لأنه جمع الناس كلها على المحبة وَالأخوة لقوله تعالى “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” فأصبحت هذه الجموع أشجار باسقة لا يثني عزيمتهم وَإرادتهم وَتحدياتهم إلا أن يكونوا أقوياء موحدين في مواجهة الأعداء والأشرار الذين لا يحبون الخير أن يعم على الناس وَينتشر عدل الله في أرضه وهذا وعد الله آتٍ لا محالة ذكر في القرآن الكريم “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شيئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ”.