محافظ عدن طارق سلّام في حوار خاص لصحيفة “المسيرة”: المحتلّون جنوب وشرق اليمن لا يكتفون بتجويع وإفقار الناس بل يعززون تواجدهم العسكري الشرفاء في المناطق المحتلّة أمام فرصة لإسقاط المحتلّ وسياساته الاستعمارية

 

في جنوب وشرق اليمن المحتلّ تغلي الأوضاعُ هيجانًا وقد فاقمت سياسة المحتلّين الجُدُد التدهور المعيشي للمواطنين، وهناك ما يشير إلى اتساع رقعة السخط والاحتجاجات على المحتلّ، حَيثُ بات صوتُ الشارع اليمني جنوب الوطن يهتف برحيل المحتلّين وأذيالهم.

وفي الوقت الذي يشهد فيه الشارع في المناطق والمحافظات المحتلّة، توسُّعاً في مظاهراته، يعكف الأجنبي المحتلّ على تعزيز حضوره العسكري والاستخباراتي خَاصَّة في المناطق النفطية، فيما ينذر المستقبل القريب العدوّ بسوء طالع وجحيم تبدو مؤشراته تتضح وأكثر مع تفاقم الأزمات هناك، وبروز مؤشرات جولة صراع جديدة.

ولتسليط الضوء أكثر على مجريات سياسة التجويع في المناطق والمحافظات المحتلّة، تستضيف صحيفة المسيرة في حوار صحفي خاص، محافظ عدن طارق مصطفى سلّام، للحديث عن الأوضاع المأساوية في ظل نهب الثروات وعبث الأدوات بواسطة مشغليهم السعوديّين والإماراتيين، وإلى نص الحوار تاليًا:

حاوره إبراهيم العنسي:

 

– بداية أُستاذ طارق ما كُـلّ هذه الأحداث التي تعيشها المحافظات المحتلّة جنوب البلاد؟ وكيف سيكون الوضع في شهر رمضان المبارك؟

ما يجري هو ثورة شعبيّة عارمة تجتاح المحافظات الجنوبية المحتلّة؛ نتيجة سياسة الاحتلال التجويعية ومحاولة تركيع الناس وترهيبهم تحت تهديد السلاح.

ومع تفاقم الأوضاع المعيشية لدى المواطنين وغلاء الأسعار وانقطاع المرتبات، خرجت الحشود الغاضبة إلى الشوارع والساحات للمطالبة برحيل الاحتلال وأدواته الرخيصة ورفض كُـلّ أشكال الترويع والترهيب الذي مارسه المحتلُّ وأدواته طيلة عشرة أعوام.

 

– كيف تنظُرُ إلى مستوى وحجم التحَرّكات والتظاهرات الشعبيّة منذ مطلع الشهر الجاري في عدن وبقية المحافظات الجنوبية؟

لا شك أن هذه الانتفاضة الغاضبة ترجمت حالةَ الاستياء والغضب الشعبي العارم تجاه سياسة المحتلّ وأدواته، والفساد والنهب الممنهج الذي طالَ كُـلّ مناحي الحياة وتسبب بخلق فوضى وانهيار غير مسبوق، في ظل استمرار المليشيات وداعميها في قتل وتجويع وتشريد المواطنين ومضاعفة معاناتهم دون أدنى شعور بالمسؤولية؛ ما دفع الناس للانتفاضة في وجه هذا الاستبداد والاحتلال الذي حوّل عدن وأبناءها إلى ثكنة عسكرية وجحيم ملتهب.

 

– حسنًا.. لماذا لا يراها المحتلّ مهدّدةً لوجوده؟ فيتحَرّكَ لتهدئة الشارع اليمني المضطهد؟

إن محاولات المحتلّ وأدواته في إجهاض هذه الثورة ووأدها قد فشلت رغم الهمجية والعدوانية التي مارستها المليشيات ضد المحتجين وسياسة القمع والاعتداء المسلح وحملات الاعتقالات والانتهاكات التي طالت المشاركين في هذه الاحتجاجات، وهو ما يعكس حالة الغضب والتخبط الذي تعيشُه قوات الاحتلال وأدواته في ظل تزايد الغليان والغضب الشعبي.

ولهذا فَــإنَّ الجميع معنيٌّ اليوم بتوحيد الموقف والكلمة ورَصِّ الصفوف في مواجهة المحتلّ الذي نهب موارد الوطن وسلب حرية أبنائه وجعل ثروات اليمن ومواردها في تصرف ورهن ثلة من المجرمين الفاسدين.

 

– إلى أي حَــدّ وصل فيه تدهور الأوضاع وغياب الخدمات الأَسَاسية كالكهرباء والمياه بالإضافة إلى انقطاع المرتبات؟

الخدمات والأوضاع الاقتصادية والمعيشية في عدن والمحافظات المحتلّة وصلت إلى مستويات خطيرة وغير مسبوقة من الانهيار، حَيثُ شهدت مختلفُ القطاعات الخدمية حالة انهيار تام كالكهرباء والصحة والتعليم، بالإضافة إلى المياه والصرف الصحي التي تأثرت من أزمة انقطاع الكهرباء وهو ما فاقم من معاناة الناس، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المتردية والتي تأتي في ظل انقطاع المرتبات وغلاء الأسعار وانهيار صرف العملة مقابل النقد الأجنبي؛ الأمر الذي ضاعف مستوى الانهيار والتردي الذي تشهدُه مختلفُ القطاعات والخدمات في عدن، في ظلِّ صمتٍ مطبق وتجاهل متعمد ومريب من قبل مرتزِقة العدوان والاحتلال الذين يتلذَّذون في معاناة الناس واستغلوها؛ مِن أجلِ مصالحِهم الشخصية والفئوية الضيقة.

 

– من يتحمل مسؤولية ما يحصل هناك أولًا؟ الحضور الغربي الأمريكي والأُورُوبي؟ أم اليد السعوديّة الإماراتية؟ أم المرتزِقة؟

لا شك أن تحالفَ الاحتلال بشِقَّيه السعوديّ والإماراتي وداعميهم من الأمريكان والصهاينة هم من يتحملون بالدرجة الأولى مسؤولية هذا الانهيار والفشل الذي تشهده المحافظات المحتلّة بعد أن نهبت هذه القوات الأجنبية كُـلّ موارد وثروات البلاد واستغلت تواطؤ ثلة من الفاسدين وعمالتهم لها على حساب الشعب اليمني ومعاناة أبنائه، الذي تجرع ويلات القهر والحرمان، في الوقت الذي ينعم الفاسدون ويتسكعون في عواصم العالم بأموال الشعب وموارده التي أصبحت تورد إلى حسابات المرتزِقة البنكية في الخارج مقابل ما يقومون به من عمالة وارتزاق لصالح قوى الاحتلال.

 

– برأيك هل بيد المرتزِق أي قرار لفعل شيء؟ أم أنهم مُجَـرّد موظَّف تابع لا يملك أية سلطة فعلية؟

كشفت الأوضاعُ الأخيرة التي مرت بها عدن والمحافظات المحتلّة الحقيقة التي لطالما أكّـدنا عن تبعية هذه الأدوات ومدى الخنوع والذل الذي يعيشه العملاء في ظل المحتلّ، حَيثُ بينت التطورات الأخيرة أن قياداتِ المرتزِقة -فيما يسمى المجلس الرئاسي المكون من ثمانية رخاص- عاجزون عن تغييرِ حتى مدير مكتب مسؤول أَو مدير مصلحة أَو جهة فكيف له أن يتحكم في مصالح ومصير شعب بأكمله؟!

ومع ذلك فقد تم منحُهم سقفاً من الحرية لا محدود فيما يتعلق بمضايقة المواطنين ومصادرة حقوقهم ونهب أرزاقهم وممتلكاتهم وهذا هو السقف اللامحدود من الصلاحيات التي منحها المحتلّ للمرتزِقة.

 

– هل يستطيع أتباع الرياض وأبو ظبي فعل شيء لحل تعقيدات الوضع المتأزم في الجنوب؟

هم في الحقيقة عاجزون عن حلحلة مشاكلهم الشخصية فيما بينهم والمتعلقة بتقاسم الثروات والعائدات الكبيرة التي يحصلون عليها مقابل صفقات البيع والخيانة، فكيف لهم أن يهتموا بمصالح الناس وتوفير احتياجاتهم، في الوقت الذي باتت فيه هذه القضية المعيشية والخدمية ورقة ضغط من قبل المحتلّ وأدواته ضد المواطنين وأصبحت معاناة الناس وسيلة لضمان مصالح المحتلّ وأطماعه؟!

 

– اليوم أسمع من الناس وهم ليسوا بقليل أن من المحافظات الجنوبية مَن اتجه إلى صنعاء للاستقرار فيها، حَيثُ يجد ظروف العيش أفضل.. ما تعليقك؟

بعد أن رأى المواطنُ في المحافظات المحتلّة الحقيقةَ التي لطالما حاول المحتلّ وأدواته طمسها أَو تجاهلها من أن صنعاء أصبحت هي الوجهة الآمنة والعاصمة المحتضنة لجميع أبناء الشعب اليمني بمختلف مكوناته وأطيافه وفيها يعيش الناس بكل أمن واستقرار وحرية في الوقت الذي باتت فيه مناطق سيطرة المحتلّ وأدواته تغرق في الفوضى والانفلات والغلاء الفاحش، صارت صنعاء قبلة لكل الأحرار من أبناء هذا الشعب الذين يبحثون عن الأمن والاستقرار.

ولعل ما جرى مؤخّرًا في حادثة قتل المعلِّمة في عدن وكيف استطاع زوجها القاتل من ارتكاب الجريمة والفرار من عدن تحت حماية المرتزِقة وتمكّنت الأجهزة الأمنية في صنعاء من القبض عليه في غضون ساعات من دخوله صنعاء شاهد على مستوى اليقظة والمسؤولية والاستقرار التي تتحلى بها العاصمة والمحافظات الحرة، والتي هي كفيلة باحتضان وحماية كُـلّ الشعب.

 

– كيف تقرأ واقع الصراع بين الإمارات والسعوديّة في المناطق المحتلّة؟

حقيقة الصراع السعوديّ الإماراتي هو في الحقيقة صراعٌ أَو اختلاف مصالح وقد وصل بهم الحال إلى محاولة تقويض كُـلّ طرف للآخر، ومحاولة إخراجه من المشهد، وهذا يكشف حقيقة الأهداف التي دخل لأجلها التحالف العدواني إلى اليمن تحت عدة عناوين، وعندما تصادمت المصالحُ السعوديّة والأطماع الإماراتية ببعضها خرج الوضع عن السيطرة وبات كُـلّ طرف يشتري المرتزِقة والأدواتِ التي تمنحُه شرعية التمدد والتوسع في الأراضي المحتلّة وتوسيع مشاريعه وأهدافه على حساب مصالح الشعب وحقوقه المشروعة.

 

– ماذا عن الحضور الغربي الأمريكي الأُورُوبي هناك؟ وما حجم تواجدهم بمحافظات الجنوب المحتلّ اليوم؟

يكشف الحضور الأمريكي الغربي المريبُ في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلّة، ولا سيَّما الغنية بالنفط وذات الموقع الجغرافي الاستراتيجي عن الدورِ الخطير الذي تلعبه قوى الغرب والأمريكان في اليمن؛ فهم لا يكتفون بالدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي يمنحونه للمرتزِقة وتجنيد العملاء وتزويدهم بأجهزة الاتصال والبرامج والتطبيقات التجسسية المتطورة، بل تعمل على تعزيز حضورها العسكري الاستعماري والدفع بقوات مزودة بمختلف الأسلحة والتقنيات المتطورة؛ مِن أجلِ رصد أي تحَرّك قد يهدّد مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني.

ولذلك فقد شهدت المحافظاتُ المحتلّة خلال الفترة الأخيرة حراكاً مكثّـفاً للحضور الأمريكي الغربي في اليمن من خلال وصول دفعتين من جنود ما يسمى المارينز إلى المهرة خلال شهر واحد، تبعه تأكيدات أمريكية وغربية عن تعاون مشترك تقوم به أمريكا والكيان الصهيوني مع دول الاحتلال في اليمن وتعزيز نفوذهم؛ لمواجهة العمل البطولي الكبير الذي قامت به القوات المسلحة اليمنية في دعم وإسناد المقاومة الفلسطينية والتصدي للمؤامرات الأمريكية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني.

 

– ما حجم الخطر الذي يستهدف المهرة اليوم، حَيثُ هناك مساعٍ للسيطرة عليها وحضور مدربين أجانب لتدريب مرتزِقة درع الوطن؟

لا شك أن هذا الخطر لا يهدّد المحافظات المحتلّة فقط بقدر ما يهدّد أمن اليمن واستقراره ككل، بعد أن تحولت المحافظات المحتلّة إلى ثكنة وقاعدة عسكرية لمختلف القوات متعددة الجنسيات والولاءات؛ الأمر الذي من شأنه أن يتحول إلى بؤرة لانطلاق المؤامرات الأمريكية الغربية ضد المنطقة، وساحة حرب بين الدول الطامعة في التمدد والتوسع في مشاريعها الاستعمارية ونهب وتدمير المقدرات الوطنية والثروات.

 

– بِــمَ تفسِّرُ تسليمَ مطار سقطرى علنًا لشركة أجنبية؟

شهدت جزيرة سقطرى اليمنية خلال الأعوام الماضية العديد من التحَرّكات الغربية والأجنبية المشبوهة والتي جعلت من الجزيرة النادرة ثكنةً عسكرية لخدمة المشاريع الصهيونية والمصالح الغربية، وتسليم المطار لشركة أجنبية هو يأتي في هذا السياق، تكريس الاحتلال.

وقد شهد الأسبوع الماضي انتشارًا كَبيرًا لمليشيات المرتزِقة في محيط مطار مدينة حديبو المركز الرئيسي لأرخبيل سقطرى والذي تم السيطرة عليه من قبل القوات الإماراتية، بالتزامن مع وصول عدد من الضباط الإماراتيين والأجانب إلى المطار، في ظل المساعي لتوسيع التواجد الصهيوني العسكري في الأرخبيل.

 

– هل يمكن أن يستمرَّ العبثُ الإماراتي بسقطرى كما هو حاصل اليوم؟

الموقف الشعبي العظيم الذي يجسِّدُه أبناءُ سقطرى اليوم في مواجهة هذه المؤامرات يؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا المحتلّ ومشاريعه وأوهامه إلى زوال وأن الوعيَ والإجماع الشعبي على حماية المصالح اليمنية والرفض القاطع لأي تواجد أجنبي يعكس الوعي الشعبي المتزايد في خطورة هذه المؤامرات الأجنبية ضد اليمن وهي بلا شك ستلعب دوراً كبيراً في التصدي لهذا المحتلّ وكنسه وأدواته إلى غير رجعة.

 

– أخيرًا.. هل سيطول صبرُ الشارع في المناطق المحتلّة بعد عشر سنوات من العبث؟

بلا شك لن يطول وقد بدأت اليوم شرارة الغضب تجتاح كُـلّ المحافظات اليمنية المحتلّة وأثبت أبناءُ عدن وأبين ولحج وشبوة وحضرموت وكلّ المناطق المحتلّة أنهم أصحاب حق ومطالب مشروعة في رفض التواجد الأجنبي والمليشيات التابعة له.

ونحن اليوم أمام مفترق طرق ومسارات جديدة تضع المحتلّ وأدواته أمام واقعٍ لا مناصَ منه وهو الرحيل من هذا الوطن والإذعان لمطالب أبنائه الشرفاء، خُصُوصًا وأن الفرصة اليوم سانحةٌ أمام الأحرار للثورة على التجويع ورعاته.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com