العدوّ ينقلب على اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة: مناورةٌ للهروب من واقع الهزيمة

– الاحتلال يقرّرُ إغلاق معابر القطاع ومنع دخول المساعدات

– المقاومة تعلقُ بابَ المراوغة وتؤكّـد تمسكها بجميع مراحل الاتّفاق

– تأكيداتُ السيد القائد حول الاستعداد للتدخل العسكري تعودُ إلى الواجهة كجزء أَسَاسي من المشهد

في إطار خُطة أمريكية لابتزاز المقاومة وتجنُّب التزامات المرحلة الثانية..

 

المسيرة | خاص:

في محاولةٍ جديدةٍ للانقلاب على اتّفاق وقف إطلاق النار اعتمادًا على الدعم الأمريكي، أعلن العدوّ الصهيوني، الأحد، إغلاق معابر قطاع غزة ومنع إدخَال المساعدات المتفق عليها؛ مِن أجلِ الضغط على المقاومة الفلسطينية للقبول بخطة أمريكية التفافية لتمديد المرحلة الأولى من اتّفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المزيد من أسرى العدوّ، بدون تنفيذ بقية مراحل الاتّفاق، الأمر الذي يكشف مجدّدًا عن حقيقة ما يشكله الاتّفاق من هزيمة يسعى العدوّ إلى تغيير واقعها، لكن بدون جدوى؛ فالمساعي الجديدة تواجه أفقًا مسدودًا يتمثل في الموقف الصُّلب للمقاومة الفلسطينية والقوى المساندة لها وعلى رأسها الجبهة اليمنية التي استبقت مساعي العدوّ بإعلان صريح وواضح عن الاستعداد للتدخل العسكري الفوري بأعلى سقف، وهو ما يجعل مساحة المناورة أمام العدوّ ضيقة للغاية.

 

ابتزاز صهيوني لتجاوز واقع الهزيمة:

القرار الصهيوني العدواني الجديد جاء بعد اكتمال المرحلة الأولى من اتّفاق وقف إطلاق النار، والتي تمكّنت غزة فيها من تثبيت واقع انتصارها على أهداف العدوّ المتمثلة في القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى بالقوة بدون صفقة تبادل، وكذلك تغيير الحكم في القطاع، حَيثُ شكلت مراسيم عمليات التبادل والاستعراضات والرسائل العسكرية التي تضمنتها، تجسيدًا واضحًا لسقوط تلك الأهداف بشكل مدوٍّ، وهو ما اعترف به العدوّ أَيْـضًا من خلال اعتراضه على تلك المراسيم.

وفي ظل ثبوت واقع انتصار غزة من خلال مفاعيل المرحلة الأولى من الاتّفاق، لجأ العدوّ إلى قرار منع دخول المساعدات وإغلاق المعابر؛ مِن أجلِ تجنب الدخول في المرحلة الثانية التي من شأنها أن ترسخ هزيمته بشكل أكبر، معتمدًا على دعم أمريكي في إطار خطة حملها مبعوث ترامب إلى المنطقة، ستيفن ويتكوف، تقترح أن يتم تمديد المرحلة الأولى لقرابة 50 يومًا تتضمن إطلاق سراح المزيد من الأسرى الصهاينة؛ مِن أجلِ إعفاء العدوّ من التزامات المرحلة الثانية وما ستحملها من مفاعيل إضافية لهزيمته.

وقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية أن قرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات جاء استغلالًا لقدوم شهر رمضان المبارك، حَيثُ تصبح المساعدات أكثر أهميّةً لسكان غزة، بحسب تعبيرها، وهو ما يعني أن القرار يأتي كمحاولة ابتزاز صريحة للمقاومة للتنازل عن استحقاقات المرحلة الثانية من الاتّفاق.

 

مساحة ضيِّقة للمناورة:

الخطة الأمريكية الصهيونية تهدف بوضوح إلى إفراغ الاتّفاق من مضمونه، وتحويله إلى مُجَـرّد غطاء دبلوماسي يجبر المقاومة على تسليم الأسرى ويمنح العدوّ مساحة واسعة للمناورة في التزاماته، وهو ما يعني أن العدوّ يبحت عن منطقة ما تقع بين عودة الحرب وبين الالتزام بالاتّفاق، وبالتالي فَــإنَّ هذا المسعى محكوم عليه بالفشل مسبقًا؛ لأَنَّه يعتمد بشكل رئيسي على مدى إمْكَانية ابتزاز المقاومة دبلوماسيًّا وإنسانيًّا للتنازل عن استحقاقات الاتّفاق؛ الأمر الذي لا يملك العدوّ فرصة لتحقيقه.

وقد مثّل موقف فصائل المقاومة الفلسطينية دليلًا واضحًا على انسداد أفق مساعي العدوّ، حَيثُ أكّـدت حركة حماس أن منع دخول المساعدات يشكّل “انقلابًا” من جانب العدوّ، مؤكّـدة تمسكها بالاتّفاق ومراحله المحدّدة، فيما اعتبرت حركة الجهاد أن ما فعله العدوّ يشكّل تأسيسًا لمرحلة عدوانية جديدة، وهو ما يعني عدم وجود أية فرصة للاستجابة لابتزاز العدوّ، ويؤكّـد أنه لا مجال أمامه للالتفاف على الخيارات الوحيدة المتاحة والمتمثلة في الالتزام بالاتّفاق أَو العودة إلى التصعيد.

وفيما يبدو ظاهريًّا أن العدوَّ لا يبالي تجاه انهيار الاتّفاق اعتمادًا على الدعم الأمريكي، فَــإنَّ ذلك ليس صحيحًا بالمطلق؛ فالعدوّ لجأ إلى وقف إطلاق النار مضطرًّا بعد إدراكه لفشله الذريع والكامل في تحقيق أيٍّ من أهدافه المعلنة، وهذا أمر لم يتغير حتى بعد قدوم إدارة ترامب، فالدعمُ الأمريكي لم يكن محدودًا في عهد بايدن كما يتم تصويره، كما أن مشكلةَ العدوّ لا تتعلق بغياب الدعم، بل بعدمِ فاعلية كُـلّ ما لديه من أدوات ووسائل ومخطّطات، وهو ما كان قد حاول أن يعوِّضه من خلال مخطّط تهجير الفلسطينيين بمؤامرة سياسية.

بالإضافة إلى ذلك، فَــإنَّ انهيار الاتّفاق وتعليق عمليات تبادل الأسرى، سيضع قيادة العدوّ وإدارة ترامب في موقف سيء؛ فحتى إن لم يكن نتنياهو يكترث للانتقادات الداخلية ومطالب عائلات الأسرى، فَــإنَّه مُجَـرّد العودة إلى واقع التخبط والفشل في تحقيق الإنجازات العسكرية، وتعريض بقية الأسرى لخطر القتل بالغارات الجوية لا يشكل أي مكسب بالنسبة له، كما أن إدارة ترامب التي استخدمت وقف إطلاق النار كدعاية انتخابية لها ستجد نفسها محاطة بانتقادات هي أحوجُ إلى تفاديها بالنظر إلى العدوات المتزايدة التي لا ينفك ترامب عن إثارتها على مستوى العالم، وفوق ذلك كله، هي لا تملِك أية وسيلة لمساعدة العدوّ على تحقيق أهدافه أكثر مما فعلت إدارة بايدن.

وقد عكس لجوءُ إدارة ترامب وقيادة العدوّ الصهيوني إلى خطة تمديد المرحلة الأولى من الاتّفاق، حاجتهما الواضحة إلى مواصلة إخراج الأسرى الصهاينة ضمن صفقات التبادل، وتجنُّب الانهيار الكامل للاتّفاق، وهو ما يعني أن مسألةَ “الانتصار العسكري” قد تم تجاوُزُها بفعل صمود المقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد.

 

دور الجبهة اليمنية يتكامل مع موقف المقاومة الفلسطينية:

وبالإضافة إلى صلابة موقف المقاومة الفلسطينية وتمسكها بمكاسب انتصارها الكبير في “طوفان الأقصى”، فَــإنَّ موقف الجبهة اليمنية وإعلان السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي عن معادلة الاستعداد والجاهزية للتدخل عسكريًّا لمواجهة أي تطور بشكل فوري وبسقف مفتوح تطال عملياته كامل الأراضي المحتلّة، يزدادُ وضع العدوّ سوءًا، ويجعل خيار العودة إلى التصعيد أقل جاذبية بالنسبة له ولداعميه؛ لأَنَّ تدخل الجبهة اليمنية بهذا المستوى وفي ظل العجز الثابت عن ردع صنعاء أَو التأثير على موقفها لن يعني فقط العودة إلى نفس الحالة التي لجأ العدوّ إلى اتّفاق وقف إطلاق النار للخروج منها، بل سيعني مواجهة تداعيات إضافية جديدة ستحملها مفاجآت الخصم اليمني العنيد والبعيد الذي تعود على الخروج عن المألوف منذ انخراطه في الصراع.

وقد عادت تأكيداتُ السيد القائد إلى الواجهة بشكل فوري بعد إعلان العدوّ عن منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة، حَيثُ أعادت وسائل إعلام عربية وعبرية تناولها؛ باعتبَارها جزءًا أَسَاسيًّا من المشهد.

وبهذا التكامل الواضح بين دور الجبهة اليمنية وموقف المقاومة الفلسطينية ومفاعيل الانتصار في المرحلة السابقة، فَــإنَّ مساعي الابتزاز الأمريكية والصهيونية الجديدة تواجه طريقًا مسدودًا من ناحية تحقيق الهدف المرتبط بها والمتمثل في إجبار غزة على التنازل عن استحقاقات الاتّفاق، وسواء اختار العدوُّ العودةَ إلى التصعيد أم التراجع عن موقفه الجديد؛ فَــإنَّ النتيجة ستبقى واحدة، وهي أنه لا خروج للأسرى الصهاينة (أحياءً أَو أمواتًا) إلا بصفقة تبادل تنسجم مع بقية متطلبات وقف إطلاق النار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com