أمام الانقلاب الصهيوني على الاتّفاق وخطط التهجير: إما جهنم أو جهنم.. وللعرب الاختيار
المسيرة | خاص
يظهر في سياق اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة، أن الأمريكي بات يضغطُ لمساراتٍ تؤكّـد أنهُ ليس بالوسيط النزيه، ودون مناقشةٍ جادة للمرحلة الثانية، سيكون من الصعب إقناع المقاومة الفلسطينية بالموافقة على خطة جديدة لإطلاق سراح الأسرى الصهاينة.
وفي وقتٍ تصاعدت الدعوات لضرورة انطلاق المرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار، التي من شأنها وضع حَــدٍّ للحرب في قطاع غزة، بعد انتهاء مرحلته الأولى، ليل السبت، أعلن الاحتلال الإسرائيلي موافقة حكومته على اقتراح أمريكي بتمديد الهُدنة الحالية حتى منتصف أبريل المقبل، في ظل عدم التوصل إلى اتّفاق في المفاوضات.
انقلاب سافرٌ على الاتّفاق:
في التفاصيل، أكّـدت حركة حماس، الأحد، أنّ “قرار “نتنياهو” بوقف المساعدات الإنسانية لقطاع غزّة ابتزاز رخيص، وجريمة حرب، وانقلاب سافر على اتّفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى”.
وطالبت حماس في بيانٍ لها الوسطاء والمجتمع الدولي التحَرّك للضغط على الاحتلال لوقف إجراءاته العقابية وغير الأخلاقية بحق أكثر من مليوني إنسان.
وأعلن مكتب “نتنياهو” في بيانٍ أصدره بعد منتصف الليل، أن “إسرائيل تعتمد خطة المبعوث الرئاسي الأمريكي “ستيف ويتكوف” لوقف إطلاق نار موقت خلال شهر رمضان”، الذي ينتهي في نهاية مارس وخلال “عيد الفصح اليهودي”، الذي سيحتفل به في منتصف أبريل، مُضيفًا أن “إسرائيل مستعدة للبدء فورًا بمفاوضات حول تفاصيل خطة ويتكوف مع حماس”.
ولكن “حماس” عدّت الخطوة الإسرائيلية بمنزلة تنصّل من الاتّفاق الموقّع سابقًا؛ إذ قال القيادي في حماس “محمود مرداوي”، في بيان: إن “البيان الأخير لمكتب نتنياهو هو تأكيد واضح أن الاحتلال يتنصّل بشكل متكرّر من الاتّفاقات التي وقّع عليها”.
وَأَضَـافَ، أن “الطريق الوحيد لاستقرار المنطقة وعودة الأسرى هو استكمال تنفيذ الاتّفاق؛ بدءًا من تنفيذ المرحلة الثانية، والتي تضمن المفاوضات على وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الشامل وإعادة الإعمار، ومن ثم إطلاق سراح الأسرى في إطار صفقة متفق عليها. هذا ما نصرّ عليه، ولن نتراجع عنه”.
تفاصيل خُطة “ويتكوف”:
وبموجب خطة “ويتكوف”، يفرج عن “نصف الأسرى الإسرائيليين، الأحياء والأموات” في اليوم الأول من دخول الخطة حيّز التنفيذ، على أن يطلق سراح بقية الأسرى “في نهاية المطاف، إذَا تم التوصل إلى اتّفاق بشأن وقف دائم لإطلاق النار”، بحسب مكتب “نتنياهو”.
وقال مكتب “نتنياهو”: إن “ويتكوف عرض هذا المقترح بعدَما “خَلُصَ إلى استحالة التوفيق بين مواقف حماس وإسرائيل على الفور، وأن ثمة حاجةً إلى مزيد من الوقت لإتمام المحادثات بشأن وقف دائم لإطلاق النار”.
عقب ذلك، أعلن وزيرُ الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو” أنه وقّع على إرسال مساعدات عسكرية لـ “إسرائيل” بقيمة نحو 4 مليارات دولار.
وخلال نقاش مساء السبت، بقيادة مجرم الحرب “نتنياهو”، ظهرت تقديرات إسرائيلية من قبل جهات أمنية بضرورة استخدام الضغط الإنساني، مع تقدير بأن لهذا الضغط تأثيرًا كَبيرًا، رغم امتلاك حماس مخزونًا من الإمدَادات يكفي لأشهر قادمة.
وقال أحدُ كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية في محادثات مغلقة التقدير التالي: “هناك أزمة حقيقية في غزة، حماس غير قادرة على ترسيخ سيطرتها؛ لأَنَّ الغزيين لا يجدون مكانًا للسكن، عشرات العائلات رأوا الدمار في الشمال وعادوا جنوبًا، الحصار الاقتصادي الشديد على مناطق محدّدة في شمال القطاع سيكون له تأثير على حسابات حماس”، حَــدّ زعمه.
وبإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية عن قطاع غزّة الذي أعلنه، يعيد “نتنياهو” الحرب إلى بداياتها، وينذر بعشرات آلاف أُخرى من الشهداء والضحايا، وبمزيدٍ من الدمار، وتهجير الناس مرة أُخرى إلى “مناطق آمنة” إلى أن يتم التهجير النهائي.
وبات من الواضح أن الخيار الذي يضعه “نتنياهو” وحكومته بدعمٍ أمريكي أمام المقاومة وأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، هو إما جهنم أَو جهنم، وفي الواقع يراه مراقبون أنهُ خيار يضعه أمام العرب كلهم وليس أمام قطاع غزة فقط.
تقديرات صهيونية: يومٌ حاسم لدفع الصفقة إلى الأمام
في الأثناء، قالت “هيئة البث العام” الصهيونية: إن “المحادثات وصلت في القاهرة إلى طريقٍ مسدود؛ حماس تطالب بالتفاوض على المرحلة الثانية التي ستنهي الحرب، في حين تعارض “إسرائيل” ذلك بشدة، وتطلب من الوسطاء الضغط على حماس لتقبل بتمديد المرحلة الأولى”.
ونقلت عن مصادر إسرائيلية أنها “شدّدت مرارًا على أن أية محاولة للوصول إلى صفقة تشمل إطلاق سراح جميع المختطفين مع بقاء قوة حماس العسكرية ومن ثم العودة لاحقًا إلى الحرب، هو سيناريو غير واقعي”.
وأضافت الهيئة، تصر “إسرائيل”، بحسب المصادر، على خيارَين فقط: إما تمديد المرحلة الأولى من الاتّفاق، ما يعني إطلاق سراح مزيد من الأسرى واستمرار وقف إطلاق النار، أَو “استئناف الحرب، بدعم أمريكي كامل، في حال رفض حماس للشروط الإسرائيلية”.
وبحسب المصادر “تعدّ إسرائيل الساعات القادمة حاسمة في تحديد مسار التصعيد العسكري، إذَا لم توافق حماس على المطالب المقدمة.
ورأى مراقبون أن انقلاب “نتنياهو” لم يفاجئ أحدًا، فهو يخطّط لاستعادة الأسرى من خلال تمديد المرحلة الأولى؛ للتحرّر من الضغط الداخلي لأهالي الأسرى والأصوات الداعمة لهم، ومن ثم استئناف حرب الإبادة لتحقيق أهدافه بأية ذريعة، وتهجير مئات آلاف المواطنين من شمال قطاع غزة، كمقدمةٍ لخطة تفريغ قطاع غزة من أكثر سكانه، وفق رؤية “ترامب” الذي يحلم باستثمار شواطئ قطاع غزة وجغرافيتها لإقامة ما يسميه “الريفيرا”.
إلى ذلك؛ يكشف المقترح الإسرائيلي بوصاية مصرية على غزة لمدة 15 عامًا، مقابل تسديد ديون مصر، عن مخطّط لنزع سلاح المقاومة وتحويل الصراع إلى مصري-فلسطيني، ورغم عدم واقعيته؛ بحسب خبراء، إلا أن هذا الطرح يشكّل خطرًا حقيقيًّا، وقد يستخدم أَيْـضًا للضغط على الأردن والضفة.
فتح نار جهنم.. واليد على الزناد:
وفي سياق؛ الضغط لقبول الطلب الإسرائيلي؛ بإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة الذي أعلنه، يعيد “نتنياهو” الحرب إلى بداياتها، ويعتقد مراقبون، أن حماس إذَا رضخت للطلب وأتمت صفقة التبادل كامتداد للمرحلة الأولى، تكون بهذا قد ألغت الجولة الثانية، وحينها فهي لا تملكُ أيّة ورقة ضغط لتنفيذ اتّفاق وقف إطلاق نار دائم.
وإذا رفضت واحتفظت بالأسرى، فَــإنَّ “نتنياهو” وداعمَه الأمريكي يتخذونها ذريعة لفتح “نار جهنم”، بحجّـة الضغط العسكري لإطلاق سراح الأسرى، وهو ما يلوّح به “ترامب” كذلك، وفتح له مخازن السلاح.
في هذا الإطار، يبدو أن الردَّ العربي والدولي على عرقلة الاتّفاق شأنه شأن مشروع التهجير والذي كان غير جاد ولم يكن حازمًا بما يكفي للردع، بل أن هنالك حديث عن خطّة “مصرية-عربية” بإدارة قطاع غزة مع نزع سلاح حركات المقاومة وإخراج قادتها من قطاع غزة.
ويرجح مراقبون، أن المقاومة التي دفعت الأثمان الباهظة جِـدًّا من كوادرها ومن أهالي القطاع سوف تحارب حتى النهاية، وهذه النهاية لن تكون قريبة، وقد تتحول إلى حرب استنزاف طويلة، وهذا ما تؤكّـده أَيْـضًا جبهات الإسناد لغزة، ومنها الجبهة اليمنية.
ويأتي اللافت من جبهة اليمن؛ وفي أكثر من مناسبةٍ وموقف على لسان قائد الثورة أَو القادة العسكريين والسياسيين، والتي كان آخرها قول رئيس وكالة الأنباء اليمنية سبأ “نصرالدين عامر”، مساء الأحد: إن “العين تراقب غزة واليد على الزناد، والصواريخ والمسيرات وكل الوحدات العسكرية على أهبة الاستعداد، ونحن مُجرَّبون”.
وبالنتيجة؛ على العالم العربي كله أن يعيَ خطورة المرحلة المقبلة على الجميع، وأن يتصرف بمسؤوليةٍ وشجاعة ليس تجاه فلسطين فقط، فالخطر الذي يجتاح فلسطين لم يحيد عن لبنان وسوريا، ولن يحيد عن مصر والأردن ولا الدول الأبعد منها، وعلى العرب أن يختاروا من الآن، إما جهنم أَو جهنم.