طوفان انتصار.. لا انكسار
أحمد المساوى
هل رأيت جسد طفل دون رأس؟ نعم، في غزة، هل رأيت أمًا فقدت كُـلّ أبنائها في غارة واحدة؟ نعم، في غزة، هل رأيت عشرات الجثث المتفحمة، ولم تتمكّن كُـلّ أسرة من التعرف على ابنها؟ نعم، في غزة، هل رأيت شخصًا خرج لشراء الخبز، وعند عودته شاهد الصاروخ الذي ضرب منزله، وأسرته بداخله؟ نعم، في غزة، هل رأيت شابًا يحمل أشلاء أخيه الممزقة في كيس؟ نعم، في غزة، هل رأيت مقاتلًا يواجه عدوه بشجاعة تجعله يتجاوز الموت، وهو يسابقه إلى أن يصافحه بشرف؟ نعم، في غزة.
هل نقول عن ذلك قتلًا وهدمًا ودمارًا وعبثًا؟ كلا، ذلك ارتقاء إلى حياة العزّ، وتمكينٌ لمن خلفهم، وثباتٌ لمن يشاهدهم، وعزةٌ وكرامةٌ للأُمَّـة جمعاء، هل في ذلك هزيمة؟ كلا، فتلك ضريبةٌ لعزة الأُمَّــة، وأُولئك شهداءٌ أعزّهم الله بحياةٍ كريمة، لا يمكن تخيل جمالها وهم أحياء عند ربّنا، يرزقون ويضحكون ويمرحون.
هل يعقل أن يكون الشهيد منتصرًا، والنازح منتصرًا؟ نعم، عندما يكون التحَرّك لإعلاء كلمة الله.
هل الصهاينة يقصفون ويعبثون؛ لأَنَّه لا يوجد شُجعان يوقفونهم عند حدّهم؟ كلا، الشجعان كثيرون، لكن الأنظمة عميلة، وهي تقف بجانب “إسرائيل”، وتنتظر خلاص المقاومة قبل الصهاينة أنفسهم.
يعني.. السعوديّة والإمارات ومصر والأردن.. تريد التخلص من أهل غزة؟ نعم، هل يعقل هذا؟ نعم، كيف ذلك، وما السبب؟؛ لأَنَّ “الشيطان” (أمريكا وإسرائيل) هو من أوصلهم إلى الحكم، فيكون بقاؤُهم ببقائه، والسبب أن أهل غزة أرادوا أن يكونوا أحرارًا في زمن العبيد؛ ولأنّهم أرادوا العيش بكرامة، اختار لهم القريب والبعيد الموتَ؛ لأَنَّ القريب عبدٌ للبعيد، والعبد لا يزعجه القيد، إنما أن يشاهد أحدهم متمسكًا بحريته.
هل يمكن أن يستمر الوضع هكذا؟ كلا، فقبل الطوفان ليس كما بعده، وفي استشهاد أُولئك العظماء فجر الأُمَّــة الجديد.
ابحث عن قصة أصحاب الأخدود الذين أُحرقوا بالنار، والمجرمون على قتل المؤمنين شهود، والذنب الوحيد للمؤمنين هو إيمانهم بالله العزيز الحميد، والقصة جلية في سورة البروج؛ ففي استشهاد كُـلّ شهيد فجر الأُمَّــة القادم؛ وهذه هي سنن الله، وستسير هذه السنن رغم أنف أمريكا، ورغم الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية.
هكذا هي الأحداث العظام، فارقةٌ من عهد أبينا آدم، فهابيل وقابيل، امتداد لطوفان نوح، وُصُـولًا إلى طوفان الأُمَّــة الهادر الذي كتب الله لنا أن نشهده، فإيانا والتهاون عن نصرة إخواننا بكل ما نستطيع: بالدعم لهم، والدعم للقوات المسلحة اليمنية، والمقاطعة، والمسيرات التضامنية، والإعداد النفسي والجسدي، والكلمة، ناهيك عن الدعاء لحظة بلحظة.
هكذا هي أقدار الله: أن يكون الحق والباطل في صراع؛ فيصنع الله رجالًا للحق، الفرد منهم بأمة، قادرون على مواجهة التحديات مهما كانت؛ لأَنَّ سقوط الباطل لن يكون بيوم وليلة، بل إن الباطل يكون بهيجانٍ عنيفٍ، وبحضورٍ خاطفٍ يؤثر بالضعفاء، بهجمةٍ شيطانيةٍ تتفاخر بالرذائل، وبحضورٍ دنيويٍّ بحت، وبسلطةٍ وقوةٍ ونفوذٍ تحارب من ينتمي إلى الحق، وهنا يتساقط المرجفون والضعفاء والخائفون خوفًا من التنكيل، وبهذه اللحظة يحتفل الباطل بقضائه على الحق، وعندما يصل الباطل إلى قمة جبروته وظلمه وبطشه وعبثه، يتحول كُـلّ شيء إلى جندي للحق، والبحر الذي التهم جيش فرعون بعد سنين من تضحيات موسى ومن معه، هو نفس البحر الذي هاجت رياحه وأمواجه فعاث بالميناء العائم الأمريكي في غزة، وعندما لحقت ثلاث سفن لإنقاذه، جرفهن بجانب جزء من الميناء العائم إلى شواطئ أسدود، والنيران التي جعلها الله بردًا وسلامًا على إبراهيم هي النيران التي يُقدر الله أن تصنع بها كتائب الجهاد الذائدة عن الحق، وهي النيران التي تمنح أهل غزة القوة والبسالة والصمود، فتنشأ أجيال لا تخشى شيئًا، ولا تخاف لومة لائم.